شخصيات عرفتها.. العلامة فضل الله من الفقهاء المجددين
صلاح عبد الرزاق
سيرة فضل الله
ولد السيد محمد حسين بن السيد عبد الرؤوف فضل الله في 16تشرين الثاني 1935 بالنجف الأشرف . وهو ابن خالة السيد محمد باقر الحكيم . نشأ السيد في النجف وتلقى دروسه هناك ، وعندما بلغ السادسة عشرة بدأ بحضور دروس الخارج، وهي دروس متقدمة تساوي المستوى الجامعي أو أكثر. إذ حضر دروس السيد الخوئي، السيد محسن الحكيم، السيد محمود الشاهرودي وحسين الحلي. وكان رفيقاً للسيد محمد باقر الصدر لأنه في عمره ويحضران سوية بعض الدروس. كانت له نشاطات إسلامية وأدبية في العراق حتى غادره إلى لبنان عام 1966 ليبدأ مرحلة جديدة. أسس حوزة المعهد الشرعي الإسلامي التي خرجت عشرات العلماء والخطباء والباحثين ، وأنشأ جمعيات خيرية ومبرات للأيتام ومستشفيات ومستوصفات.
وكان أبرز المساهمين في تأسيس (المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى) في لبنان إلى جانب السيد موسى الصدر. كما دعم حزب الله وزعيمه آنذاك السيد عباس الموسوي. وكان يدعم مالياً المقاومة في لبنان وفلسطين. كما عرف بتأييده الشديد للثورة الإسلامية وزعيمها الإمام الخميني. كما عرف السيد فضل الله بانفتاحه على الطوائف اللبنانية وخاصة المسيحية والسنة ، ويساهم في الحوار بين الأديان والمذاهب.
تعرض السيد فضل الله لحملة ظالمة من بعض المشايخ الذين رأوا فيه امتداداً واسعاً جاذباً للجماهير وخاصة الشباب. فأشاعوا عليه أنه ينكر حوادث معينة تخص السيدة فاطمة الزهراء (ع) مع أن كتاباته أفضل من يعرض سيرتها بشكل علمي وموضوعي يقنع القراء بسرعة. ومن الذين شنوا عليه حملات شعواء من الإيرانيين الشيخ جواد التبريزي والشيخ وحيد الخراساني ، إضافة إلى بعض العراقيين واللبنانيين أمثال جعفر مرتضى العاملي. وحاولوا جر مرجعية النجف الأشرف لتلك الحملات لكن المرجع السيد السيستاني رفض هذا الأسلوب في استفتاء آنذاك.
يعد السيد فضل الله من الفقهاء المجددين والمراجع غير التقليديين، منفتح على الجميع : الرجال ، النساء، الشباب، الطلاب، الصحفيين ، وسائل الإعلام. متابع شديد للأحداث السياسية، لديه قدرة كبيرة في التحليل السياسي والتأشير على الدوافع والأهداف الاستعمارية في المنطقة. مفسر للقرآن بشكل عصري وحركي ، أديب وشاعر له دواوين شعر. اشتهر بفتاواه التي تلامس واقع الناس سواء في البلدان الإسلامية أو في المهجر.
يعد الأب الروحي للإسلام السياسي مع أنه غير منتمٍ لأي حزب أو تنظيم، لكن نفوذه وآراءه ومواقفه القوية ضد إسرائيل جعلته قدوة لكل الأحرار والثوار . تعرض لمحاولة اغتيال عام 1985 في انفجار لسيارة مفخخة كانت تقف في طريقه لكنها انفجرت قبل وصوله إليه لأن سيدة أوقفته تسأله فتأخر عن موعد الانفجار. كما تعرض منزله لقصف الطائرات الإسرائيلية في تموز 2006. تصدى للمرجعية عام 1997 وطرح رسالته العملية (فقه الشريعة) التي كتبت بطريقة مبسطة تشابه الرسالة العملية للشهيد السيد محمد باقر الصدر واسمها (الفتاوى الواضحة). وصدر لسماحته تفسير (من وحي القرآن ) في عشرين مجلداً، إضافة إلى عشرات الكتب والمؤلفات في شتى المجالات.
مؤلفات كثيرة
شملت مؤلفاته جوانب كثيرة من حياة المجتمع المسلم . إذ كتب في : دنيا المرأة ، دنيا الشباب، دنيا الطفل . كما كتب في التاريخ الإسلامي و الثقافة الإسلامية وفي الأخلاق والدعوة إلى الإسلام، وعشرات الكتب ومئات المحاضرات ، وآلاف الإجابات على الأسئلة الموجهة إليه. وقد نشرت محاضراته وفتاواه في سلسلة (الندوة) التي صدر منها عشرون مجلداً ضخماً.
تعرفت على السيد فضل الله في منتصف السبعينيات من خلال كتبه (قضايانا على ضوء الإسلام) و(خطوات على طريق الإسلام) و (منطق القوة في الإسلام) ، وهي كتب لا يمكن للشباب المتدين إلا مطالعتها لما فيها من أفكار عصرية وعرض موضوعي ، وفهم متجدد للإسلام. ثم بدأت باقتناء أي كتاب جديد يصدر له . لكن نظام صدام منع كتبه منذ عام 1979 إضافة إلى كتب السيد محمد باقر الصدر.
ومنذ الثمانينيات التقيت بالسيد فضل الله عدة مرات. ففي نيسان 1980 زرت بيروت ، ونزلت في بيت الشيخ محمد مغنية ، وهو ابن أخ الشيخ محمد جواد مغنية، الذي كان يدرس الفقه والأصول لدى السيد فضل الله. وفي أحد الأيام رافقته لأداء الصلاة في مسجد الإمام الرضا (ع) الواقع في محلة بئر العبد في الضاحية الجنوبية ببيروت. وصلنا المسجد قبل أذان المغرب وصعدنا السلم المؤدي إلى قاعة المسجد الذي كان غير مملوء. لمحت السيد جالساً في المحراب بانتظار رفع الأذان. بعد ذلك صلينا المغرب ، بعدها أخذ السيد يقرأ الدعاء بين الصلاتين، ثم أدينا صلاة العشاء. كانت أول مرة أصلي جماعة مع لبنانيين، ولهم مزاجهم وطريقتهم ، مثلاً هم يقرأون الدعاء سوية مع الإمام وبصوت عالٍ.
بعد أداء الصلاة جلسنا قرب السيد فضل الله ، وبعد أن شاهدنا كيف يجيب على أسئلة المصلين الذين جاءوا فرادى ، وبكل حب ورقة يجيبهم مع الدعاء لهم. ثم تقدمنا وسلمنا عليه وقبلت وجنتيه، فكان مرحباً جداً عندما علم أنني من العراق. فهو قد ولد في النجف الأشرف وقضى عمره هناك ودرس في حوزة النجف ، وكان كاتباً معروفاً وعالماً مجاهداً ، زميلاً للسيد محمد باقر الصدر.
والمرة الثانية التقيته في طهران عام 1986 عندما جاء للمشاركة في أحد المؤتمرات الإسلامية ، فذهبت ضمن وفد من صحيفة (الجهاد) التي كان يصدرها حزب الدعوة الإسلامية. وكان حديثاً ملؤه الصراحة والوضوح، حيث سألناه عن أوضاع لبنان والمنطقة والحرب العراقية-الإيرانية ومستقبل الحركة الإسلامية.
وتتابعت لقاءاتي في عام 1989 عندما مكثت ستة أشهر في دمشق قبل الهجرة إلى هولندا. إذ كان يأتي أسبوعياً من لبنان إلى دمشق حيث يلتقي بالناس ليلة الجمعة في مكتبه قرب مرقد السيدة زينب (ع) ، ويلقي محاضرات إسلامية ، ثم يجيب على أسئلتهم. كما يلقي دروسه على طلبة الحوزة العلمية التابعة لسماحته (حوزة المرتضى).
في عام 1996 في موسم الحج ذهبت مع آخرين لزيارته في محل إقامته في مكة المكرمة حيث تعرف علي بعدما ذكرت له اسمي ومحل قدومي. فكان متجاوباً ومرحباً.
وأول لقاء شخصي به كان عام 1999 عندما زرت سوريا حيث كنت على موعد خاص مع سماحته. إذ كنت بصدد إعداد بحث حول (فقه المهجر) وما يتعلق بالتحديات والمشكلات التي يواجهها المسلمون في الغرب مثل: التعامل مع غير المسلم، سلطة القوانين الغربية، العمل في المؤسسات الغربية، الانتماء للأحزاب الغربية، التقاضي لدى المحاكم الغربية اكتساب الجنسية الغربية وغيرها. وكنت أسجل حديثه بجهاز مسجل صغير. كان يعلق على أسئلتي بأنها عميقة وذكية وهامة لأنها تساهم في تأصيل الفقه الإسلامي في الغرب. كما كان يعلق بنفس الطريقة عندما يراني أمام آخرين في مناسبات أخرى. استفدت كثيراً من أجوبته وأغلبها كانت جديدة في بابها ، وتختزن نظرة عصرية ومنفتحة لتيسير حياة المسلم في الغرب دون التفريط بمبادئ الإسلام وتعاليمه وعقائده وشعائره.
والتقيت السيد فضل الله في شتاء عام 2002 عندما زرت دمشق. وبقيت قرابة أسبوعين ، التقيت بالسيد عدة مرات ، بعضها في منزله بالسيدة زينب.
مراسلات ومكالمات هاتفية
خلال وجودي في هولندا كنت على اتصال بسماحته وبمكتبه، نرسل له أسئلة ، أونطلب تحديد الأول من رمضان أو شوال (عيد الفطر). كما كنت أتصل به هاتفياً بين حين وآخر لمناقشة بعض الأمور وقضايا الساحة. إذ كنت لا أجد هناك تكلّفاً في التعامل معه، لأنه يتعامل ببساطة مع احترام وجدية. كما كنت أرسل إليه رسائل بالفاكس، حيث لم يكن هناك انترنت أو إيميل أو واتساب أو غيره من وسائل الاتصال.
وكنت أوجه لسماحته أسئلة تخص العلاقة مع المجتمع الغربي والتعاملات اليومية فكان يؤكد على حرمة الاعتداء على المجتمع الغربي، وأهمية الصدق معه والالتزام بقوانينه دون خرق تعاليم الإسلام.
وكان العلامة فضل الله يتابع الوضع العراقي أيام الحصار فأفتى بجواز دفع الخمس إلى العراقيين في الداخل. وأعطى إذناً عاماً بذلك فلا حاجة لأخذ الإذن لكل حالة. كما أجاز دفع زكاة الفطرة للفقراء في العراق في سنين المحنة.
كما وجهت له أسئلة تتعلق بأطروحتي للماجستير والتي صدرت فيما بعد بعنوان (العالم الإسلامي والغرب). آنذاك طرحت عليه مجموعة أسئلة تتعلق بشرعية الاتفاقيات مع دول غير مسلمة، وتجميد الجهاد من خلال الاتفاقيات الدولية، شرعية الالتزام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، التقاضي إلى محكمة العدل الدولية وغيرها. وكان يجيب بكل دقة. وقد نشرت أجوبته في ملحق بنهاية الكتاب.
حوار صريح
في ظل التصعيد الأمريكي والتهديد بتوجيه ضربة للعراق، واختلاف المواقف والرؤى تجاه هذا الحدث، أعلن المرجع الديني السيد محمد حسين فضل عن فتواه بحرمة مساعدة أمريكا على ضرب الشعب العراقي، وأن على المسلمين أن يتدبروا أمورهم بأنفسهم في تغيير الواقع الفاسد الداخلي، ورفع الظلم عنهم في كل البلاد الاسلامية.
وقد أحدثت الفتوى ردود أفعال مختلفة حيث قامت بعض وسائل الاعلام والأوساط العراقية في الخارج بتفسير الفتوى على أنها ضد تغيير النظام العراقي. وقد أثارت هذه الفتوى جدلاً في الأوساط السياسية والاسلامية العراقية، رغم أن مواقف السيد فضل الله الواضحة والمنددة بالنظام العراقي .
وكنا آنذاك في الجمعية الثقافية العراقية بهولندا قد أجريت مع سماحته حواراً هاتفياً مطولاً يوم الاثنين 19آب 2002 للتعرف على رأيه الصريح وخلفيات هذا الجدل:
{ أثارت وسائل الاعلام العربية لغطاً من خلال التحريف في فتواكم الأخيرة بصدد حرمة التعاون مع أمريكا في ضرب الشعب العراقي، حيث أشيع بأنكم ضد تغيير النظام واسقاطه من قبل أمريكا. وقد استغل البعض ذلك، بما فيهم النظام العراقي، للتشويش على رأي سماحتكم الحقيقي، حيث أنكم طالما نددتم بهذا النظام المجرم الذي ارتكب أفظع الجرائم بحق الشعب العراقي والشعوب المسلمة المجاورة، فما رأي سماحتكم؟
السيد فضل الله:
أولاً: أحب لكل أخواني وأخواتي أن يقرأوا الفتوى. وأتحدى أي شخص معارض أو موالي أن يجد في الفتوى أية ثغرة يمكن أن يستفيد منها النظام كنظام. أنا أقول لا يجوز مساعدة أمريكا في ضرب الشعب العراقي، فهل يمكن لأحد أن يقول: يجوز أن نساعد أمريكا في ضرب الشعب العراقي؟
ثانياً: نشرت صحيفة (المؤتمر العدد 316) فتواي (بجواز أن يتعامل الاسلاميون مع غير الاسلاميين من العلمانيين في اسقاط النظام) (أنظر نص الفتوى). فهل هذه فتوى يستغلها النظام؟
ثالثاً: أجرى مراسل اذاعة أوربا الحرة في بيروت معي حديثاً مفصلاً، تناولت فيه حيثيات هذا الموضوع. وتحدثت في خطبة الجمعة الأخيرة في بيروت عن معاناة الشعب العراقي كمعاناة الشعب الفلسطيني. وهذا اليوم كان لي حديث مع صحيفة فرنسية بينت فيها المآسي التي يعيشها الشعب العراقي، وأن النظام هو الذي أدى إلى النتائج المأساوية التي حلت بالعراقيين سواء في الداخل أو الخارج. وأنا أتحدث كل يوم بهذا الموضوع، ولكن البعض يصطاد في الماء العكر.
رابعاً: أدليت بحديث لصحيفة النهار اللبنانية (عدد يوم 16 آب 2002) جاء في عنوانه أنني (حرمت مساعدة أمريكا في ضرب الشعب العراقي وليس نظامه).
انتفاضة شعبية
كلكم تعرفون أن أمريكا هي التي أسقطت الانتفاضة الشعبية في العراق عندما زودت دبابات صدام بالوقود، وقالت لهم: دافعوا عن وطنكم. وهي التي أعطت الضوء الأصفر لصدام حتى يحتل الكويت كي تحصد النتائج السياسية التي أدى إليها هذا الاحتلال. وحتى الآن، أنا لا أثق بأن ، كما يتصور كثير من اخواننا العراقيين بأنها سوف تعمل على تغيير النظام، خصوصاً وأن النظام تحول 180 درجة في مسألة قبول عودة المفتشين. وهذا ادى إلى ارباك في الخطة الأمريكية. فالقضية ليست موضوعة على نار حارة، بل على نار باردة.
أنا لا أقول أنه سوف لن يحدث شيء، فهذا من علم الغيب، وليس في السياسة شيء مطلق، ولكني أريد أن أقول أن المسألة تحتاج إلى تخطيط عراقي داخلي، بحيث تتناسى المعارضة العراقية كل خلافاتها، وتضع خطة مدروسة في هذا المجال، لأن لأمريكا الآن ، وحسب معلوماتي وإن كانت ليست واسعة، لم تعط المعارضين الكثير من المجال.
{ سيدنا، أنتم تعرفون بأن الشعب العراقي قد حاول عدة مرات الاطاحة بالنظام، وآخرها الانتفاضة الشعبانية عام 1991. كما أن النظام لم يسقط بفعل الحرب مع إيران، أو حرب الخليج الثانية. فبالنسبة للعراقيين لا توجد لديهم حالياً قدرة على اسقاط النظام بمفردهم دون الاستعانة بقوة من الخارج.
-أنا أتصور بأن أمريكا في قضية التغيير ليست لديها حسابات كبيرة، أنا لا أثق بأمريكا.
{ وإذا كانت قد قررت تغيير النظام.
- أمريكا تريد نفط العراق واستثمارات العراق وأسواق العراق والموقع الاستراتيجي للعراق. ما رأيكم لو فرضنا أنه سيسقط غداً عشرات الآلاف من العراقيين في حالة تحرك أمريكا.
{ صدام لم يقصّر في قتل العراقيين.
- نعم صدام يضرب وهم يضربون.
{ ما هو وجه الاختلاف بين أمريكا وصدام في قتل العراقيين؟
- أنا لم أتحدث أنه لا يجوز اسقاط صدام بل أقول يجب اسقاط صدام. أنا شخصياً لا أثق بأمريكا في أي شيء عربي أو اسلامي.
{ بعض مقلديكم يعتقدون أن تصوركم تجاه الموقف الأمريكي هو مجرد تحليل سياسي.
- أنا أصدرت فتوى بعدم جواز ضرب الشعب العراقي. بقدر هذا الموضوع أنا ألتزم بالفتوى. والذين يعتقدون أن امريكا لن تضرب الشعب العراقي بل ستضرب النظام العراقي، فهم أحرار في تفكيرهم.
أنا أجد أن النظام العراقي هو سيئة من سيئات أمريكا. وعلى هذا الأساس أنا أقول اليوم قبل الغد إن شاء الله يهيئ أي شيء لإسقاط النظام، ولكنني لا اتبنى هذا الموضوع بحيث أقول: أيها المؤمنون ساعدوا أمريكا. فهم أحرار في هذا الموضوع وحسب قناعاتهم التي يرونها. ويمكن للشاهد أن يرى ما لا يراه الغائب.
أنا مقتنع بإسقاط النظام، ولكن غاية ما هناك أن بعض الناس يريدون ذلك. وأنا لا أقول لهم: لا، ولكنني أقول أن أي شيء يجعل العراق تحت سلطة أمريكا بشكل مطلق، خصوصاً وأنهم يقولون بأن أمريكا ستبقى في العراق خمس سنوات على الأقل.
{ هل هناك فرق كبير بين احتلال صدام للعراق واحتلال أمريكا للعراق؟
- أنا أقول: لا يوجد فرق. لقد أربك صدام كل الواقع العربي والاسلامي، وأمريكا تربك كل الواقع العربي واسلامي.
فتوى ملزمة
{ هناك تصور يرى بأن شيعة العراق في هذه المرحلة قد يعيدون نفس التجربة التي عاشوها في ثورة العشرين عندما انسحبوا من المشاركة في الحياة السياسية تاركين الأمر للآخرين.
- لقد سمعت هذا الكلام، وهو غير دقيق. كان الشيعة خارج نطاق الزمن.. خارج نطاق التاريخ. الآن الشيعة دخلوا التاريخ. أنا لا أقول أن لا ندخل الواقع السياسي العالمي. أنا كنت من الدعاة إلى دخول الواقع السياسي.
{ إذا سأل أحد العراقيين وقال: إذا جاءت أمريكا إلى العراق، وهناك احتمال كبير أن يكون العراق مثل دول الجوار المرتبطة بأمريكا كالأردن والسعودية والكويت، فهل أفضل للشعب العراقي أن يكون مثل وضع الشعب الأردني أو السعودي أو الكويتي، أو ما هو عليه الآن؟
- كل شيء عدا صدام أقل سوء. كان اليوم لدي لقاء مع صحيفة فرنسية، قلت لهم: هذا الرجل أساساً لم يذكر التاريخ شخصاً مثل شره بحيث كان الحجاج يقول: يا حرسي اضرب عنقه. أما صدام فأقــــــل ما يفعله أنه يقتل الشخص ويأخذ ثمن الرصاصات التي قتله بهـــــــا من أهله.
{ هل هناك واجب شرعي عيني يقع على المسلمين بشكل عام، وعلى الشيعة بشكل خاص، في تقديم العون للشعب العراقي للتخلص من نظامه؟
- يجب ويجب ويجب. جاءني بعض المجاهدين العراقيين يسأل: إذا دخلت أمريكا العراق، ماذا نعمل؟ قلت لهم: تابعوا خطتكم.
{ نشكر لكم منحنا هذه الفرصة للحوار الجاد والصريح مع سماحتكم.
- أقول لكم ولكل احبائي وأبنائي واخواني: أنا ولدت في العراق، وشربت ماءه، وتنفست هواءه، وعشت على ترابه، ونموت فيه.
العراق بالنسبة لي هو الهم اليومي الذي أتابع كل ما يتعلق به في الصحافة، في التلفزيون، في الأخبار، حتى أجد ما يمكن أن يعطي نقطة ضوء .
أنا أعيش معاناة كل العراقيين، خصوصاً اخواننا المهاجرين إلى الغرب، وكذلك اخواننا الذين يعيشون في مخيم رفحاء (بالسعودية) الذين أحمل همهم الكبير لأنهم يعيش في أسوء الظروف، وكذلك اخواننا في داخل العراق.
لذلك لا تعتقدوا أن لدي اهتمام بلبنان مثلما الاهتمام بالعراق. أنا لا أزال بالنسبة للعراق أعتبر أن جذوري هناك. فلذلك وكما ورد في زيارة وارث (أنا معكم معكم لا مع عدوكم). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
العلاقة بالمعارضة العراقية والجمهورية الإسلامية
وفي لقاء آخر سألت العلامة فضل الله:
{ كيف تقيِّمون علاقتكم بالمعارضة العراقية وإيران ؟
- الواقع أنا أعتبر نفسي ، ولا إقليمية في الإسلام ، معنياً بالقضية العراقية لأنني ولدت ونشأت في العراق ، وحتى أنني لم أتحرر من اللهجة العراقية ، وليست هناك ضرورة للتحرر منها . ولكنني معني بالقضية العراقية ودائماً أتحدث مع المعارضة العراقية دون أية عقدة من أية جهة من الجهات . بالطبع نحن إسلاميون ، ننطلق من الخط الإسلامي الذي كان ينتهجه السيد الشهيد الصدر رحمه الله . ولكننا ننفتح أيضاً على المعارضة العراقية الأخرى ، فأنا ألتقي مع أكثر من فريق وحتى مع العلمانيين . أتصور أنه من الضروري أن يلتقي المعارضون العراقيون في هذه المرحلة في هدف واحد هو إسقاط هذا النظام ، ويبقى لكل فريق نهجه وخطته فيما تكون عليه صورة العراق في المستقبل .
أما علاقتنا بإيران ، نحن نعتبر إيران دولة إسلامية منطلقة في خط أهل البيت (ع) ، وأن علينا أن ندعمها جملة وتفصيلاً . لأننا نجدها الدولة الوحيدة التي تلتزم بالإسلام وخط أهل البيت (ع) . ليس معنى ذلك أننا نقول بعصمتها ، ونقول أنه ليست هناك مشاكل ، ولكن هناك مشاكل فوق العادة ، وهناك سلبيات . ولكن نعتقد أنه يجب على المسلمين دعمها ولا سيما في مواجـــــــهة الإستكبار العالمي .
تعقيدات الساحة
{ ما زلتم أباً لكل العراقيين ، ولكننا بحاجة إلى مشروع .
- المشروع ليس من الأمور البسيطة لأن طبيعة التعقيدات الموجودة في الساحة العراقية ، والتي تعرفون أن فيها أكثر من مداخلة . كما أن الواقع الدولي يجعل من الصعب حل القضية . ولكن يجب أن نفكر بمشروع وحدوي ، مشروع واقعي ، وهذا بحاجة إلى شروط صعبة جداً . ونحن مع أي مشروع ونعمل مع كل الذين يريدون أن يتحركوا في هذا السبيل ، لكنني أعتقد أن القضية ليست بهذه البساطة .
وفاته
عندما توفي السيد فضل الله في 4 تموز 2010 أقمت له مجلساً تأبينياً في بغداد حضرته مجموعة من الشخصيات الدينية والسياسية والاعلامية . وألقيت كلمة تأبينية عن سيرة العلامة الراحل.
دُفن العلامة فضل الله في سرداب (جامع الحسنين) في الضاحية الجنوبية. وهو مؤسسة كبيرة والمبنى مشيد من عدة طوابق يضم المسجد ، قاعات اجتماعات ومحاضرات، ومكتبة ومركز إسلامي ثقافي، إضافة إلى إحياء المناسبات الإسلامية.
وقد شيده الوجيه الكويتي الحاج عبد الحسين بهمن عام 1995. وكان السيد فضل الله يقيم فيه صلاة الجمعة والعيدين ومحاضراته في شهر رمضان والأدعية اليومية بعد صلاة العشاء وإحياء ليالي القدر والمناسبات الدينية خاصة في شهري محرم وصفر. وكنت أزور قبره كلما ذهبت إلى بيروت وأقرأ القرآن وأصلي ركعتين وأهديها له قدس سره.
وبعد وفاته تصدى ولده السيد علي فضل الله إدارة المكتب وإمامة الصلاة.
وقد التقيت بسماحته عدة مرات وهو يمثل والده في تواضعه وانفتاحه وسجاياه وأخلاقه. في عام 2012كنت أحد أعضاء وفد مجلس النواب العراقي الذي شارك في ورشة أقامها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة حول تشريع المجلس الاتحادي.
وقام الوفد بزيارة مؤسسة السيد فضل الله والتقينا بسماحة السيد علي فضل الله.