صواريخ فرط صوتية.. ميدان جديد لسباق التسلّح
غزاي درع الطائي
بعد الصواريخ البالستية والصواريخ الجوالة والطائرات الشبحية، جاءت الصواريخ فرط الصوتية (hypersonic missiles)، التي لم يسمع بها العالم قبل عام 2018 والتي تعدُّ قوة تدميرية هائلة إذا ما وصلت إلى أهدافها، فشكَّلت بمجيئها تهديدا حقيقيا لمنظومات الدفاع الجوي العالمية العاملة حاليا، والعام 2018 هو العام الذي كشفت فيه روسيا النقاب عن سلاحها الجديد الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأول من آذار من ذلك العام، عن انتاج الصاروخ (كينجال، Kinzhal أي الخنجر)، وهو صاروخ باليستي فرط صوتي يطلق من الجو، يصل مداه إلى 2000 كلم، فيما تصل سرعته إلى 10 ماخ، حسب المصادر الروسية، ويمكنه القيام بمناورات خلال كل مرحلة من مراحل طيرانه، كما يمكن تحميله بحمولة حربية تقليدية أو نووية.
والصواريخ فرط الصوتية هي الصواريخ التي تبلغ سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت فما فوق، أي التي تصل سرعتها إلى (5 -20) ماخ، والماخ (نسبة إلى عالم الفيزياء الأسترالي إيرنست ماخ) هو سرعة الصوت التي تصل إلى 1235 كيلومتراً في الساعة، وإذا طارت هذه الصواريخ على سرعة (10 ماخ)، فهذا يعني أن سرعتها ستكون 12350 كيلومترا في الساعة، وإنه من الصعوبة بمكان على منظومات الدفاعات القائمة أن تعترض الصواريخ الباليستية فرط الصوتية، بسبب السرعة العالية لتلك الصواريخ ومسار طيرانها غير المتوقع، ولقد جمعت الصواريخ فرط الصوتية في ميزاتها، بين السرعة الخارقة والقدرة على المناورة وتدمير الأهداف بعيدة المدى، وتعد الصواريخ الباليستية الحالية فائقة السرعة لكنها ليست لديها القدرة على المناورة، في حين تتميز الصواريخ الجوالة بقدرتها على المناورة، لكنها ليست فائقة السرعة، أما الصواريخ فرط الصوتية، فقد جمعت بين السرعة الفائقة والقدرة على المناورة، وتشير الأخبار المتداولة إلى أن روسيا استخدمت صواريخها فوق الصوتية في حربها الحالية ضد أوكرانيا التي بدأت في 24 شباط الماضي، لأول مرة في تاريخ الحروب، فقد استخدمت الصاروخ فرط الصوتي (كينجال) يوم 19 اذار الماضي، ضد مخازن الذخيرة، وتم إطلاقه من طائرة حربية من نوع ميغ 31 ك واستهدف مخزنا للذخيرة بالقرب من الحدود البولندية في بلدة ديلياتين، ويعتقد أنه جرى استهداف مكان آخر في جنوب أوكرانيا.
ويمكن القول اليوم، إن هناك العديد من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، قد تم الكشف عنها رسميًا وهي الآن في الخدمة أو في مرحلة التطوير، ومما هو معلن فإن روسيا والصين لديهما أسلحة تشغيلية تفوق سرعة الصوت هي في الخدمة اليوم، أما الولايات المتحدة فما زالت تعمل حثيثا في هذا المجال لإنتاج أول سلاح لها يعمل بكامل طاقته، وعموما تتقدَّم هذه الدول الثلاث القائمة التي تهتم بالصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ولكن في المقابل هناك دول أخرى، لها اهتماماتها البحثية والتصنيعية في هذا المجال، مثل: الهند وأستراليا وفرنسا وألمانيا والبرازيل واليابان، وهذه الدول جميعها بدأت بتطوير التقنيات المتعلقة بتطبيقات الأسلحة التي يمكن أن تكون لها سرعة أعلى من سرعة الصوت بكثير، وفي هذا الإتجاه، أعلنت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، في الخامس من نيسان الماضي، أنها ستتعاون فيما بينها من أجل تطوير أسلحة فرط صوتية في إطار تحالف (أوكوس) الثلاثي الجديد الهادف إلى مواجهة الصين، وقال قادة الدول الثلاث في بيان مشترك: ((تعهدنا اليوم ببدء تعاون ثلاثي جديد حول الأسلحة فرط الصوتية والمضادة للفرط الصوتية))، ويأتي هذا الإعلان بعد أسابيع فقط من إعلان روسيا إطلاقها لأول مرة خلال حربها في أوكرانيا الصواريخ فرط الصوتية.
وقد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 21 آب الماضي، عن البدء بإنتاج صواريخ (تسيركون Tsirkon 3M22)فرط الصوتية، بكميات ضخمة، بعد دخولها الخدمة في الجيش الروسي هذه السنة، وقد جرت تجربة استخامها الناجحة في كانون الأول من العام الماضي، وتعد هذه الصواريخ فرط الصوتية أقوى من (كينجال) في قوتها التدميرية، وتصل السرعة القصوى لهذا الصاروخ إلى حوالي 9 أضعاف سرعة الصوت (حوالي 2,65 كيلومتر في الثانية، على ارتفاع 20 كيلومترًا، أو أكثر من 10 آلاف كيلومتر في الساعة، فيما يبلغ مدى تحليقه 1000 كيلومتر، مُشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّ وزارة الدفاع الروسية ستواصل أيضًا إنتاج صواريخ (كينجال)، التي تبلغ سرعتها عشرة أضعاف سرعة الصوت، في حين أن الصاروخ الروسي (أفانجارد) قادر على الوصول إلى سرعات تبلغ حوالي 27 ماخ، أي أن هناك تفوقا روسيا واضحا في هذا الإطار.
الصواريخ الأمريكية
بعد أن أعلنت أمريكا في 14 حزيران الماضي عن نجاحها في إنتاج أول صاروخ فرط صوتي أمريكي، وهو من طراز (أي جي أم ـــ 83 أي: AGM-183A) جاء وزير القوات الجوية الأمريكية فرانك كيندال، في 8 أيلول الحالي، ليبيَّن ، إنه لم يتم بعد إنجاز العمل في برنامج تطوير الصواريخ فرط الصوتية، بالرغم من نجاح التجارب الأخيرة بعد سلسلة من الإخفاقات، مفصحا عن عدم انجاز برنامج اختبارات التحليق حتى الآن، وأن هناك تساؤلات ما تزال قائمة حول كيفية تناسب هذه الصواريخ مع الترسانة، وفعالية تكلفتها.
انتاج اسلحة
وأضاف كيندال: ((قمنا بتأجيل إنتاج هذه الأسلحة))، وجاء هذا التصريح المفاجئ لكيندال، على الرغم من أن القوات الجوية الأمريكية سبق لها أن أعلنت أنها تأمل في استلام أول أسلحة فرط صوتية في أوائل 2023 وقد أعلن رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال جيمس ماكونفيل، أن الجيش سيتسلم عام 2023 دفعة أولى من الصواريخ فرط الصوتية بعيدة المدى، وأشار ماكونفيل إلى أن تلك الصواريخ يمكن نصبها في طائرات النقل (أس–17) وغيرها من الطائرات، وحسب التقارير العسكرية المتداولة في مواقع الأسلحة، يمكن القول إن الولايات المتحدة مازالت في بداية إنتاج الصواريخ فرط الصوتية، وهي تحث الخطى في محاولة منها للحاق بروسيا والصين، غير أنه من الواضح أن واشنطن سوف يكون أمامها فترة من الوقت حتى تستطيع تطوير صواريخ فرط صوتية قادرة على الوصول إلى مستوى التطور الذي بلغته الصواريخ الفرط صوتية الروسية والصينية، فضلا عن تطوير نظم دفاع جوي مضاد لها.
تشكِّل الصواريخ فرط الصوتية حاليا أكبر تحدٍّ لمنظومات الدفاع الجوي، بسبب الإمكانيات الفنية والتعبوية الفائقة لها، فلها القدرة على مراوغة الرادارات المعادية نتيجة لتمكنها من التحول إلى ارتفاعات بعيدة عن موجات الرادار، فضلا عن عدم إمكانية التنبؤ بمسارها، ويمكن القول إنه لا توجد في الوقت الحاضر أنظمة دفاع جوي لها القدرة على التصدي للأسلحة فرط الصوتية، فما هو موجود من منظومات دفاع جوي مخصصة لاكتشاف الصواريخ الباليستية التي تمتلك إمكانية ضعيفة على المناورة، وذات سرعات أدنى، وتحليقها على مستويات مرتفعة، مما يسهل كشفها راداريا.
إن أي منظومة دفاع جوي في العالم، ستكون في موقف صعب جدا عندما يتوجب عليها مواجهة الصواريخ فرط الصوتية، بسبب الصعوبات الخطيرة والجمة التي ستواجهها، فهذه الصواريخ يمكنها الطيران بسرعة عالية جدا تبدأ بخمسة أضعاف سرعة الصوت وقد تصل إلى 27 ضعفا لسرعة الصوت، ويمكن أن يكون طيرانها على ارتفاعات عالية جدا يمكن أن تصل إلى 100كم، وفضلا عن السرعة العالية جدا والارتقاع العالي جدا، لها القدرة على المناورة اللامحدودة والمراوغة الكبيرة في الإرتفاع مع إمكانية تغيير الإتجاه وجعل طيرانها في مسارات غير منتظمة، لضمان عدم التنبؤ بأهدافها المقصودة، وتحاشيا لتهديدات منظومات الدفاع الجوي المتوقعة المقابلة، وهكذا يكون أمر تصنيع منظومات دفاع جوي جديدة مضادة للصواريخ فرط الصوتية أو تطوير المنظومات العاملة، على درجة عالية من الصعوبة، على الأقل في الوقت الحاضر، وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، فإن الرئيس الروسي أعلن في حزيران 2020 أن روسيا تمكنت من تطوير أول نظام دفاع جوي معروف لاعتراض هذه النوعية من الصواريخ، وأن روسيا ستطور وسائل مواجهة الأسلحة فرط الصوتية في غضون السنوات الخمس المقبلة، وأنها سوف تسبق العالم كذلك في تطوير هذه النوعية من نظم الدفاع الجوي.
وقال الرئيس الروسي بوتين، في خطاب له بتاريخ 12 كانون الأول 2021): لقد قلت دائماً، ويمكنني أن أكرر ذلك الآن، أنَّ الدول العسكرية الرائدة في العالم ستمتلك بالطبع نفس الأسلحة التي تمتلكها روسيا اليوم، أعني الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، لكن منذ عام 2018 لم تطور أي دولة أخرى هذا السلاح حتى الآن، وستفعل ذلك في النهاية، لكنني أعتقد أننا سنكون قادرين على إقناع شركائنا بحقيقة أنه عندما يحصلون على هذا السلاح، سيكون لدينا على الأرجح وسائل لمواجهته).
وفي موازاة ذلك، قال نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، في مايس الماضي إن منظومة (أس ـــ 500) للدفاع الجوي دخلت الخدمة في الجيش الروسي، وهي نظام صاروخي أرض– جو، يبلغ مداه 600 كيلومتر، مصمم لاعتراض وتدمير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وصواريخ كروز، والصواريخ فرط الصوتية والطائرات الشبحية، وفي المقابل، أصدرت الولايات المتحدة عقوداً لثلاث شركات مقاولات دفاعية، في تشرين الثاني عام 2021 من أجل تطوير صواريخ اعتراضية مضادة للصواريخ فرط الصوتية، لكن مسؤولين أمريكيين قالوا إن عملية تطوير هذه القدرة الدفاعية من المرجح أن تستمر إلى منتصف العقد الجاري.
ويبدو في باب التوقع القول إن العديد من الدول المتقدمة، ستركز في المرحلة القادمة، على استكشاف منظومات للدفاع عن نفسها في مواجهة هذا الجيل الجديد من الأسلحة، ولكن مما لا شك فيه أن تلك المنظومات ستكون باهظة التكلفة، فتلك المنظومات تحتاج من بين ما تحتاج إليه مستشعرات تثبت في الفضاء، يمكنها من تتبع الأسلحة فرط الصوتية ورؤوسها الحربية.
ويبدو من التقارير المعلنة عن الصواريخ فرط الصوتية، أن روسيا هي أكثر دولة متقدمة في هذا المجال، وأنَّها قد حصلت على السبق والأفضلية على غيرها من الدول في سباق الصواريخ فرط الصوتية، التي تُعَد أسرع وأكثر مرونة من الأنواع الأخرى من الصواريخ، وهذا يمكنها من أن تفرض صعوبات أكثر على منظومات الدفاع الصاروخي المضادة، وتلي روسيا في ذلك الصين، ولفتت خدمة أبحاث الكونغرس الأميركية في وقت سابق إلى أن: فرنسا وألمانيا وأستراليا والهند، واليابان تعمل على تطوير أسلحة فرط صوتية، إضافة إلى قيام دول أخرى بأبحاث أساسية حولها.
آخر الكلام
إن الصواريخ فرط الصوتية، لا يمكن أن تمتلكها إلا الدول المعروفة بغناها، والتي التي لها القابلية على تحمل تكاليفها العالية، وتلك التي تمتلك الإمكانيات التصنيعية والتكنولوجية الدقيقة والمتقدمة جدا، والتي لديها الكوادر الكفوءة وذات التدريب العالي على العمل على هذا النوع من اللأسلحة، وهي في كل الأحوال ميدان جديد لسباق التسلح، وستسعى الكثير من الدول إلى امتلاك هذه الأسلحة، فضلا عن امتلاك منظومات الدفاع الجوي المضادة لها.