الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العام الجديد

بواسطة azzaman

العام الجديد

 

عبد المحسن عباس الوائلي

هنا وهناك اختلف عن الناس وأهزئ بهم وربما يهزؤون بي فأقول لماذا هذا الاحتفال بالعام الجديد الذي اخذ من عمري الكثير من القوى والنشاط وهذا العام ليس مثل ذاك العام الماضي الذي اشعر فيه اكثر حيوية ونشاط والاحتفال بالاعوام القادمة يقربني لحفرة الموت وهي النهاية التي بعدها لا اذكر الا قليلا من قبل القليل ربما وبالمناسبات وكل انسان عنده سيئات وحسنات، ربما تكون السيئات كثيرة والحسنات قليلة.. هذا وعام اخر يسقط من شجرة العمر ليصطف الى جانب السنوات المهترئة على رصيف التاريخ.. ويبدأ عزف لحن مشوه على عود مصنوع من خشب ردي، يتناسب مع ما أفرزته الأيام من بؤس وقهر.

عام أخر نودعه، آسفين على ما افترسه من جسد حياتنا، وغير أسفين على رحيله بعد ان أرهقتنا ويلاته وآلامه، وغير نادمين على فراق وجهه المتجهم الكالح الذي ينفث ظلمة وغبارا يسد الحلوق ويحرق العيون، ويخفي بخبث ظلال اشباح القتل والاغتيال، التي تسرق الفرح من عيون الاطفال.. وتذبح الحب في قلوب الكبار، فتحول العاشق الى طريدة مرتعدة تفر من قطعان الذئاب الجائعة التي ادمنت الشرور ومتعة القتل؟!.

عام اخر يطوي اوراقه الدامية، تلف احداثه الخفية والعلنية التي ارهقت الناس في جهات الارض الاربع، فلم تستثن أحدا.. حيث غيبّ الموت احباء واصدقاء واسماء فاعلة في شؤون الحياة المختلفة، وقبض من دون رحمة انفاس صغار وكبار في لجة العنف، والمصالح الصغرى والكبرى، من دون ذنب سوى انهم وجدوا في المكان والزمان غير المناسبين.

عام اخر يسرع هاربا من عتاب العيون البائسة، ململما طلقاته الفارغة، وخيباته المتلاحقة، تاركا اهدافها اخرى عارية الصدور تنتظر الرصاصة المفاجئة الغادرة القادمة من بندقية عمياء.

لكن.. وفي صخب المشهد المخزي الذي صبغ عامنا الراحل، انتفضت من بين الركام وردة للمدى تزغرد لنجمة الصبح مستغلة وهن الايام، وانبثقت مثل طائر جميل لتمنح القلب والروح حفنة امل ملونة بالوان قوس قزح، معطرة بعبير التفاؤل، ولو بدت شمعة خافتة في مساحة الظلام المهيمن.

انه عام اخر يتسلل مجددا مثل قط رشيق، فنغض الطرف لكي يمضي بأمان ناسياً وراءه وردة المدى.. لعلها تعطينا شيئا من النبض الخفي الذي يعيد الى القلب ارتعاشه الخجول، ويقوي همتنا المنهكة فنقتحم الحياة مجددا.

وفي غمرة التناقضات الداخلية والخارجية، والعراك الصامت الذي يستبيح النفس والعقل، يتجلل سؤال بارد مثل قطعة جليد حادة تدمي الروح وتشظي الجسد.. هل سيكون العام الجديد افضل من سابقه؟ وهل سيحمل للبائسين والمحرومين والعشاق الحزانى شيئا من الفرح الطارئ والسعادة العابرة؟ أم انه سيكون متماثلا مع سابقيه، متباهيا بالقسوة والدمار، مختالا باجتياح الهدوء وزلزلة الامان والاستقرار، ومصادرة كلمات الحب ووردة المدى المبتهجة؟!

نستقبل عاما جديدا، بالسؤال المشروع نفسه الذي نكرره سنويا، من دون ان نرضى عن الاجابات، اذ انها غالبا ما تدمر احلامنا وتسحل امالنا.. لكننا مع ذلك، نعيد الكرة مع نهاية كل عام وبداية عام اخر، كمقامر خاسر لا يغادر الطاولة املا بربح مقبل يعوض خسائره، حتى لو لم يتبق مع سوى حفنة قليلة من النقود، فهل يمكن ان تبتسم لنا الحياة أخيرا وتعوضنا خسائر كبرى تكاد تفني افئدتنا الحزينة؟!.

انه عام جديد يأتينا بوجه بشوش وثياب نظيفة، لم تعفرها بعد الرياح المحملة برماد وهباب الصراعات المنفلتة من عقالها، ولم تشوه سحنته النضرة مخالب ملاك الموت، فكل عام وأنتم بخير، والموت قادم.


مشاهدات 647
أضيف 2022/12/24 - 1:56 AM
آخر تحديث 2024/06/29 - 5:29 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 402 الشهر 11526 الكلي 9362063
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير