القتل المعنوي سياسة العهد الجديد
حامد الزيادي
تعددت أشكال وأنواع القتل والتصفية الجسدية منذ القدم و كان أمرها شائعاً جداً بسبب الطبيعة التي كانت سائدة انذاك وفق قاعدة الصراع من أجل البقاء، بيد إن جرائم القتل عديدة منها المتعمد وغير المتعمد، والاقدام على جريمة القتل تقف خلفها دوافع واسباب واغلب دوافع الحالات المتعمدة هي التخلص من المقتول لعدم وجود الرادع وعدم تحكيم منطق العقل وعدم تجنب غضب الخالق عز وجل و الضعف في تطبيق القوانين الوضعية، وبمرور الوقت انتقل القتل من الفردي الى الجماعي وأصبحت عمليات الابادة شائعة في الغزوات وحقب الطغاة التي امتازت بالقمع والقهر والاستبداد من أجل فرض السطوة والهيمنة من خلال إشاعة الرعب و الخوف ودامت هذه السياسة قروناً طويلة حصلت فيها أبشع الجرائم الوحشية التي مكنت الحكام والسلطات القمعية الاستئثار بالسلطة لزمنٍ طويل، لكن النتائج غالبا ما تؤدي لثورات وانتفاضات عارمة وبمرور الوقت تبدلت الخطط و الاليات التي جعلت المتُحكمين بتقرير مصير الشعوب و الأنظمة أن يعيدوا النظر بالسياسات السابقة لإرساء السلطة وإعادة نهب الثروات واضعاف الشعوب بالتحول من القتل المادي للقتل المعنوي عبر ممارسات جديدة اشد فتكا من القتل المادي السابق بتغيير نظام التعامل والتعاطي مع الشعوب عبر (السياسة الناعمة) بمسميات جديدة وبراقة و(مزركشة ) تُخفي خلفها كل أشكال المكر والخديعة والشر من خلال حزمة من الإجراءات، أبرزها تغيير القواعد بتوزيع المهام والمناصب على أناس غير كفوئين يمتازون بالفساد و النفاق وعدم المصداقية وبالتالي تكون هذه الصفات الذميمة هي السائدة في التعامل مع الشعوب وخلق ثقافة جديدة لضرب المعايير والقواعد الأخلاقية لخلق الفوضى وشق الصف والفتن وإثارة النزاعات والنزعات الطائفية والعنصرية وجعل الشعوب تتقاتل فيما بينها وزرع التخاصم والفرقة و الكراهية واقصاء الكفاءات والمواهب مما يؤدي الى زرع روح اليأس والاحباط وانعدام الثقة وحملات التسقيط والتشويه ضد كل بادرة فردية أو جماعية من أجل كسر إرادة التغيير ونشر الوعي الذي تخشاه السلطات الجائرة والمتجبرة التي تراهن على سيادة التجهيل والتضليل للمجتمعات، لذلك عملت وتعمل بقوة من أجل منع أي تهديد أو زعزعة لسلطتهم بكل قوة وما نراه اليوم من تفكك مجتمعي وتشرذم في المواقف مكن السلطات المتحكمة من مسك السلطة عبر ادامة هذه الأدوات الناعمة المسمومة التي نراها اليوم قد تعدت كل أشكال القتل المادي السابقة وتفوقت عليها وأعطت نتائج مذهلة من تفريق الكلمة وزرع الفتن وتسفيه الأفكار وقمع المواهب والقدرات .
ممارسات منوعة
وما نراه من عمليات تسويف ومماطلة و تسويق وعود كاذبة تكون نتائجها إحباط ويأس وملل يدخل ضمن المخطط للقتل المعنوي الذي يترسخ كل يوم عبر ممارسات متنوعة خلقت ثقافة ملوثة ومعدية تستفحل وتتحول الى وباء لا يمكن التصدي له بمرور الوقت وبذلك نجد ان من خطط ونفذ وتابع يجني نتائج هائلة فاقت ما مارسته الأنظمة الاستبدادية السالفة، فعندما تقتل الفكرة والمقترح و المبادرة هذا قتل معنوي!
وعندما تستبعد الكفاءات والمبدعين والمخلصين هذا قتل معنوي! وعندما تخلق بيئة غير نظيفة من بطانة وحاشـــــــية تمتهن التملق والتزلف والنفاق والحـــــــيلة و المكر فهذا أيضا قتل لثقافة القيم والاخلاق التي كانت سائدة وما نراه اليوم من غياب الوعي والقفز على القواعد السلوكية والأنظمة والقوانين وضرب المعايـــــــير والعهود والمواثيق خير شاهداً على الفترة والكسل والخضوع والخنوع وكأننا أمام جثث هامدة أو حياة بلا روح منشـــــــغلة بأمور تافهة ولسان حالها يقول انها هاربة من مواجهة الحقيقة وعاجزة عن التصدي فتهرب للأنزواء والاختفاء وعدم الرفض أو الاعتراض مما شجع ويشجع الطغاة على تشديد قبضتهم ونجاح مخططهم والتفنن في خطط جديدة أكثر تطوراً في نزع الأرادة وتضييق الخناق على كل محاولة صادقة ومخلصة لكسر الحاجز النفسي المصطنع أو التخلص من هذا الواقع المؤلم.