تل قصر شمامك الأثري في أربيل.. طبقات آشورية على عمق 8 أقدام كتبها سنحاريب 1
جيهان شيركو
قصر شمامك تل وموقع أثري كبير يقع في ناحية ( شمامك ) على بعد 25 كيلومترا جنوب غربي مدينة أربيل في منطقة واقعة على نفس المسافة تقريبا من نهر دجلة والعاصمة الآشورية
كالح / نمرود (1)، يتم الوصول إلى الموقع عبر طريق أربيل باتجاه الكوير وعلى ضفاف نهر شيوازور ، حيث يقع التل بين قرية ترجان في الشمال و قرية سعداوة في الجنوب 2 )
يتكون الموقع من تل مرتفع ( قلعة ) تبلغ مساحتها 8.3 هكتارا على ارتفاع حوالي 20م فوق السهل المحيط ، ومدينة سفلى ممتدة نحو جنوب التل تبلغ مساحتها 49.5 هكتارا ، وسور خارجي للمدينة ، و قرية حديثة ( سعداوة ) ونهر شيوازور .
بدأ التنقيب في هذا الموقع أولاً من قبل عالم الأثار البريطاني أوستن هنري لايارد (4) ، الذي ذكر عنه بأنه موقع كبير ومرتفع ، وهو محاط ببقايا سور ترابي ، والموقع مقسم إلى قسمين متساويين يفصلهما وادٍ أو مجرى ماء حيث يحتمل أن يكون هناك موضع ارتقاء كان يقود ذات يوم من السهل إلى صرح مشيد على قمة مصطبة ، في تلك التنقيبات عثر لايارد على الطبقات الآشورية على عمق حوالي ثمانية أقدام تحت سطح الموقع ، وعثر أيضاً على كتابة مسمارية مكتوبة على الآجر تعود إلى الملك الآشوري سنحاريب ( بالأكدية سين ـ أخي ـ إريبا 704 -681 ق.م ) يتحدث فيها الملك عن بنائه سور مزدوج في مدينة اسمها كلزي*/ كيليزو كتب فوقها س سين آخي أريبا ملك بلاد اشور، بنيت السور الداخلي والخارجي العائدين لمدينة كلزي بالآجرز(5) بعد هذا الاكتشاف تم تحديد الموقع على أنها المدينة الآشورية الهامة كيليزو . بعد فترة وجيزة من هذا الأكتشاف زارعالم الآثار الفرنسي فيكتور بلاس الموقع وقام بتنفيذ بعض العمليات الأثرية دون ان يحصل على النتائج المتوقعة التي تبرر المزيد من الحفريات ، وفي عام 1700 نقبت فيه بعثة أثرية إيطالية برئاسة عالم الآثار جوزيبي فورلاني لموسم قصير، وقد كشفت تنقيبات تلك البعثة عن مقبرة تعود للعصر البارثي (139ق.م - 226م ) و بناية آشورية تحتوي على ساحة مبلطة بالآجر(6)، وعثر المنقبون أيضاً على كسر من رقم طينية مكتوبة في المقبرة البارثية ، ووجدوا كذلك مخروطا طينيا يحمل نصا للملك آشوردان الثاني (934-912 ق.م) ، اعتقد هؤلاء الآثاريون بأن الطبقات الآشورية المكتشفة لم تكن هامة وغنية جدا ، لذلك فضلوا العمل في أماكن أخرى مثل نمرود ، خورسباد ، ونينوى. بعد هذه التنقيبات فقدت معظم احجار التل بسبب نهب السكان المحليين ، وانتقلت احجار هذه التلة إلى القرى المجاورة واستخدمت في المباني الحديثة وكشواهد للقبور .
ثور الحراثة
فيما يخص معنى اسم كيليزو هو مثل بقية الأسماء الجغرافية من الصعب تحديد معنى لها حتى وإن وجدت مفردة قريبة منها ولها معنى فلا نستطيع إثبات الصلة معها ، الكلمة القريبة من الاسم هي ومعناها " ثور الحراثة " أو راعيه ولكن لا نستطيع إثبات الصلة ، وكذلك أن كلمة الأكدية التي يرجح أن تعني " باحة القصر" لها صلة محتملة باسم كِلِزِ . وقد ورد أقدم ذكر لشمامك من قبل عالم الآثار الايطالي دومينيكو سيستيني ، الذي سافر بين البصرة والقسطنطينية في سنة1781 ، وقد ذكر س بين الزابين ، بالقرب من نهر دجلة ، هناك مساحة كبيرة تسمى أرض شياماميك وقد أشار العالم الايطالي جوزيبي فورلاني ، على أهمية الملاحظات التي ذكرها سيستيني في رحلته لأنها كانت تحتوي على أول ذكر لـ "قبيلة شماموك" التي ربما تكون أساس الاسم الجغرافي الحديث للموقع ، وهناك العديد من الآراء الأخرى في تفسر اسم شمام ، يقال ( شمام ) الحسناء التي تزوجت من احد الدراويش الذي كان مالكا للمنطقة ومن شدة حبه له أو شغفه بها سمى المنطقة بأسمها ، الاسم في الأصل (شاه مولك) اي املاك الشاه أو السلطان ، ويسمى التل ( تل سعداوة ) نسبة إلى قرية سعداوة التي يقع في عقارها هذا التل الأثري وسميه التل أيضاً ( قصر شمامك ) لوجود قصر أو حصن في الفترة العثمانية 1534-1920 ) والتي أعطت الموقع أسمه ، والجدير بالذكر هنا أن المدينة تغير اسمها أيضاً في عهد الملك أسرحدون 680-669 ق.م) إلا ان كتاباته لا تذكر الاسم الجديد الذي اطلق عليها.
سُجل هذا الأثر من قبل مديرية الآثار العامة عام 1940م ، تحت اسم بعرور أو شمامك( تل ) ، واعتبر منذ ذلك الوقت موقعاً اثريًا . كان التل يستخدم كمقبرة لدفن الموتى العائدة للقرى المجاورة وفي الثمانينيات والتسعينات تحولت إلى ثكنة عسكرية للجيش العراقي .
وقبل الحديث عن نتائج التنقيبات الفرنسية لا بد من إلقاء الضوء على تاريخ مدينة كيليزو في ظل الامبراطورية الآشورية .
المدينة الآشورية كيليزو
كانت مدينة كيليزو ضمن البلاد الآشورية خلال العصر الآشوري الوسيط 1500 ق.م ، وعلى وجه التحديد منذ عهد الملك آشور- أو بالط الأول (1365-1330 ق.م ) ، بعد هذا التاريخ حارب الملك الآشوري أنليل - نيراري (1329-1320 ق.م ) جيش الملك الكاشي في مدينة كيليزو ، وفي عهد الملك تجلات - بلا صر الأول (1114- 1076 ق.م ) أدرجت المدينة ضمن المناطق الأدارية وحدد موقعها باعتبارها محافظة ، فيما بين محافظتي أربيل وخلاخو . وتذكر نصوص الوقائع التأريخية الآشورية الخاصة بنهاية عهد ذلك الملك إنْ كيليزو ومعها نينوى أيضاً ، قد استولى عليها الآراميون ، ومنذ بداية العصر الآشوري الحديث 911 -612 ق.م ) أصبحت مدينة كيليزو مركز محافظة تحمل اسمها ، وقد وصلتنا اسماء العديد من محافظيها الذين أطلقت أسماؤهم ، في التقويم الآشوري ، على أعوام من مدد بقائهم في مناصبهم ، ان هذه الإشارات إلى محافظي كيليزو تثبت أن هذه المدينة كانت مركزا اداريا طوال العصر الآشوري الحديث .
كيليزو تلك المدينة التي كان لها احترامها الخاص لدى الآشوريين ، إذ كان ملوكهم يأتون اليها في مواكب ضخمة قاصدين معبدها وقد تزينوا بحللهم وزينتهم ومنها يقصدون أربيل للمثول امام معبدها التأريخي، كان أدد إله الأمطار والعواصف ، الذي يوصف في النصوص الآشورية بأنه الإله الرئيسي للمدينة ، إلى جانب تلك المعابد كانت المدينة تضم العديد من القصور الملكية قصر الملك سنحاريب وقصرالملكة ( مي - أي- كال) ، وحسب النصوص التي وصلتنا فقد كانت المدينة أحد أهم مراكز التدوين في بلاد آشور، ومثل غيرها من المدن الآشورية ، كان لدى مدينة كيليزو نظام مزدوج من الجدران ، الأول حول( القلعة ) إلى الشمال ، حيث كانت توجد القصور و المعابد ، والثانية حول ( المدينة السفلى ) إلى الجنوب .
يطل موقع كيليزو على الضفة اليمنى لوادي شيوازور الذي يجمع مياهه من المرتفعات الواقعة إلى الشمال - الشرقي من أربيل ويصبها في نهر الزاب الأعلى إلى الشرق من الكوير(6)، إن لهذا الموقع أهمية خاصة تأتي من ثلاثة أمور وهي :
أولاً : ان وجود الموقع في بداية سهل شمامك مكنه من السيطرة على واحدة من أخصب المناطق الزراعية في شرق نهر دجلة .
ثانيا: يسيطر هذا الموقع أيضاً على المنطقة الممتدة على الضفة اليسرى لنهر الزاب الأعلى حتى مصبه في نهر دجلة ، وهذه المنطقة كانت تؤمن طرق المواصلات بين نينوى ?
ثالثا : إن موقع كيليزو على الطريق بين كالح وأربيل ، على مقربة من قرية أبو شيته حيث يمكن عبور نهر الزاب الأعلى خَوْضاً ، كان يضفي على مدينة كيليزو أهمية خاصة فيما يتعلق بالمواصلات بين مركز البلاد الآشورية ، عبر كالح ، والمناطق الجبلية في الشرق عبر أربيل ، ولهذا استخدم الملك أشور ناصربال الثاني سنة 882 ق.م مدينة كيليزو لتكون قاعدة انطلاق له في حملته الحربية على إقليم زاموا في تلك المناطق.
رغم أهمية مدينة كيليزو ألا أنها لم تتخذ عاصمة لبلاد آشور لأن العواصم الآشورية المعروفة اشتركت في مواصفات متشابكة منها القرب من دجلة والكثافة السكانية المحيطة بها و الخاصية الدفاعية والعمق التاريخي والوقوع في مثلث القلب الآشوري ، وجميع هذه الخواص لم تكن متوفرة في مدينة كيليزو لذلك لم يرقَ دورها لأكثر من عاصمة محلية ، ولم تكن المدينة تملك الخواص نفسها التي تملكها مدينة أربيل لتستمر الحياة فيها طوال العصور المتعاقبة وتأخذ الأهمية الأكبر.
بعثة تنقيبية
بدأت البعثة الأثرية الفرنسية بالتنقيبات في الموقع ما بين عامي2011-2014 برئاسة د.أوليفية روو وما بين عامي 2016- 2019 برئاسة د.ماريا غراسيا ماسيتي (7) ، بمشاركة باحثين وطلابا قادمين من مختلف الدول الأوربية وكذلك أساتذة ومدرسون وطلاب من جامعات كوردستان - صلاح الدين في أربيل وسوران وممثلين عن دائرة آثار أربيل . بعد الاستعانة بدائرة شؤون الالغام لرفع الكثير من القنابل غير المتفجرة في الموقع بدأت البعثة الأثرية الفرنسية في عام 2011 بعمل خارطة طوبوغرافية مع مسح سطح التل ، وقد أظهرت نتائج المسح أن موقع تل قصر شمامك لا يتحدد فقط بالتل بل يمتد إلى المدينة السفلى مع بقايا جدران السور الذي شيد من قبل الملك الآشوري سنحاريب ، والمدينة توسعت إلى حافتي نهر شيوازور وخاصة الحافة الشمالية .
بما ان تل قصر شمامك معروف جيدا بطبقاته العائدة للعصر الآشوري فقد كان الهدف الرئيسي من التنقيبات الفرنسية هو دراسة عصور الانتقال قبل وبعد دخول الموقع والمنطقة في ظل الامبراطورية الآشورية ، ومن أجل تحقيق ذلك الهدف قام الفريق الفرنسي بإنشاء خمس مواقع للتنقيب ، من القلعة إلى الضفة الأخرى من نهر شيوازور ، وقد تم فتح الموقعين الرئيسيين على التلة : الموقع A و الموقع B ، وبقية المواقع لم اجد لها تفاصيل تذكر في نتائج التنقيبات .
الموقع A (9): يقع هذا الموقع على المنحدر الجنوبي للتل ، وقد تم تقسيم هذا الموقع إلى الشرقي ، الغربي.
الموقع الشرقي :
لدراسة طبقات العصر الآشوري الحديث ، قام الفريق الفرنسي بفتح مربع على شكل خندق متدرج على المنحدر الجنوبي للتل ، يبلغ طوله 68م وعرضه 5م يبدأ من قمة التل حتى حدود المدينة السفلى المغطى حاليا بالحقول الزراعية من قبل اهالي قرية سعداوة ، في الجزء الاول من الخندق وفي مقبرة إسلامية من العصر الحديث تم حفرها في أول مستوى بناء على حافة التل ، عثر المنقبون على قطعتين من الآجر المفخور استخدمت كشاهدة قبر على الأولى نص ملكي يعود للملك الآشوري سنحاريب وهي بنفس صيغة الآجر التي اكتشفها عالم الاثار أ.? . لايارد. وعلى الثانية بعض الرسومات الهندسية . وفي الجزء الثاني من الخندق كشفت ازالة المواد أسفل السطح مباشرة عن بقايا منصة / مصطبة أرضية مبنية من الطوب الأحمر (10) وقد لاحظ المنقبون ان هذه المصطبة قد تم إعادة بنائها فوق بقايا مصطبة قديمة تم تدميرها عمداً ثم تم تسويتها لاحقاً ، عثر المنقبون قرب هذا الجزء من الخندق على بعض القطع الفخارية الكبيرة التي يعود بعضها إلى العصر الآشوري الوسيط بالإضافة إلى جزأين من مسامير الطين (مسامير الأساس) تحمل إحداها أسم الملك الآشوري أريك دين إي مؤشرعلى وجود السيطرة المبكرة للآشوريين على المدينة اعتبارا من منتصف الالف الثاني ق.م. وفي الجزء الثالث من الخندق بالقرب من الأراضي الزراعية كانت هياكل المصطبة تغطي منحدراً ضخماً (11) ، مكون من سلم متعدد الدرجات ذات ارتفاع منخفض جدا ، الدرجات مبنية من الآجر المفخور جيدا ، قياس 40?40?12 سم ، من الواضح أنه كان منحدرًا ضخمًا ، يبلغ عرضه حوالي 2.80 م ، والذي سمح للتنقل من قاعدة التلة إلى قمتها ، وقد عثرعلى نص مسماري (12)على واحدة من الآجرات المفخورات التي بني بها الدرج يحمل اسم الملك الآشوري سنحاريب ، أثبت النص المكتشف بأن المنحدر المتدرج المرتبط بالمصطبة الحمراء العائدة للعصر الآشوري الحديث تعود إلى عهد الملك سنحاريب.
كانت المصطبة الآشورية الحمراء تغطي جزءا كبيرا من المنحدر الجنوبي للتل وحتى الدرج أي بامتداد 37م مع تدرج لأكثر من 5م ، وقد أتاح اتساع نطاق أعمال التنقيب فوق المصطبة الكشف عن بقايا مستوطنات متعاقبة ، من العصر الهيلنستي (330-323 ق.م ) والعصر البارثي ( 139ق.م -226م ) ، وقد توزعت المدينة الهيلنستية المتدرجة على منحدر التل اخذة نفس شكل بقايا المصطبة الآشورية ، وقد تعرضت المصطبة للتخريب في قمتها ، ليس فقط من قبل الحفر الهيلنستية الكبيرة (13)، لكن أيضاً من قبل الأبنية البارثية الكبيرة ، ومن خلال توسيع الحفرة الهيلنستية الكبيرة على المصطبة الآشورية ، تمكن المنقبون من تحديد بقايا مصطبة آشورية حديثة أكثر قدما (14)مباشرة تحت المصطبة الأحدث ( التي تعود للملك سنحاريب ) ، وقد عثرعلى الطبقة الأشورية الوسيطة تحت المصاطب الآشورية الأحدث وهي متآكلة ومبعثرة لكنها مازالت تحفظ ضمنها مواد كافية تسمح بمعرفة تاريخها بشكل موثوق ، والجدير بالذكر هنا هو العثورعلى قبر طفل مباشرة تحت أساسات المصطبة الآشورية الأقدم مغطى بقطعتين من الطابوق من نفس النوع ، ربما يمكن ربط هذا الاكتشاف بالطقوس المعروفة بتقديم شخص ما كأضحية عند الإقدام على أعمال بناء كبيرة ومهمة . كانت المصطبة والمنحدر الضخم المكتشف في هذا الموقع احدى اهم أعمال العمران الضخمة المنجزة في عهد الملك سنحاريب والتي تضاف إلى بناء السورين المحيطين ، ووفقا للمنقبين ، ان هذه المصطبة لعبت دورا مهما في حياة المدينة ، فقد كانت تشكل قاعدة لأبنية فخمة تغطي طبقات أقدم لا سيما تلك العائدة للعصر الآشوري الوسيط ، ربما كانت اغراض الملك سنحاريب من اعادة بناء هذه المصطبة المتينة عديدة منها لربط المدينة السفلى بقصرة الشخصي والذي يبدو أنه كان منتصبا في قمة القلعة ، وربما كانت لها علاقة بربط بوابة المدينة بالشارع الخارجي الذي كان موجها نحو مدينة أربيل وربما لأغراض اخرى لم تكتشف بعد وبسبب اكتشاف نص مسماري للملك سنحاريب في المنحدر الضخم في الجهة الجنوبية من التلة يعتقد المنقبون بأن قصر الملك سنحاريب كان موجودا في هذه الجهة من التلة وليس في الجزء الشمالي الذي كان مخصصا للقصور الملكية .
رغم العثورعلى مواد من العصر الآشوري الوسيط في الموقع A الشرقي ، مع ذلك لم يتم حتى الآن اكتشاف أي بناء مهم من هذا العصر في هذا الموقع ، بأستثناء بقايا متآكلة لأساسات منزل في قاعدة التل ، بين التلة والمدينة السفلى .
اسوار المدينة
لدراسة مراحل بناء أسوار المدينة والطبقات البرونزية المتأخرة ( العصر الآشوري الوسيط و العصر الحوري - الميتاني) في محيط التلة ، قام الفريق الفرنسي بفتح هذا الموقع الذي يقع في الجزء الغربي من المنحدر الجنوبي للتل ، حيث كانت تكثر فيه اللقى الأثرية بشكل كبير ، إضافة إلى اجزاء من نصوص مسمارية ، وقد تم العثورعلى عدة طبقات أثرية في هذا الجزء بدءاً بطبقة الردم السطحي ( الطبقة 1) التي كانت تغطي قبور وحفرعائدة للعصر البارثي ( الطبقة2 ) والتي تخترق الطبقة الأقدم العائدة للعصر الفارسي/ الهيلنستي ( الطبقة 3 ) ، التي كانت تغطي المصطبة الآشورية الحديثة ( الطبقة 4 )، تحت الطبقات البارثية والهيلنستية المستندة على المصطبة الآشورية عثر المنقبون على كسر فخارية ملونة ، وعثر في نفس المكان على اجزاء من نصوص مسمارية مكتوبة باللغة الأكدية تحمل أسماء ذات أصول حورية - ميتانية ، والاسماء التي وردت في هذه النصوص هي آريشتني إيني شيريني أو ( إرِشةِ - أَنِّ شيريني ) [(?) ?tenni ?iren[ni-x [Iri] ، والذي يظهر كمسؤول عن بناء أسوار المدينة ، لكن تسمية المدينة في هذه النصوص جاء ? ( توءي Tu'e) وليس كيليزو، وقد أدى هذا الاكتشاف إلى تعقيد التاريخ غير المكتمل للمدينة التي اطلق عليها الآشوريون كيليزو.
أثبت أحد الأسبار التي تم حفرها بأن أساسات المصطبة الآشورية الحديثة - والذي ربما يشكل جزءا من سور القلعة الذي يعود الى فترة إعادة الإعمار في عهد الملك سنحاريب -
كانت تغطي البناء الأقدم للمصطبة الآشورية الحديثة الأكثر قدماً ( الطبقة 5 ) الذي كان مشابها للمصطبة التي عثرعليها في الموقع A الشرقي ، والتي تمتاز بوجود درج آخر مبني بالحجارة واللبن المشوي، لكن يبدو أنه هجر بعد ذلك ، سمحت التنقيبات الى الوصول الى ما تحت طبقة المصطبة الأقدم ، أي إلى طبقات البرونز المتأخر ( الطبقات 6 إلى 9) والتي تتألف من بيوت تحتوي على فخار نوزي (16) في طبقات الأرضيات المكونة من التراب المدكوك ، وقد اعتبرت لجنة التنقيبات هذه الطبقة إحدى أخر طبقات المدينة في الوقت التي كانت تسمى فيه توءي في عهد الملك إريشتي إني شيريني ، وقد اكتشف المنقبون طبقة استيطانية سكنية مُلفِته للإنتباه أحدث من تلك التي أعطت فخار نوزي ، تحتوي على عدد من الكسر الفخارية المزخرفة بأشكال لا تنتمي إلى فخار العصر الآشوري الوسيط ولا إلى فخار نوزي كانت هذه الطبقة تحدد فترة من التواصل والتبادل بين الثقافة المحلية من النوع الميتاني التي يبدو انها استمرت مع مرور الزمن ، دون أن يتم محوها من خلال فرض ثقافة العصر الآشوري الوسيط في المدينة والمنطقة.
إلى اسفل المنحدر ، جنوب الموقع ، كانت بيوت العصر البرونزي المتأخر(17) تستند على سور قديم مبني من طوب من مختلف الاحجام ، مرتبة بحيث تحيط بقلعة ذات شكل دائري، يعود للعهد البرونزي المتأخر والذي يعود بناؤه ربما إلى وقت ابكر بكثير ، يميل الجانب الخارجي ( الجنوبي) للجدار إلى الداخل ، وربما يوفر مقاومة اكبر ، استمر هذا الجدار الذي يزيد عرضه عن 10م بعد العصر البرونزي المتأخر وبقيت معالمه ظاهرة في المشهد المعماري لفترة طويلة جدا ، ووفقا للمنقبين ان السور المكتشف يمثل السور الذي قام ببنائه الملك آريشتني إيني شيريني الذي تم ذكره في النصوص المسمارية المكتشفة في الموقع ، كما عثر المنقبون وراء سور العصر البرونزي ، على أشياء تعود لفترات أحدث أو التي سقطت خلال تفكك المباني المجاورة الكسرالفخارية الساسانية والبارثية والهيلنستية ، وخاصة جزء مهم من رقيم مسماري مع طبعة ختم اسطواني ، كان يمثل عقدا يسجل معاملة مؤرخة في عهد الملك الآشوري أسرحدون ابن الملك سنحاريب سنة ليمو بنبا 767 ق.م .
الموقع 18: لدراسة الطبقات الأقدم والسابقة للاستيطان الآشوري قام الفريق الفرنسي بفتح الموقع B الذي يقع في قمة التل في الجزء الشمالي الشرقي مقابل ضفاف نهر شيوازور ، وقد اطلق عليها المنقبون الجهة الملكية ، و تم تقسيم الموقع إلى : B - الشرقي ، الغربي و الشمالي.
حدود التلة
تنتهي حدود التلة من جهة الشمال بحفرة كبيرة أحدثها القصف بقنبلة كبيرة ، مما سمح بالتعرف على الطبقات الأثرية الأكثر حداثة من العصر الآشوري الحديث التي تم اكتشافها في مواقع اخرى من التلة ، في شرق هذه الحفرة تم تحديد مصطبة من الطابوق الطيني التي يمكن ان تشير إلى موقع القلعة العثمانية(19) ، والتي دمرت بالكامل ، ويبدو ان البنائين العثمانيين قاموا بتسوية الطبقات الاقدم التي كانت تشكل جزءاً من بناء واحد واسع ذات طبيعة غير سكنية من العهد الساساني (226 - 637 م) (20) متوضعة مباشرة فوق بناء كبير ذات طبيعة غير سكنية ، يوحي الفخار الذي تم العثورعليه بتبعية هذا البناء للعصر البارثي (الطبقة 6) كان البناء البارثي متوضع مباشرة فوق أطلال بناء أكثر قدما يظهر من خلال بقايا الطابوق الموجود فيه وأدوات النسيج والكسرالفخارية أنها تعود للعصر الهيلنستي/ الفارسي ( الطبقة 7 ، وقد أكتشفت البعثة أنه خلال هذه الفترة تمت إعادة إعمار كثيفة فوق التلة مما أدى إلى محو جميع المباني السابقة ، تم الحفاظ فقط على بقايا مبنى سكني عائد لطبقة أقدم ( الطبقة 8 التي ما تزال بعض الخصائص المعمارية للعصر الآشوري الحديث ظاهرة في بنائه ، مثل قناة صرف ( كهريز ) تحت الأرض ، بقيت سليمة ، ربما هذه الطبقة معاصرة لأول استيطان لما بعد العصر الآشوري وقد تم بناء هذا المبنى السكني فوق سطح لوحظ فيه بقايا بناء مخصص لإحدى الحرف ، متميز بحضور طبقات من الرماد (الطبقة 9 ) وبقايا أفران مما يعني أن هذه الطبقة كانت منطقة صناعية وغير سكنية.
طبقات كثيفة
كانت طبقات الرماد الكثيفة ل ( طبقة 9 ) تغطي اساسات مبنى سكني( الطبقة 10،21 باق في مكانه الأصلي ، وقد كان هيكل هذا البناء بسيط للغاية بدون إنشاءات ضخمة ، رغم العثورعلى القليل من المواد في هذه الطبقة ، رجح المنقبون تاريخ هذا المبنى إلى الفترة البابلية الحديثة (626- 539 ق.م) بسبب اتجاه هيكل البناء وطريقة البناء وشكل الطوب ، ويبدو ان هذه الطبقة قد تم تدميرها وهجرها بسرعة ، وقد كانت أساسات هذا البناء مسندة على طبقة من الأتربة والطين ( الطبقة a11 ) بأرتفاع أكثر من متر كانت مخصصة لأنشطة صناعية بدون أثر لمنشأة سكنية ، عثر في هذه الطبقة على بقايا فرنين وبعض مخلفات صناعة الفخار والسيراميك ، وقد أبدى فريق التنقيبات استغرابه من اكتشاف منطقة صناعية في الطبقات 9 ، 11 ، بعيدا عن النهر وفي جزء من التلة يفترض بأنه مخصص للمباني الملكية وطبقة النبلاء.كانت الطبقة 11 منتصبة ضمن أطلال جدران مفككة لقصر أو صرح كبير( الطبقةb 11) يحمل بصمة الخصائص المعمارية لقصور العصر الآشوري الحديث ، يعتقد بأن القصر تم بناؤه من قبل الملك الآشوري سنحاريب ، العثورعلى لبنة كبيرة (22) الحجم تحمل كتابة مسمارية لهذا الملك ، مستذكرًا بناياته في مدينة كيليزو ، بين أنقاض أحد الجدران ، أكدت بشكل غير مباشر تأريخ الطبقةb 11 ، وقد دمر الصرح أو القصر و استثمرت لأنشطة صناعية ، لا يعرف متى تم ذلك ولكن من المحتمل هو نهاية الإمبراطورية الآشورية الحديثة ، عندما هاجم التحالف الميدي - البابلي العواصم الآشورية (614ق.م) مثل آشورو نينوى ، و دمرتها وقد كانت مدينة كيليزو في طريقهم .
الموقع الغربي :
في عمق 7م من الطبقة السطحية على نفس المنحدر الشمالي ، على بعد 5م إلى الغرب (23)، أكتشف المنقبون بفضل حفر بعض الأسبار أن المهندسون المعماريون كانوا قد دمروا بقايا قصر كبير سابق ( الطبقة 12 ) لبناء قصر الملك سنحاريب ، وقد عثر في هذا القصر الكبير على سلسلة من الأرضيات المؤلفة وبشكل متناوب من الآجرات التي بنيت على مر الزمن فوق الأرضية الأولى ، المرقمة ? ( e52) ، كانت الأرضية الأولى مرصوفة بالآجرات وقد تم اكتشاف كتابة مكررة على أربع قوالب من هذه الآجرات تتكلم عن الاحتفال ببناء قصر في مدينة كيليزو من قبل الملك الآشوري أدد نيراري الأول طبقات الأثرية في الموقع ، وذكر اسم مدينة كيليزو على هذه القوالب من الآجرات في موضعها الأصلي يؤكد بشكل قاطع اسم المدينة إبان العصر الآشوري الوسيط .
كشف فريق التنقيبات عما يمكن أن يكون بقايا واجهة لقصر الملك أدد نيراري الأول (25) موجهة نحو الشمال الشرقي ، ووجود درج للوصول إليه ، مبني من الطوب المشوي ، كان يستقبل الزوار اعتبارا من بوابة المدينة المؤدية إلى الطريق المفتوح على ضفاف نهر شيوازور، انتهاء بقاعة ذات أرضية متقنة بشكل خاص من المفترض أن تكون الأرضية مغطاة بالسجاد بفسيفساء يتكون من حصى صغيرة وتطعيمات من الحجارة البيضاء والحصى الملونة التي يمكن أن تتلألأ تحت ضوء المصابيح الزيتية. كان الدرج مدعوما بواسطة طبقة من التراب القاسي واللبن المشوي ، مغطاة بدورها بأجزاء من الطوب بألوان مختلفة والحجر ، مصفوف وفق شكل دقيق يشابه شكل أرضية الدرج نفسها ، ليعطي جانبا جماليا يترك انطباعا بالتناسق ، كان المنحدر ، والجدار المرتبط به وطبقة الدعم تهدمت كلها على المنحدر . فيما يبدو أن المساحة الداخلية للقصر نفسها قد تم ملؤها قصدا حين بناء جدار جديد على الأرضية نفسها ، من الصعب القول فيما اذا كان انهيار القصر والهجرة من قصر الملك أدد نيراري الأول سببه هجوم عسكري أو ثورة داخلية أو ببساطة التموضع الجغرافي للقصر في مكان غير ثابت من سطح المدينة ، ربما هذا يستطيع تفسير سبب نقل وإعادة بناء مكان سكن الملك الآشوري سنحاريب في منطقة أقرب إلى شرق الموقع .