سلطة الإختلاف
جاسم مراد
باتت قاعدة الاختلاف ، مكونات أو نصفها ، أو كتلوية بروحية الابعاد لقوى شريكة ، هذه المعادلة ليس بمقدورها تخطي المكونية الى سلطة وطنية ، فإذا كان الامر كما يطرحه الثلاثي سلطة وطنية ، فأن الاغلبية الشعبية تريد تخطي مرحلة التركيبات السياسية المبنية على المذهبية والعرقية ، ولكن رغم العناد فأن المطروح لا يتخطى جهوية الفكرة للسلطة المكوناتية ، ولم يقترب من سلطة وطنية عابرة لها .
الكل يعرف ، وبعض الكل لا يريد أن يعرف ، من إن ما من انتخابات عراقية جرت إلا وكان للخارج طرفاً فيها ، أو أطراف تريد التلاعب بمخرجاتها أو التأثير في بعض أطرافها ، ومن يزعم بأن الانتخابات الأخيرة كانت انظف من غيرها فهو بالتأكيد واهم ، المطلوب من المتدخلين ان يبقى العراق يغوص في ازماته المركبة ، وكل ما جرى ويجري الان هو انعكاس لأمرين أولهما شروط التدخلات الخارجية وثانيهما الرغبة في الاستئثار بالسلطة ، ومثل هذا التوجه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحقق مفاعيل السلطة الوطنية .
المعروف لكل الدول التي خاضت مثل هذه التجربة ، أن تطرح القوى الفائزة بالانتخابات برنامج السلطة الوطنية السياسي والاقتصادي والثقافي وعلى وفق ذلك تصبح المشاركة مفتوحة لكل من يؤمن بإنتاج حكومة وطنية مدنية داخل هذه الأطراف أو من خارجها الوطني ، ونقصد بذلك الشخصيات العراقية المعروفة بولائها للوطن ووحدة الأراضي .
ولكن اصبح الاختلاف وما سببه من انسداد ، هو السلطة وليس الوطن ، فالسلطة عامل مهم مغري لكل الأطراف التي اشتركت فيها منذ تأسيس الدستور الإشكالية عام 2005 وحتى الانتخابات الأخيرة ، لذلك ترسخت عقليات الاستحواذ والسيطرة والرفض ، والرفض المقابل بمجمل العملية السياسية العراقية التي نتج عنها عدم الثقة ، وهو أحد ابرز عوامل الصراع ، وعدم الثقة بين شركاء السلطة افرز انعدام تحقيق مطالب الجماهير في العدالة الاجتماعية والبناء ، وامتد الى حالة إفشال أي فكرة بناءة ، وتخريب البناء الاقتصادي الذي تحقق عبر سنوات النظام السابق وما قبله ، ولم يأتي النظام الجديد بأي معطى يمكن أن يكون مذكوراً في العقلية الوطنية الشعبية العامة .
وليس هناك أحد بإمكانه أن يدعي من أنه ليس شريكا في السلطات السابقة ، فالكل مشارك ، والكل يتحمل مسؤولية تداعيات الوضع العراقي في مختلف الجوانب ، حتى تلك التي انسحبت على الحالة المجتمعية العراقية في السلوك وفي تخريب البناء العائلي الذي وصل فيه الطلاق الى حوالي 5000 عملية تطليق شهرياً حسب ما تعلنه المراجع القضائية ، وأهم الأسباب تراجع الحالة المعيشية والاقتصادية لعموم المجتمع ، فيما تبرز طبقات جديدة تستحوذ على المال العام بشكل غير شرعي وهي طبقات غير منتجة وغير متعوبة الجهد ، هي نتاج لتفريخات الأحزاب والكيانات السياسية ، لذلك اصبح الحصول على المال العام بكل الطرق اللاشرعية مسألة فيها وجهة نظر للأطراف الحاكمة .
إن الاختلاف على تسيد السلطة ،لابد من إيجاد له من مخرج ، لكي لا يتحول حتى إذا نجح طرفا في ذلك الى عوامل مضافة الى اضعاف الدولة فوق ضعفها عبر دخول حالة الصراع الى مؤسساتها أو على اقل تقدير تعطيل حركتها الإنتاجية والخدمية ، وبغير ذلك فأن التراشق سيمتد الى النفي والنفي الاخر ، مادام الامر يتعلق بحساسية الاختلاف على مسائل مثل ممن يكون رئيس الجمهورية ، و نختار من الطرف الاخر بعض الأسماء ولا نقبل بالبعض الاخر ، في حين إذا كانت الرغبة الحقيقية بسلطة وطنية يجب طرح برنامجها وخطة عملها متجاوزة السنوات التي مضت ومن يقبل به يكون شريكا في بناء الوطن ، غير ذلك فهي عادت للمكوناتية بلباس جديد .