اللباقة حلوة المذاق
حسين الصدر
-1-
يخون التعبيرُ كثيراً مِنَ الناس ويُبعدُ عنهم الصِيغَ التي تقع من الآخرين موقع القبول .
واللباقة هي العملة النادرة في كل عصر ومصر .
وهي السحر الأخّاذ الذي يأسر القلوب والأسماع .
انها ليست مما يباع ويشتري، وانما هي السلعة الثمينة التي لا يحصل عليها الراغبون بها الاّ بعد جهد وعناء ، وخوض لغمار الصعوبات ، وصولاً الى تلك القدرة التي تجعلك مالكاً لزمام السيطرة على المواقف، على أحسن وَجْهٍ وأتَمّ صُورة .
واللباقة عند الآذكياء فطريّة يستوي في ذلك الرجال والنساء
-2-
ومن طريف ما قرأت في بعض المدونات الأدبية :
ان رجلاً خَطَبَ فتاةً وقال لها :
لاعيبَ فيَّ سوى أني سيءُ الخُلْق، فسارعت الى الجواب قائلةً :
أسوأُ خُلُقَاً منك مَنْ يُحوجك الى سوء الخلق .
وضربت بهذا الجواب أوضح الأمثلة على اللباقة العالية .
وهكذا دخل الجواب التاريخ لتقرأه الأجيال جيلاً بعد جيل ، وتتذوق حلاوَتَهُ وتتجنب مرارة الارتطام بما يثير الآخرين .
-3-
ونظير ذلك ما قرأتُه في هذا الباب عن الحوار الذي جرى بين لويس الرابع عشر وأحد المشاهير من أدباء فرنسا :
ان ملك فرنسا لويس الرابع عشر جرّب حَظَّه في نظم الشعر، فكتب أبياتا منه وعرضها على الكاتب الشهير ( بوالو ) ليتبين الأمر على حقيقته مِنَ النجاح أو الفشل في تجربته الشعرية الأولى .
وهنا جاءه الجواب وافياً ولكنْ بلباقةٍ عالية :
قال له ( بوالو ) .
سيدي :
لا شيء يستحيلُ على جلالتكم ، فلقد أردتَ أنْ تصنع شِعْراً رديئاً جِدّاً فنجحتَ في ذلك غاية النجاح .
وحينها :
علم لويس الرابع عشر انّ تجربته الفاشلة لا ينبغي أنْ تتكرر ، فأقلع عن الاقدام على غيرها، وحرّم الشعر على نفسه .
-4-
كم هو الفرق بين هذا الجواب المليء باللباقة واللياقة وبين ما نسمعه في أمثال هذه المواطن من الذين لا يراعون مشاعر الآخرين، كأنْ يُقال في الجواب:
انّك آخرُ مَنْ يحق له انْ يجرب حظه في الشعر، لأنّ ما كتبتَه سيء ورديء للغاية ؟
-5-
وما نُذكَّر به أعزاءنا – من موقع المحبة والحرص على النجاح في التعامل الاجتماعي – التروي.
والتفكير بالجواب المناسب الذي لا يجترح الأكاذيب ولا يخدش المشاعر .
وفي ذلك إنماءٌ للعلاقات والروابط الانسانية والاجتماعية، دُونَ الوقوع في المطبات وبعيداً عن كل ألوان التشنجات والاحتقانات التي كثيراً ما تقود الى التباغض والتقاطع بدلاً من التلاحم والتعاضد وديمومة المحبة .