نجم الدين يبحث مفاهيم عدة بكتابه (صنع في التصميم): تطور الأسلوب يفضي إلى التفكير في الشكل
بغداد - معتز عناد غزوان
(صنع في التصميم) كتاب مهم للباحث الاكاديمي راقي نجم الدين يتعرض فيه الى جملة قضايا وامور مهمة ترتبط بمهنية العمل التصميمي بشكل عام والتصميم الكرافيكي بشكل خاص. اذ يقدم لنا المؤلف منذ الصفحات الاولى في هذا الكتاب تعريفا مفصلاً لمفهوم التصميم وماذا تعني هذه الكلمة من دلالات مختلفة احيانا عند المتلقي والباحث الذي قد يعدها تخطيطا او رسماً هندسياً وغيرها من الاشكاليات التي ترتبط بفهم اللغة وتنوعها لمصطلح التصميم، فضلاً عن مصطلح المصمم، ويشير الى ان اول ظهور لكلمة تصميم جاء في كتاب المعماري (البرتي) في عصر النهضة المبكر والموسوم (في فن البناء) الذي صدر عام 1452م. وهنا يأتي الجدل الحاصل فعلا في وصف المعماري بالمصمم او ان تكون التسمية لكليهما معا، وقد تم استعراض مهم لتداولية هذه التسمية او هذا المصطلح في الفكر الغربي بوصفه المؤسس لذلك حتى تداوله عالميا الى يومنا هذا. فضلاً عن دراسة مهمة في هذا الكتاب المتنوع في خلجاته المعرفية المنتقلة من التعريف بالمصطلح نحو سبر اغوار تاريخ التصميم وتحولاته المهمة في التاريخ العالمي الحديث والقاء الضوء على اهم تلك المحطات الحضارية المهمة التي اسهمت في تطوره وتحوله الى يومنا هذا. ويشير المؤلف هنا الى نقطة جوهرية مهمة لابد من مناقشتها والوقوف عليها بوصفها تمثل مرحلة مهمة من التوقف والتأمل، اذ يقول في ذلك (ان تاريخ الفن يمكن ان نرصده من زوايا عدة، فتطور الاسلوب (ستايل) يفضي الى التفكير في الشكل بناءً على الفترة التاريخية والثقافية للمجتمع والاكتشافات الفنية، ان الناحية الوظيفية للشيء او المنتج تكشف عن النواحي الابداعية في التصميم وعن مبدعيها وشروط استخدامها. كما ان تحليل التصميم يساعد على الرؤية وبشكل واضح للبناء التركيبي والفراغي والحركي للموديل (المقياس) اما النواحي الوظيفية والسحرية والتواصلية للشيء فتفسر دوره الاجتماعي والثقافي).
خامات مختلفة
يستعرض بعدها الباحث في تسلسل جاء متسقاً مع عملية بحث تتوالى بشكل منطقي وتتابعي معرجاً على تطور التصميم عبر العصور مع تحولات التقانات والادوات والخامات المختلفة التي رافقت حركة التطور الفكري والتقني العالمي، اذ يشير المؤلف الى ان ومع بدايات الثورة الصناعية في الغرب اصبحت هناك تحولات هائلة في عملية التصميم من حيث الانتاج والتسويق والانتشار، من خلال تطور الاجهزة والتقنيات الانتاجية التي اسهمت بشكل كبير وفاعل في تطور التصميم بمختلف انواعه وفنونه التي تخدم المجتمع وتلبي احتياجاته اليومية واشباع رغباته في اقتناء الجديد وتطور الحياة اليومية وهذا ما ينعكس اخيراً بتحولات الاقتصاد العالمي. وهنا يؤكد المؤلف على ان التصميم والابداع يشتركان بأشياء ونتاجات كثيرة جداً، والشيء المهم هو هذا الميدان الذي يكمن في اسلوب صناعة او انتاج التصميم، من خلال تشكيله وقولبته من عناصر مهمة قد يصعب تشكيلها احيانا الا بوجود الاجهزة والآلات المختلفة من اجل ايجاد الشكل الجديد او التصميم الجديد بمواصفاته التي تجعل منه وسطاً مثيراً للانتباه في المجتمع وهذا ما ينطبق عليه تصميم المنتجات الصناعية المختلفة ولاسيما تلك التي ترتبط بتطور نمط حياة الانسان اليومية وتطويرها. ويبين لنا المؤلف في محصلة ذلك استنتاجاً مهماً يشير فيه الى ان الثورة الصناعية مهدت الى ظهور نظريات في الفن الصناعي، وظهور ما يعرف بالأنموذج العام او الاساسي(ستادرد) ، والتي تم تصنيف التصميم على اساسها الى: التصميم الصناعي، والتصميم البيئي وتصميم الالبسة والموضة، وتصميم المعلومات، اما التصميم الكرافيكي فقد عد ضمن تصميم المعلومات بحسب المؤلف. ان الحاجة الرئيسة اليوم الى تسويق وانتشار التصميم هي بالتأكيد لا يمكن ان يكتب لها النجاح بدون صناعة مبتكرة تنحو منحى الجدة والاصالة والطلاقة والمرونة من خلال ما يمتلكه التصميم من مقومات تمكنه من الانتشار والتأثير والتداول، وهنا يتطرق المؤلف الى جانب مهم وحيوي في هذا الموضوع وهو دور التصميم التجاري التي يتعرض فيها التصميم الى اختبار حقيقي في السوق من خلال تقنيات الاظهار والصناعة والانتاج فضلاً عن دور عملية التصنيع والانتاج وتقنياته، وتأثير ذلك في مختلف فنون التصميم ومنها التصميم المعماري والداخلي والصناعي وغيرها.
اتجاهات فنية
كما تطرق المؤلف الى استعراض مهم للمدارس والاتجاهات الفنية المهمة التي ادت الى تطور التصميم العالمي بدأً من حركة الفن الحديث التي تعد في اطارها العام اسلوباً زخرفياً تزينياً ظهر في أوروبا الغربية في عام 1890م، وانتشر فيما بعد الى الولايات المتحدة الامريكية، وكان من اهم فناني تلك المرحلة (شيريه) الذي اسهم في تطور فن الملصق، فضلاً عن مدرسة الباوهاوس التي اسسها المعماري الالماني (والتر غروبيوس) في بدايات القرن الماضي وضمت العديد من الفنانين منهم بول كلي وكاندنسكي وسيوفور وغيرهم، التي اسهمت في تطور التصميم بشكل عام والتصميم المعماري والصناعي والجرافيكي بشكل خاص. كما تطرق المؤلف الى مدارس فنية عدة منها حركة دي ستايل وهي الاسلوبية الهولندية، والارت ديكو التي تعنى بالموضة في التصميم الداخلي والعمارة، ومدرسة أولم للتصميم التي اهتمت بالتصميم الصناعي وصناعة الافلام.
وفي استنتاج مهم وضعه المؤلف من خلال دراسته المهمة هذه يقول فيه (يرتبط التصميم ارتباطاً وثيقاً بالتكنولوجيا، اذ كلما تقدمت التكنولوجيا الى الامام يتقدم التصميم بقفزات سريعة، ان تطور الكتب يوضح ذلك، فقبل ظهور الطباعة كانت كل مخطوطة يجب ان تكتب باليد بشكل ممل وتتطلب رسوماً توضيحية مفصلة مرسومة باليد). ويتطرق الباحث ايضا الى مجالات كثيرة وواسعة منها الفوتوغراف والتصميم الرقمي التي تعد من اهم وسائل تطور التصميم الكرافيكي المعاصر، ولعل من اهم المحطات في هذا الكتاب هو ما اصطلح عليه المؤلف بتصميم الثقافة وهو مصطلح جدير بالاهتمام والبحث والدراسة، وهنا يطرح تساؤلات عدة لمناقشة تلك العلاقة الجدلية المهمة والمتغيرة احيانا ما بين الثقافة من جهة والتصميم من جهة اخرى، ولاسيما ان التصميم هو اعطاء شكل للثقافة، كتعبير مجازي موفق ودقيق للمؤلف. الكتاب غني بالمعلومات المهمة في ميدان التصميم بشكل عام والتصميم الكرافيكي بشكل خاص وهو جدير بالقراءة والدراسة والاهتمام. وبمقدمة متميزة للأستاذ الدكتور رياض موسى سكران، عرض فيها سكران اهم النقاط المهمة في الكتاب ووصفه بالقول (ان الكاتب يتماهى مع هواجس الانفتاح التسلسلي لتطور التصميم، وبلاغة المفردات والخامات والتكوينات التي تمثل جوهر خطاب المصمم العالمي). نشر هذا الكتاب في دار سطور وبلغت صفحاته283 صفحة من القطع الصغير.