الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
علي طالب: العراق منجم إبداع تشكيلي وبصري

بواسطة azzaman

علي طالب: العراق منجم إبداع تشكيلي وبصري

الستّينيون كانوا دائماً عرضة لحرائق السياسة والهجرات

المطلوب تجسير العلاقة مع التشكيليين الجدد

فاروق سلوم

 

أزعم ان الثقافة العراقية في مجمل فروعها بحاجة الى وقفة حواربين مكوناتها واجيالها الآن حيث يمكن ان تفعل مالم يفعله السياسيون ، فقد بددت الصراعات السياسية والحروب لعقود خلت، المجموعات الأبداعية والثقافية التي تشكلت في نهاية الخمسينات والستينات ومابعدهما والتي شملت الكثير من الفنانين التشكيليين والأدباء والشعراء والفنانين اذ اختار الكثيرمنهم بعد ذلك طريق الهجرات الى الخارج ، فيما ساد النمط الثقافي الشمولي امام مقتضيات السياسة التوتالية  .

واحد من الفنانين الذين شهدوا كل ذلك وله موقف منه ،هو الفنان المبدع علي طالب - 1944 وهو فنان ستيني مجدد ، عُرف اشكاليا بأسلوبيته التي تواجه تضاد الحقائق وجدل النهايات في ماتنطوي عليه ثنائيات الفن التشكيلي المتضادة والمتقابلة منذ معرضه الأول – 1964  في غاليري المباركية في الكويت .

معرض علي طالب الأستعادي في المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة في شهر مايس 2022  يلفتنا الرسام عبرتكريس تلك الأسلوبية في اظهار مخلوقاته متوارية او مجزأة او متدثرة تحت اغطية الزمن والعزلة والقلق . جدل العلاقة بالمرأة والموت والحب هي ثلاثية الفنان التي شاركت في تكوين جوهر فلسفته او رؤيته عبرسيرة معارضه الكثيرة واسهاماته العربية والدولية كفنان رؤيوي مكرّس خلال مسيرته الفنية الغنية.

وحين شكل جماعة المجددين هووالفنانين طالب مكي ونداء كاظم وصالح الجميعي وسالم الدباغ وطاهر جميل وعامر العبيدي وخالد النائب وابراهيم زاير . كانت جماعةً  تدعوا الى رؤية اجتماعية للفن اكثر تطلعا واقترابا من ادوات العصر وتقنياته وامكاناته ، وكان الأرتفاع بالوعي الأجتماعي لتحولات المشهد التشكيلي العراقي ومتغيراته واحدا من اهداف الجماعة التي كان وجودها مؤثرا ومعارضها تثير حوارات النقد الفني والثقافة عموما .

يعلق علي طالب : كان الوجود الفردي مؤثرا ولذلك كانت جماعة المجددين تنظرالى اعضائها وخواصهم وفاعليتهم الفردية كطاقة ابداعية داخلية وكنت اجد في فاعليتي الفردية وفق هذا الفهم يومذاك سلسلة مبادرات تطوير وتأسيس اتجاهات في الرسم وفي التشكيلات الفاعلة " نقابات اواتحادات فنية" في البصرة مثلا حيث كانت الحاجة الى تشكيل يخدم وينظم الفن التشكيلي وحركة الفنانين . وكان نتاجنا الفني جزءا من حوار وجودنا حيث اجترح كل منا اسلوبه وتأثيره مما كرّس اسم مجموعتنا المجددة الى الآن.

اقول ان العراق منجم للفنون البصرية والتشكيل بشكل خاص لذلك ادعو التشكيليين الجدد الى تجسير العلاقة مع المجموعات او ممثلي المراحل المتعددة للتشكيل العراقي والى جعل نشاطهم مرئيا ومؤثرا وبخاصة ان معظمهم قد توفرت لهم فرص الدراسة والعرض عبر الأسهامات المشتركة او المعارض الشخصية . وبهذا الشكل يؤثرون في حوارات المجتمع لأشكاليات الثقافة والسياسة والوجود .

رسم وتضاد وتأويل

تبدو اعمال علي طالب ومجايليه في فترة الستينات واطرافا من السبعينات انها تغامر بتلك الأسلوبية التجزيئية ، وبخاصة عندما يختار علي طالب الرسام ليشحن معانيه في الجزء المكثف من المخلوقات التي عاشرها في الحلم او ابتكرها لتضيء في اشتغاله عبر تأويلات ومعان، ودائما كان هناك الرأس او اليدين او الأطراف تشغل لوحات علي طالب مع محمولات دلالية ورمزية وخطاب لاتترجمه الحروف انما يشتغل اللون والأضاءة والتكوين على التعبير عن  انعكاسات مضامينها لتحرك ديناميكية التفكيرعند المشاهد والمتلقي في آن معا .

يقول جبرا ابراهيم جبرا في مقالته بعنوان " الحضور الجني بين ايروس ووثاناتوس عن اعمال علي طالب " ثمة َ وعدا بخلاص ما في هذه الشفاه والعيون ومدرجات الزاقورة الجلجامشية المتلاشية في ضباب الزمن الأسطوري . ثمة سعادة هنا تتخطى الألم والعذاب . رغم من يهدد هذا الوهج العاطفي كله . وذلك بالعودة الى ارض بدائية حيث قد يهجع الجني ويتمنع الحب على الموت . ويبقى المتلقي امام هذه الأعمال في غمرة ذلك الغموض الغني . الواقعُ ابدا بين منطقتي الوعي واللاوعي ."

وتثير اعمال علي طالب ابعادا نفسية واجتماعية وتاريخية واسطورية مختلفة في الدراسات النقدية التي قدمها نخبة من النقاد والمختصين المتابعين لأعمال علي طالب مثل جبرا ابراهيم جبر والرسام شاكر حسن ال سعيد والروائي عبد الرحمن منيف و الناقدة والكاتبة مي مظفر . وهذه الأسماء في البيئة الثقافية يومذاك تصور التفاعل الثقافي الواسع والأجتماعي مع الفن الحديث عامة و مع اعمال فنانين عُرفوا بتجديد اتجاهاتهم ، وكان علي طالب واحدا من ابرز الفنانين حيث اعماله التي يشكل فك رمزيتها وغموضها تحديا معرفيا ممكنا في فترة يتطلع فيها المجتمع العراقي الى جمهرة المعارف والأبداعات البصرية كطريقة للتحديث والوعي واتساع بيئة الثقافة .

علي طالب يستطرد في اشارة الى تقبل الوعي الثقافي العراقي يومذاك لكل تجديد حيث كان السعي دائما نحو منجزات العصر الذي يحيط بأنساننا وبالفن الحديث وماقدمناه كمجموعة وماقدمته اعمالي هو حث بأتجاه تقبل تحديات العصر بأدواته المعرفية المتعددة من الحروفية الى البصرية .

اقتراب من التحدي

افهم من كل الكلمات التي استعملها الرسام علي طالب ، البصري الذي تحمل ذاكرته تفصيل التفاعل الأجتماعي البصري الثقافي والمديني المعروف في شراكة مع عدد من المدن كالحلة وبغداد وكركوك والناصرية بمكوناتها الأجتماعية ، انه يشير بطريقة غير مباشرة ، الى ان المجتمع المديني العراقي كان منفتحا على كل تيار ثقافي متجدد ، كما ينفتح على المستقبل مشيرا الى عمق الوعي والقبول بالتحدي الحضاري في عمليات التغيير ابتداء من الرسم الى ميادين الثقافة والفنون البصرية الأخرى .

وكأني بالرسام علي طالب يوجه انتباه الرسامين التشكيليين الجدد الى اهمية التفاعل الأجتماعي والثقافي في بيئة اللون والضوء والتشكيل لصياغة وعي مختلف وشراكة حوار التغيير والتجديد في الرؤى والوسائل وادوات التعبير .

تقول الكاتبة والناقدة مي مظفر" لعل تجريد الأشكال المستمدة من المحيط عند علي طالب لاتبتعد عن واقعها ، فبوسع المشاهد ان يدرك طبيعة الأشكال اذا ما امعن النظر في فنه . ومن يرى شخوصه لايحس انه يرسم الأنسان بقدر مايريد ان يجسد حالة . وان الوحدة والقلق والسرية والتأمل ماهي الا حالات مجردة اراد لها الفنان شكلا فأوجد لها مجازا يوحي بها . وعبر هذا الأختزال يلخص لنا المأساة الروحانية لعالم الواقع" .

هكذا يسحب النقد الفني المتفاعل اشتغالات علي طالب الى المجالات المعرفية والأنسانية والأجتماعية ، بل ان اعماله تحاول ان ترمي ثقافته ولغته ورموزه الأدبية عبر اللوحة ومكوناتها وهو بالتالي يبحث عن طريقة مهما كانت ملغزة لأيصال صوت الرسم واللون والضوء الى البيئة الأجتماعية والثقافية . والحق ان اشكالية هدف الفن او الأسئلة من التي تثار من حوله لم تكن ملحة في هذه المرحلة لكنها عند قراءة اعمال علي طالب تكون موجودة ببعدها الأجتماعي والسيكولوجي ازء الأسئلة العامة للوجود والمعرفة الفاعلة وحاجة الحياة الى اطار يحتوي الأهداف الأنسانية لمجتمع يتحول .

اسئلة المرأة في الفن

يشكل فعل الحواس في فن علي طالب ظاهرة موصلة لكل دلالة تشير الى المرأة والعشق والحنو المتبادل . انه يأخذ وجوه مخلوقاته الى اختصار عاطفة المرأة في مايفتقده في حضورها او غيابه .

انه يدفع حضورها الى انعكاس جمالي تشكيلي ولوني يمثلهُ كل ضوء روحي ، اما في غيابها فيحضر الوجه مجتزأ ليختصر فضاء الغياب ولوعته حيث تبتعد مؤثرات المرأة ودورها في جماليات مفتقدة وفعل عاطفي غائب وجاذبية مفتقدة ونشوة مغرّبة  .

ان المرأة في لوحاته اختصار لعاطفتنا بأكملها وهي مصدر الهامات تضيء في افضية اللوحة ودلالاتها في بنية لوحته . يستمر علي طالب في دعوته للحث بأتجاه الفن الحديث كدلالة معرفية على تطور المجتمع واتساع الرؤية نحو مداخل العالم والحياة الحديثة في تحدياتها وتفاهماتها ايضا.

يبدو فضاؤنا التفاعلي كمن يستدعي عنوة الدلالات الأجتماعية للفن وكأننا زمرة تحمل دعاوى اصلاح عابر ، اولكنه هنا مجرد تعبير عن حاجتنا اليوم الى تكريس حوار ثقافي واجتماعي ونفسي يعكس المعاني المشتركة ويقدم اضاءات تفاؤل بأن مالم يفعله السياسي يمـــــكن في مجتمعنا ان يصنعه الثقافي والمـــــعرفي عبر الحوار والتواصل والأختلاف الحي وليس الخلاف العدواني الجاهل .

 


مشاهدات 981
أضيف 2022/11/30 - 5:37 PM
آخر تحديث 2024/11/22 - 2:13 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 10 الشهر 9928 الكلي 10053072
الوقت الآن
الأحد 2024/11/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير