الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أبكيك ايها النبيل

بواسطة azzaman

أبكيك ايها النبيل

مها محمد

قد أكون آخر من يكتب عنك. ولكن، استميحني عذرا ايها ا الكريم،ففاجعة رحيلك قد شلت يدي، وبت عاجزة عن امساك قلمي، هذا الذي يرافقني وقت  شدتي وفرحي، في حلي وترحالي.

عملت معك في دار الخبرة، المؤسسة البحثية الرصينة التي تضم  بين جنباتها نخبة من كبار رجال العلوم السياسية أمثال د. عماد الشيخ ، د.اياد، د. احسان ، دكتور علي المعموري،وسواهم، وأنطت بي مسؤولية محور المرأة، وكنت حكيما في إسداء النصح خلال مراجعتك الاوراق البحثية التي اكتبها، لتصدر كتاباتي رصينة هادفة لا تثير جدلا، ولا حتى نقاشا.

أبكيك دكتور صائب الكيلاني:

ابكيك،  أبو محمد ،وينهمر دمعي  مدرارا .

كيف أنسى شهامتك مع امي رحمها الله؟ خرجت من صالة العمليات ورسمت ابتسامة فوق وجهك لتبث في نفسي الاطمئنان ان الامور على مايرام، مع علمك اليقين ان انياب المرض العضال قد نهش جسدها النحيل، ولم يتبق لها سوى رحمة الله عز وجل.

لا تزال احدى مواقفك مع الفقراء تختزن ميدان ذكرياتي:

كنت راقدة في مستشفى جنين مع امي رحمها الله، وكانت في الغرفة المقابلة شابة تحمل طفلة لا تتجاوز العامين وقد غزت الانابيب بطنها وفمها. سألت الام عن حالة الصغيرة، فأجابتني ان ثمة انسداد في امعائها يحول دون وصول الطعام والشراب  الى معدتها. الامر الذي أحال الطفلة الى مجرد هيكل عظمي مغطى بالجلد .

كنت أتابع دكتور صائب وهو يتفحص حالتها يوميا، وأتأمله وهو يحمل سرنجة الحليب ويزرقها في بطنها لتصل الى المكان الخاص من امعائها ، وهي حالة طبية معقدة قد لا تسعفني معلوماتي الطبية المتواضعة عن وصفها. وكانت اعداد الانابيب تقل يوما بعد آخر حتى اليوم الذي وجدت الطفلة وقد ارتدت فستانا احمر، وتتأهب الى مغادرة المستشفى، حاملة  بيدها كيسا من جبس البطاطا.

وعندما سالت الام عن سعر العملية أجابت بان الجراح صائب الكيلاني قد تكفل باجور العملية والاقامة بالمستشفى دون ان ينسى مبلغ المال الذي قدمه الى الصغيرة  اليتيمة بمناسبة نجاح عمليته فوق الكبرى التي اجراها لها.

إن أردت ان احصي العمليات الجراحية التي اجريتها لافراد عشيرتي، سأعجز لا محالة.

أبكيك دكتور صائب ، وينهمر من مآقي  دمعا مدرارا،وانا أرى جثمانك محاطا بابنائك واقاربك واصدقائك ومحبيك وهم يبتهلون الى الله عز وجل ان يطفئ نار قلوبهم التي اشتعلت برحيلك المباغت.

واأسفي على موتك اخي الغالي، لكن عزائي ان ارى وجه أم محمد ، زوجتك المخلصة وهي تحيط ابنائك وبناتك بين ذراعيها ، وتردد عليهم وصيتك، ان (لا تجزعوا ولا تبكوا، وإبقوا كما انتم ، متكاتفين متحابين متعاونين،  ولا تنسوا زيارة قبري، لاني ، والله،ساشتاق لوجوهكم الحبيبة، واعذروني عن الرحيل، فهو أمر الله.......).

ابكيك دكتور صائب الكيلاني، وسأبقى ابكيك ماحييت.


 


مشاهدات 820
أضيف 2020/12/14 - 5:42 PM
آخر تحديث 2024/07/18 - 4:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 324 الشهر 7892 الكلي 9369964
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير