ماجد السامرائي مثالاً.. المقالة الأدبية والمشروع النهضوي
قيس كاظم الجنابي
-1-
تعد المقالة الادبية فن الذات والوجدان المرتبط بالواقع ، ذلك لان الادب تميز تحت تأثير الصحافة ، بالواقعية التي تمس قضايا المجتمع بالصميم، وتسهم في ايراد التفاصيل بدقة ذات دلالات كثيرة، مع ايثار الاسلوب الرفيع واللغة المكتنزة المكثفة التي تجسد اكبر قدر ممكن من الافكار والمشاعر، في اصغر حيز ممكن وفي اقل عدد من الكلمات والفقرات والجمل البسيطة السلسلة والمتدفقة دون عوائق او جمل افتراضية، مع التعبير الشفاف الذي يقف حاجزاً بين القارئ والعمل الادبي الذي يطالعه1)).
لقد مالت كتابات ماجد السامرائي في بداياته الى الاستذكارات القريبة من السيرة الذاتية وخصوصاً في كتابيه:(كتاب الماء والنار – صفحات من أوراق "عبد الله" وأيامه ، صخرة البداية) الصادرين في سنتي 1986و1988م على التوالي، حتى أن الناقد جبرا ابراهيم في تقديمه لكتابه الأول وصفه بأنه قصيدته الكبرى، "قصيدته التي هيأ لها نفسه طوال أكثر من عشرين عاماً(...) هي في النهاية تصوغ نفسها بنفسها، منقادة له، مرة متمردة عليه مرة، وممتنعة مرة بغزارة لغته وتوالد صوره"(2). والكتاب الأول مجموعة استذكارات أقرب بالذكريات التي تتحدث عن طفوله سياسية لم يكتب لها النجاح ، وأن وصفها بالقصيدة احالة واضحة على علاقة الشعر بالكتابات الذاتية ذات الاتجاه العاطفي الوجداني، وكذلك تميل الى علاقة المقالة الأدبية بالجانب العاطفي الذاتي، لهذا اختلطت المقالة الأدبية بالاستذكار أو استحضار الماضي بكل عنفوانه المتدفق، كقوله:" صحيح أننا ريفيون عنيدون وتلقائيون !! ولكننا نملك من "يقين الحياة" ما يجعلنا لا نكذب على الحياة ،ولا نعيش بأنصاف الحقائق ولا نقبلها، الكذب ونمنح مهما كان صريحاً، مع أن هناك من يرى فيه شرفا لاستمراره"3) ). وهذا ما ينسجم مع ذاتية المقال الأدبي المعبر عن تجربة الكاتب الذاتية و"مشاعره تجاه موقف خاص أو موقف عام، وتقوم لغة هذا المقال على الصور البيانية والمحسنات اللفظية، ويتبارى كل كاتب لإظهار مهارته اللغوية والاسلوبية"4)).فاذا كان كتاب( الماء والنار) مثل قصيدة شعر أو قصيدة مائية كالبحر ومتوثبة كاللهب فإنها تدوم وتتصاعد وتنساب لتنقد (5) لأن المقالة الأدبية قريبة من جبرا ابراهيم جبرا حين يشخص تجربة كتابة هذه الاستذكارات، ويصفها بالقصيدة الغنائية، لأن كليهما يغوص بالقارئ الى أعماق النفس حين يكتب الكاتب مقاله الأدبي،6)) اذ يحصل اللقاء بين فنيين أدبيين، وربما يتداخلان فتغدو الاستذكارات النثرية ذات النزعة الشاعرية مقالة ذاتية، تجنح نحو التوقد الوجداني الذي يبرز طبيعة معاناة الكاتب وشهقاته المتكررة والعاطفية التي تحاول أن تؤسس وجودها الذاتي على الورق، من خلال الاهتمام بتوظيف الخبرة الصحفية للنهوض بالتجربة الذاتية، مما دفعه الى اصدار كتاب آخر بعنوان (صخرة البداية) عام 1988م استقطب فيه الأجناس الادبية، وخلخل الحدود بينها وحاول جاهداً "ان يتلخص منذ البدء من مرجعية الجنس الأدبي الواحد والراي الواحد"(7) وترك المفحص الأدبي يدور ضمن مجالاته السردية وحواراته الداخلية في ظل فضاء مغلق ويتوهم القدرة على تعقب السبل وتخطى تداخلاتها8)).
-2-
تطور - فيما بعد- بناء المقالة الأدبية لدى ماجد صالح السامرائي، فأصبحت المقالة لديه تجمع بين النقد الأدبي والفكر لتتجه بالتدريج صوب النقد الفكري، محاولة أن تمد أصابعها نحو الواقع من جهة والموروث العربي التحديثي الذي ظهر في القرنين السابقين، لأن كتاباته ترتبط ارتباطاً صميمياً بالصحافة من جهة، وبالفكر ذي الطابع الشمولي من جهة اخرى ،وخصوصاً وانه تولى مسؤولية القسم الثقافي لجريدة الجمهورية مدة من الزمن ،ومسؤولية قسم آفاق ثقافية في مجلة (آفاق عربية)، ورأس تحرير مجلتي :(الموقف الثقافي، والأقلام)؛ ذلك لأن المسؤولية الثقافية تعبير حقيقي عن لعبة الكتابة، بوصفها هماً وموقفاً، ومهمة فكرية لابد من التعبير عنها بصدق عبر تشكيل بؤرة ثقافية معرفية ناضحة أو قادرة على كشف هموم جيل أدبي له صلة بالثقافة العراقية ،فهو في مقالاته التي كان يكتبها لافتتاحيات مجلة (الأقلام) تحت عنوان رئيسي (من إحدى الزوايا) ظل ملازماً لمقالاته التي تتصدر كل عدد ،وهو في جل هذه المقالات يبدو منهجياً بصورة أو بأخرى، وعلى معرفة مسبقة، بكيفية كتابة المقالة الفكرية التي هي الأخرى فرع من فروع المقالة الأدبية التي تنطوي تحت جنسها الأدبي، وأبرز ما يكشف عنه أسلوبه في الكتابة الجانب المظهري ،فهو يمنح كل مقالة عنوانها الخاص المرتبط بها، والذي يوحي بموضوعها الذي يترشح عنها وتبويبها تبويباً يدلل على خبرة وتجربة كتابية متقدمة من خلال استخدام أسلوب الترقيم ،وهذا بحد ذاته يعبر عن نزعة تخصصية ومعرفية تحيل الى أن كل فقرة تتركز حول هدف أو نقطة ما؛ مما يبعد المقالة عن التشظي ويمنحه فرصة للتأمل والمراجعة، ولا يعدم ذلك من لغة نقدية متنامية تحاول أن تكشف عن حرفية واضحة وطاقة معرفية مفعمة بالحساسية والتوقد، فاذا تأملنا مقالته (تلك الأفكار الحية، دعوة الى اعادة قراءتها) وجدناها تتكون من ستة مقاطع /أقسام/ فقرات، وهذا التقسيم بشكل القالب المعروف لدى ماجد السامرائي في كتابة المقالة الأدبية ،والتي تتكون من ثلاثة أقسام رئيسية هي:(المقدمة - المتن- الخاتمة)، والمقالة تتحدث عن الأزمة الروحية للغرب ومدى أهميتها في اعادة قراءة الفكر العربي الحديث بتشكيلاته الأساسية في المقطع الأول، ليلج الموضوع في المقطع الثاني ويتحدث عن مشروع العرب النهضوي منذ منتصف القرن التاسع عشر، ثم يحاول أن يجيب عن السؤال المطروح بشكل مفترض ليبدأ بعدة فقرات من رأس السطر مسبوقة بالشرطة، مما ينمي لديه النزعة الحوارية ويمنح المقالة بعدها الحجاجي/الجدلي المتوقد، لهذا نراه يعترض سؤاله، بقوله: كيف نتقدم ؟ ثم يخرج بنتيجة مفادها ان هذا السؤال خلق صراعا انتجته الاصوليات الجديدة، لهذا رأى في كتاب عبد الرحمن الكواكبي ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) بأنه أول سؤال خرق السائد ليقول لنا: (ان الاستبداد مؤسسة)، وفي المقطع الثالث يطرح فكرة مفادها" أن السؤال الجوهري وصراع الاصوليات الجديدة ساهم في عقد التواصل الحي بين المثقف النهضوي ومجتمعه"9)).وفي القسم قبل الاخير يؤكد انتصار الفكر النهضوي العربي ،مما اسهم في رفع مكانه العقل في الماضي وقدرته على الاستئناف حتى صار المشروع الثقافي العربي الجديد مرهونا بالكشف عن ينابيع القدرات الذاتية للإنسان العربي واستثمارها على النحو الصحيح10)).
أما خاتمة المقالة فكانت مقتضبة تحيل الى شيئين مهمين في نهضوية الفكر العربي، هما(الاختلاف والمقارنة) ، ليتوصل الى فكرة مفادها أن الاختلاف قد قام على فكر متميز، وأن المقارنة هي ميزاته فمنحته حضوره من أجل التعبير عن الفكرة ذاتها من أفق انساني وثقافي – حضاري آخر11)).
من هذا المنطلق يدعو الكاتب الى اعادة قراءة تراثنا النهضوي السائد ،وهو في كل هذا وذاك يولي علامات الترقيم اهمية خاصة حتى يمنح مقالته قوتها التعبيرية وأهميتها في التلقي ،لان الجانب الشكلي يؤثر بلا شك في التلقي وكذلك يسهم في الكشف عن قوة الجملة وأثر الجملة في التكثيف والعمق ومن حيث الاسهاب والاختزال.
-3-
أما مقالته (البحث عن جوانب جديدة لأسئلة النهضة) فانه آثر فيها استخدام العنوانات الداخلية أو الفرعية أحياناً ،وهذا الاستخدام للعنوان يستوجب معرفة دلالة العنوان بكل محمولاته الدلالية من خلال تمثل الصور البلاغية التي يتأسس عليها الملفوظ بكل مكوناته وايماءاته لضمان استيعاب مناسب لطبيعة الانجاز القولي الذي تتكون منه العنوانات الداخلية المزاحة 12)). لذا استخدم عنوانين داخليين فقط، وآثر الاجابة عن أسئلة النهضة التي يتبناها فرأى أن سؤال الحرية الذي هو عن حرية الرأي والتعبير وحرية الفكر والوجود بشكل الاساس والمنطق لسؤال التقدم اذا لا تحقق للتقدم بدون حرية ولا معنى للتقدم من غير حرية ( (13 وهو هذا في هذا يستكمل وجهة نظره حول خطاب الفكر النهضوي العربي الذي اقترن بالتحديث والنهضة العربية، ثم حاول ربط التحديث بالحداثة مشيراً الى صراع الافكار والاتجاهات ،ورأى أن النهضويين العرب الأوائل قد وعوا نمط التحديث المطلوب وكيفية تحقيقه في مجتمعاتهم لأنه يرتكز على ثلاثة أسس هي:(14)
1-البيئة الاجتماعية.
2-التقليد الثقافي.
3-القيم الاجتماعية .
ليخلص الى أن قراءة الحداثة داخل المشروع النهضوي العربي ، كانت عربية كشفت عناصر التواصل والاستمرار في التراث العربي، وقد جعل الخاتمة المطولة للموضوع على فقرتين تمخضت عن ضرورة اثارة أسئلة النهضة من جديد(15). ومن يقرأ مقالات ماجد السامرائي يجد أن موضوعها النقدي يستند الى رؤية فكرية، لأن الموقف اذا لم يتسلح بالفكر يكون مجرد صياغات لغوية لا تمتلك ولا تستند الى جذورها العميقة الموغلة في رحم الموروث العربي القادر على النهوض في زمن الكبوات .
يشير في مقالته ( الفكر العربي في أزمته الراهنة، إسقاط المثقف لسقوط السؤال الثقافي ) الى اعتماد الكاتب على استخدام العنوانات المطولة وتقسيم المقال الى ثلاثة اقسام مفصولة بثلاثة نجمات ،لأنها تبدو مثل عنوانات داخلية لمنهج وفكر المجلة التي يديرها، وهكذا كانت المقالة جزءاً لا يتجزأ من مشروع المجلة الثقافي، فحاول الاجابة عن سؤال الحداثة / الثقافة من أجل أن يحقق العنوان - لديه - وظيفة الدلالية الضمنية المصاحبة من خلال قدرته على الايحاء والتلميح من خلال تراكيب لغوية بسيطة (16). وهذا بحد ذاته يحيلنا الى صراع المتضادات في خطاب ما بعد الحداثة في نموذجه عن الاسئلة المفترضة، مستفيداً من الشرطة كبديل ترقيمي عن العنوانات الداخلية والترقيم ؛وبهذا استطاع أن يعكس قدراته في ترويض الجانب الشكلي لمتطلبات الكتابة ومنهجية التعبير عن الفكرة، وهذه الطريقة وان كانت غير مبرزة من الناحية الظاهرة الا انها من خلال المتابعة تكشف عن ضرورات ملحة في التركيز لمناقشة الفكر الابداعي في مواجهة التحديات، لهذا بدا القسمان الثاني والثالث بمستوى عميق من التعبير عن الفكرة مع استمرار التأكيد على الهوية الثقافية والعبارات المحبوكة لصالح التعبير عن الفكرة بكل قوة واتقان، لأن الفكر لا يسمح بتشتته لصالح محطات صغيرة قد تضيع جوهر الانطلاقة الرئيسية فكان سؤال المثقف لديه هو انتماء مجتمعي تاريخي، ثم يلقي بظلالة على موضوعة التحريف الثقافي عبر السؤال، وكانه يشير الى عجزنا عن استيعاب الاجابة عن سؤال الحداثة والمثاقفة، فيطرح سؤاله حول الرأسمالية قائلا: ((كيف تستحوذ على مقدرات الانسانية وتصادر ثرواتها وتجتاز وجودها لصالح الهتها المتوحشة؟))((17.
-4-
غالباً ما تتصف لغة المقالة الأدبية بالجمع بين الوصف والتشخيص مع فتح افق خاص للانفعال، وان كان هدفها أن تمنح القارئ صورة حية عن موقف ما أو قضية ما أو كتاب ما ،وكتاب المقالة الأدبية هم ليس على شاكلة واحدة، فبعضهم كاتب مرحلي والآخر كاتب نوعي استراتيجي يميل الى تثبيت مواقفه ذات الطبيعة النقدية أو أفكاره القابلة للنفاذ مدة طويلة لأنها تعالج قضايا مصيرية، أو مناهج أو منطلقات نظريات فكرية من العمق بحيث لا يمكن العبور منها الى غيرها بسهولة أو خلال مدة قصيرة، وكاتب مثل ماجد السامرائي يتجاوز المرحلية ويتقدم باتجاه آفاق اكثر مطاولة لأنه غالباً ما يضمن خطابه النقدي رؤيته الفكرية وخلفياته الايديولوجية ،وهذا بحد ذاته نابع من قناعة مزمنة بمشروعه الثقافي هذا ،وهو مشروع مكمل للمشروع العربي النهضوي وهو يميل في مقالتيه:( البريكان ،الواقعية) الى استخدام الترقيم لأنه في صدد مناقشة قضايا أدبية نقدية ذات طبيعة شبه مرحلية لأنها لا تناقش مشروعه النهضوي، وانما تحاول أن تلقي بظلالها على الجانب المعرفي، لهذا يرى من الضرورة الاستعانة بلغة أدبية مفعمة بالاحتفاء ولكن استراتيجية التعبير عن الفكر لديه تظل خاضعة للأسئلة المضمرة أو الأجوبة المعلنة، وهو في هذا التوجه يرد بصورة غير مباشرة على انحدار لغة الشعر وقدرات الشعراء حين يقول حين تسألهم عن هوية هذا الذي يقولون وينشرون ؟ فيأتينا جوابهم بأن الشعر صار هكذا !!( (18 محاولا تفسير سبب اختيار محمود البريكان للعزلة، لهذا السبب وغيره وهو جواب سلبي، وفي ختام هذه المقالة بفقرتها الخامسة يبرر احتفاءه بالبريكان ميتاً، لأنه ومجلته لم تحتف به حيا، كما ينبغي لها أن تحتفي به، فلعل هذا الاحتفاء يسدد بعض ماله على حركة الشعر والثقافة من دين((19.
أما مقالته (عن "الواقعية" أتحدث) فقد قسمها الى ست فقرات مستخدماً منهج ترقيم المقالة، فاستهلها بسؤالين عن التفكير اليوم ،وأنهاها بالإجابة عن ذلك وفقاً لطريقته الخاصة، والهدف من حديثه عن الواقعة مفاده ملاحظة تيارات ما بعد الحداثة التي ابتعدت عن تمثيل الواقع، ونسيت انه الروح التي تغذي الحياة الثقافية والانسانية والتعبير الحقيقي عن الهوية، لذا يشير الى أن الواقعية تمتد جذورها عميقا في أرض الفكر والثقافة والابداع وان (الارتداد عليها) أو (الارتداد عنها) قد جرى بفعل عاملين: أهمهما اساءة استعمالها أو اساءة التعامل معها، أما العامل الثاني فينطلق صوب النظريات والمناهج البديلة او المضادة للواقعية؛ لذا يدعو الى تجديد الاهتمام بها( (20 والحقيقة أن الواقعية تراجع الاهتمام بها بسبب تبني الاحزاب السياسية ذات الطبيعة الشمولية لطروحاته واستخدامها وسيلة ايديولوجية لصالحها، مما سبب نفور المثقف منها حتى لا يحسب على أحد تملك الاحزاب، لذا نجده يحاول العودة الى صراعات التجديد في الحداثة العربية على الصعيد الأدبي منذ السياب، للدلالة على انها تجارب تجديدية وواقعية في الوقت نفسه، لهذا ولغيره يلقي الكاتب اللائمة بتبعات التخلي عن الواقعية على جيل من الأدباء الذين آثروا النص البديل، وهو جيل ما بين القرنين وهو جيل يقيم ابداعاته الجديدة على الانسان من خلال وجهة نظره الذاتية، أو على اللغة التي أصبحت مشبعة بـشوائب الترجمة، ثم ينهي مقالته بضربة موجزة مفتوحة الفكرة مثل قوله: "الرهان على المستقبل هو الرهان الأكبر"(21)? من هنا يمكننا قراءة طبيعة المقالة الأدبية عند ماجد السامرائي من خلال عدة نصوص/ مقالات متقاربة زمنياً، ولكنها مختلفة في موضوعاتها وطريقة كتابتها، كما أن بناءها يستند الى تجربة راسخة في كتابة المقالة الأدبية في توجهاتها الفكرية، وهي توجهات تطمح الى أن تلتقي مع الفكر والمثاقفة على طاولة واحدة وعلى وفق تطور نوعي مهمته رسم خارطة ثقافية مرتبطة بالهوية العربية.
وفي افتتاحياته لمجلة (الموقف الثقافي) حين رئيساً لتحريرها ، فقد عبرت خير تعبير عن مشروعه النهضوي، ففي مقالته ( اسئلة الثقافة في واقع متغير) يحاكم المرحلة الثقافية لنهايات القرن العشرين وما ينتظره المثقف العربي من تحديات في مقتبل الألفية الثالثة التي كانت على الأبواب ؛ فيقول: ((لم تمر الثقافة العربية خلال تاريخها الطويل بمرحلة تكاثر الأسئلة (التي تواجهها ، أو تواجه الواقع بها) كما هو الحال في المرحلة الحاضرة، فنحن نقف على نهايات قرن صاخب، مزدحم بالصراعات ، عاشت فيه الإنسانية أفجع نكباتها وعرفت الذروة في تطوراتها : علمياً ،وحياتياً وثقافيا... كما نحن على مشارف قرن جديد تنتظره أجيالنا ، واجيال الإنسانية كافة ، بمزيدٍ من الريبة وكثير من الخوف والخدر بعض الاسئلة نابع منا نحن : ذاتاً تاريخية ، ووجوداً انسانياً، وموقفاً حضارياً في ما للإنسانية من وجود . وبعضها الآخر مطروح علينا مما حولنا ، أو يواجهنا من مشكلات العصر وأزماته العصيبة))((22.
وفي مقالته ( الوعي .. والوعي الزائف) يؤكد ان مشروعه النهضوي هذا فيقول:(( ينبغي ان نحدد ما نعنيه بالنهضة مفهوماً ودلالة لمعنى واقعي متحقق . فالنهضة ، أولاً وقبل أي شيء آخر: رؤية وعمل ، انها رؤية شاملة لعالم يتكون ويتحدّد به/ ومن خلاله مشرعها الذي هو واقعاً، مشروع كلي ، يتداخل فيه/ ويتفاعل : وعي الماضي وعياً تاريخياً( بما في ذلك التراث والتاريخ – كبعد تكويني لذات الأمة ، به تتحدّد شخصيتها الحضارية في ما لها من طابع انساني) بقضايا الحاضر باستشراق المستقبل ،وقضايا الحاضر هذه تشمل القضايا السياسية ،والاجتماعية ،والاقتصادية ،والثقافية ،التي ترتبط، جميعها ، بإنجاز التحرر ،وبناء كيان مسقل عن كل تبعية)) ((23.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- العمل الصحفي : د. نبيل راغب، لبنان ناشرون والشركة المصرية العالمية- لونجمان (الجيزة- مصر، 1999م): ص11.
2- كتاب الماء والنار : ماجد السامرائي، ط1 دار واسط( بغداد، 1986م): ص7 (المقدمة).
3- نفسه: ص17.
4- فن المقال الصحفي، الأسس النظرية والتطبيقات العملية: اسماعيل ابراهيم، دار الفجر للنشر والتوزيع، ط4 (القاهرة، 2009م): ص69.
5- كتاب الماء والنار: ص8 (المقدمة).
6- المقال الصحفي: 27.
7- في "الميتا لغوي" والنص والقراءة: مصطفى الكيلاني، دار أمية ( تونس، 1994م): ص90.
8- نفسه: ص91.
9- مجلة الاقلام ،ع1 س37 (بغداد، ك2 – شباط، 2002م): ص4.
10- نفسه: ص 5.
11- نفسه: ص 5.
12- العنوان في الرواية العربية: ص140.
13- مجلة الاقلام ،ع5 ?س37 (بغداد، ايلول- ت2010?1م): ص3.
14- نفسه: ص5.
15- نفسه: ص7.
16-علم العنونة: عبد القادر رحيم، دار التكوين (دمشق، 2010م): ص3.
17- مجلة الاقلام ،ع6 س37 (بغداد، ت1 – ك، 2002م): ص6.
18- مجلة الاقلام ،ع6 س37 (بغداد ،ايار- حزيران 2002م): ص3.
19- نفسه: ص5.
20- مجلة الاقلام ،ع4س37 (بغداد، تموز- آب، 2002م): ص4.
21- نفسه: ص6.
22- مجلة الموقف الثقافي ، ع4 س1( بغداد، 1996م): ص4.
23- مجلة الموقف الثقافي، ع7 س2 )بغداد، 1997م)، 6.