الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
وداعاً أحمد خلف .. الإنسان الأصيل والأديب المتميز


وداعاً أحمد خلف .. الإنسان الأصيل والأديب المتميز

علي إبراهـيم الدليمي

 

كان العقد السبعيني من القرن الماضي من أهم العقود التي مر به المشهد الثقافي في العراق، حيث الإنفتاح العام على المشهد الثقافي العالمي في جميع الأجناس الأدبية والفنية عموماً.. وكانت (مطابع) وزارة الثقافة والفنون حينذآك صدرت منها مئات العناوين القصصية والروائية لمبدعين عراقيين، ظلت منجزاتهم خالدة حتى هذه اللحظة..

والحمد لله، اني واكبت تلك المرحلة بدقائقها وخصائصها ومبدعيها، واحداً.. واحداً، وأنا دون سن المراهقة، كان همنا كيف نقرأ ولمن نقرأ..  وما زلت أحتفظ بكثير، مما صدر من المجاميع القصصية لرواد القصة العراقية، ومنها مجموعة (منزل العرائس) للقاص والروائي الكبير (أحمد خلف)، التي صدرت في العام 1978. أحد فرسان فن القصة القصيرة والرواية في الساحة الثقافية العراقية.

ظروف لعينة

لم ألتق بالأستاذ أحمد خلف، منذ أن صدرت مجموعته هذه، بسبب الظروف اللعينة والمتواصلة التي تعصف بالبلد.. يوماً بعد أخر.. حروب عبثية سخيفة، وحصار دولي أسخف، ونكبات دائمة كثيرة لا تعد ولا تحصى، حلت على رؤوسنا، ولكن ظل من هواجسي العديدة أن ألتقي بـ (أحمد خلف الإنسان، لأني قد ألتقيت به مبدعاً من خلال كتاباته المتواصلة.

إلا في إحدى مساءات نهاية تشرين الأول من العام 2022، كانت لنا فرصة ثمينة ورائعة جداً، معه، قدمها لنا مشكوراً “نادي السرد” في الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، حينما أستضافه، في جلسة مسائية رائعة، تحت عنوان (طقس الكتابة السردية) التي حضرها نخبة متميزة من المثقفين، وقد أدارها بجدارة القاص الحصيف خضير الزيدي، فيما أسترسل الروائي أحمد خلف، بالحديث عن مسيرته الطويلة.. وفي دروسه العميقة في طقوسه الخاصة في كتابته للقصة والرواية.. وعن بداية مسيرته الطويلة، وما تخللها من محطات وتجارب ودروس وعبر، جعلته أن يكون رمزاً عراقياً في المشهد الثقافي داخل العراق وخارجه.

كما تطرق الأديب أحمد خلف، عن بعض طقوسه الخاصة التي يمارسها قبل وفي أثناء لحظة الكتابة في مجالي القصة القصيرة أو الرواية، وهي غالباً ما تكون طقوس فكرية دقيقة، أكثر مما هي طقوس عملية عابرة.لم يبرح أديبنا أحمد خلف، أن يغادر بموضوعاته الأدبية عن مجتمعه العراقي المسكين المغلف بالمآسي المتواصلة، حيث الحروب العبثية والسياسات الخاطئة التي ألقت ظلالها على الشعب نفسه.. ليتحمل الإعباء وحده!

لذلك أعلن عن أهم شروطه التي يتخذها في كتابة القصة أو الرواية إبتعاده النهائي بمداهنة السلطة أو التقرب منها، وإستنكار نتائج السياسة السلبي نفسها..

بعدها كانت نقاشات وحوارات مكثفة مفتوحة ما بينه والحضور.. وقد فاجئته وأنا أرفع مجموعته (عرائس المنزل) المحتفظ بها، منذ أكثر من نصف قرن بين الحاضرين، وأطلب منه أن يوقعها لي!

ويعتز خلف، بقوله: في عام 1961 تعرفت على الشاعر الكبير مظفر النواب، وهو الذي وجهني نحو الكتابة والأدب، الذي تنبأ لي بمكانة في هذا الميدان.. في مرحلة الدراسة المتوسطة كان أستاذ اللغة العربية حينها الشاعر مظفر النواب وفي أحد الايام طلب منا أن نكتب موضوعاً إنشائياً، وبعد الكتابة وتسليمه الأوراق قام بعزل ورقتي ثم سال من هو أحمد خلف فقلت له أنا، فسالني هل تقراً كتباً فأجبته بالنفي، فسألني هل في عائلتك كاتباً أو شاعراً فقلت لا فاستغرب وأهداني روايتان وطلب مني  قراءتهما، وفعلا قرأت الروايتين وأعدتهما له في اليوم التالي استغرب فطلب مني أن أحكي له أحداث الرواتين فسردت له كل تفاصيلهما، فقال لي استمر في القراءة وسيكون لك شأن الأدب، ومن يومها وأنا اعيش الأدب بكل تفاصيله قراءة وكتابة..ذات يوم طلبت مني إحدى الصديقات من “عربستان” أن أختار لها روايات عراقية تترجمها إلى اللغة الفارسية، فأشرت لها بمنجزات الأستاذ أحمد خلف، وفعلاً التقينا في مقهى كتاب، وتحدثنا كثيرا، وأهدى لها إصداران، وعندما ترجمتها وقدمتها، اعتذر منها القائمون في عدم إجازة نشرها، كونها تحمل “إيحاءات جنسية”، فأعتذرت له الصديقة المترجمة عن ذلك. الروائي أحمد خلف، أعتكف تماماً عن العالم، همه الوحيد يسابق الزمن لكي ينتج إبداع متميز، بعيداً عن كل الظروف الطارئة، ولكنه يعيش هماً إنسانياً وهو يرى البلد كيف يعيش المأساة.. وقد تمخض هذا الإعتكاف عن صدور عدد من الروايات الإنسانية التي لها هماً مشتركاً مع المجتمع.

الكاتب أحمد خلف، من مواليد محافظة الديوانية، عام 1943، وهو من أهم الأسماء البارزة المعاصرة في السرد العراقي منذ أول قصة نشرها في ملحق جريدة الجمهورية بعنوان “وثيقة الصمت” عام 1966.

جيل قصصي

إذ ينتمي إلى أصوات الجيل القصصي الستيني الذي أتسم بالتفرد الريادي والتأثر بما بعد الحداثة، عمل خلف في مجلة الأقلام عام 1985، وأصبح محررا ثقافياً بدرجة سكرتير تحرير. في عام 2010 ترأس تحرير مجلة الأديب العراقي الناطقة باسم الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. انتخب رئيسا لنادي القصة في “الإتحاد” وفي العام نفسه عقد ملتقى القصة القصيرة في العراق برئاسته. حضر خلف وساهم في ملتقى القاهرة الخامس للإبداع الروائي العربي 2010. تقاعد أحمد خلف سنة 2006، وتفرغ للكتابة.نشر قصته القصيرة “خوذة لرجل نصف ميت” سنة 1969، والتي وصفت بـ “نبوءة بولادة كاتب قصصي من طراز خاص على المستوى العربي” وأشاد بها كتّاب كبار مثل محمد دكروب وسامي خشبة وحسين مروة وغسان كنفاني.

إصدر مجموعته القصصية الأولى “شوارع مهجورة” عام 1974، ثم مجموعات قصصية أخرى مثل “منزل العرائس” عام 1987، رواية “الخراب الجميل” عام 1981، رواية “القادم البعيد” عام 1986، “الحد الفاصل”، “صراخ في علبة” عام 1990، “خريف البلدة” عام 1995، رواية “موت الأب” عام 2000 والتي قضى خمس سنوات في كتابتها، رواية “حامل الهوى”، “مطر في آخر الليل، ورواية “محنة فينوس”، “نزهة في شوارع مهجورة”، وهي أول إصدار ضمن إعادة نشر مجموعة الأعمال الكاملة للكاتب والتي تتضمن 10 أعمال متنوعة، وأتت المجموعة في 107 صفحة من القطع المتوسط، رواية “البهلوان”،  فضلاً عن كتاب بعنوان “دراسات في القصة”، وكتاب “تحولات أنكيدو” ضمن مشروع لأعماله الكاملة وجاء الكتاب في 168 صفحة من الحجم المتوسط، ويحتوي على عدد من المقالات والرؤى له.

 


مشاهدات 135
الكاتب علي إبراهـيم الدليمي
أضيف 2025/01/11 - 1:17 AM
آخر تحديث 2025/01/15 - 5:37 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 362 الشهر 6851 الكلي 10196816
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير