قيس الدباغ
بعد سلاسل الانتكاسات التي تعرضنا لها، في المحمرة والفاو وشرق البصرة تأكدت القيادة العسكرية حينها أن لابد من الاستعانة بالضباط المتمرسين وذوي الكفاءة، وتجميد مبدأ الاعتماد على المدنيين الذين يتمتعون بقدم الانتماء إلى حزب البعث وتم منحهم رتبا عسكرية عالية جدا، وغالبيتهم من خريجي الدورات العسكرية السريعة وجرى تقفيزهم بالرتب، معتمدين على مبدأ قربهم من محيط قرى العوجة والدور، وكل مؤهلاتهم الدراسية هي اما معلم ابتدائية دورات ريفية من خريجي المتوسطة، أو يقرأ ويكتب فقط، هنا أعتمد الضباط الأكفاء على قاعدة التدريب المكثف للوحدات القتالية من مستوى فصيل وسرية وفوج صعودا.
وعندما كنا في التدريب وصل لفوجنا الضابط الكفوء الذي تم تنزيله من رتبة امر لواء إلى امر فوج ظلما وعدوانا، وصل الينا ونحن في طابور العرض الصباحي، وجنود المشاة غاية في الاستهتار والمزاح بسبب أن الامر السابق لنا كان ضابط مجند، حتى أن الجنود يطلقون عليه تسمية الدكتور لبساطته ولين سلوكه، صاح الامر الجديد بصوت صاعق فوج قف إلى اليمين در استرح استعد، ثم استدار خلف الجنود وسحب جندي كان غاية في المزاح والعبث، وأخذ يضربه بشدة وعنف، حتى اسقطه أرضا، ثم عرج ووقف أمام الفوج بوقفة الإستعداد وبدأ مقالته أنا آمركم الجديد أنا فلان الفلاني، الجندي الملتزم أضعه على رأسي ويكون اخي وساعدي الأيمن، أما الجندي المراوغ فوالله الذي رفع السموات السبع ليس له عندي إلا ثلاث رصاصات في رأسه، أولادي وإخواني أنا لا اقول لكم قاتلوا عن وطنكم ولادينكم، أنا أقول دافعوا عن حياتكم، في المعركة إذا لم تقاتل ببسالة سوف تكون اما مقتولا أو أسيرا ذليلا، عليه قاتلوا دفاعا عن كرامتكم الشخصية أولا وأخيرا، وهنا بدأ التدريب الحقيقي والقاسي جدا، منذ الساعة الخامسة صباحا حتى العاشرة ومن الساعة الواحدة ظهرا حتى الخامسة مساءا، بكامل الأسلحة وعدة الحرب، تجمع و انفتاح و صولة ثم هجوم واحتلال مواضع العدو، وهي سواتر تم تنظيمها مشابهة لسواتر العدو، ويتم حساب الوقت بالوصول من المثابة إلى احتلال الهدف،
وفي كل مرة يجلس الامر على ركبتيه فوق ساتر العدو الافتراضي مهيلا التراب على راسه ويصيح ويعربد،:والله إذا كان هذا اداؤكم في المعركة فالفوج محكوم عليه بالفناء، كلما تأخرتم وتباطأتم في الأرض الحرام حصدتكم نيران المدفعية والهاونات حصدا،
ثم نعيد التمرين مرات ومرات ، ويحضر التمرين قادة الفرق، ومن ضمنهم قائد الفرقة الذي أنقذ امر فوجنا من الإعدام، وهكذا مرت التمارين يوميا في شهر آب اللهاب، بعدها منحنا الإجازة الدورية المعتادة، ثم تحركنا إلى موقع بحيرات الأسماك، كان التمرين أقسى بكثير من الهجوم الفعلي، حيث تم نقلنا إلى عمق الأرض الحرام بواسطة ناقلات الجند، مما حمى القوة المهاجمة من انفلاقات القصف المدفعي المعادي،
مهما يكن كان الامر قاسيا جدا مع الجنود، وقد حدث أن مر بأحد الليالي على موقع للسرية الثالثة وشاهد جنودا نياما بالواجب فقام بأسقاط أكياس التراب عليهم مع سيل من كلمات السباب والشتائم والركل والضرب المبرح، أسرها الجنود في انفسهم وبيتوا مؤامرة لاغتيال الآمر في اقرب فرصة، وعند شرح خطة الهجوم في المثابة قبل خط الشروع كلفت السرية الثالثة بواجب القوة الاحتياطية التي تتقدم إلى الأمام بعد احتلال بقية السرايا للهدف، مرورا بمقر الفوج وتقدمت السرية على شكل فصائل كرأس رمح وعند تاكدهم من وجود الآمر بأحد المواضع التي تم تحريرها، رميت عدة رمانات هجومية تباعا في داخل ذلك الموضع، ومعها عبارات الشماته والثأر، ( روح ألحك اللي ماتوا ) يابن الكذا ..للقصة بقية.