هاشتاك الناس
عقول علمية منزوعة الدسم
ياس خضير البياتي
قد قيل قديماً: إن العلماء هم ملح الأرض، وإن العلم غذاء الروح، وإن العلماء ورثة الأنبياء في العلم والعمل. هم مَن يصلحون ما أفسده الناس، وهم المصلحون الذين يقودون العباد والبلاد إلى بر الأمان والسلام. هذا ما تعلَّمناه في حياتنا منذ صغرنا، وعلّمتنا إياه معلمتنا في التربية الوطنية، والكتب السماوية. وقد قيل لنا: إن رجل العلم هو قدوتنا، وهو ظل نبي على الأرض؛ لأن علمه مستمد من علم الأنبياء. فلا تخافوا منه، فهو الوحيد الذي لا يُفسد، بل يحارب الفساد، فهو ملح الحياة.
اكتشفنا عندما كبرنا؛ أن الكثير منهم يعانون من أمراض الحياة، ويعانون من عقد نفسية واجتماعية، كما أن غددهم الدرقية متورمة بسبب النرجسية. قلوبهم مليئة بالأحقاد والنميمة، ويكنون كراهية للناس، وسلوكهم مشحون بالبغضاء. يتقنون حبك المؤامرات لإيقاع الآخرين في شباك الموت. إنهم فنانون في إخفاء النوايا أو التلاعب بالعواطف والأفكار.
لقد تعلَّمت من الحياة، ومن تجاربي مع هؤلاء المتملقين والانتهازيين حكمًا أؤمن بها، وهي أن الغش والنفاق يعدان وجهين لعملة واحدة؛ فكلاهما يمثل الجبن وفقدان الضمير والأخلاق.
يسألك الناس عن النخب العلمية والفكرية، فقل لهم: إنها تمثل أذى التملق والنفاق والحقد والانتهازية والخيانة، في بيئة يسودها الجهل وخبث أصحابه، حيث يطمعون بالمنصب والسلطة ويتسلطون على الآخرين، مستمتعين بمعاناتهم بأسلوب سادي يشبه سلوك المرضى النفسيين. إنها نتاج تضخم الذات بالنرجسية لتدمير الآخرين.
يظهر نفاق النخب بأشكال متعددة، قبيحة المنظر وكريهة الرائحة؛ حيث تتخفى وراء أقنعة متنوعة. أبرز هذه الأقنعة هو السعي للبقاء على قيد الحياة، حتى لو اقتضى الأمر التضحية بالآخرين ظلماً من خلال تسلُّق أشلائهم لتحقيق أهدافهم. هؤلاء الأشخاص مسلحون بسلاح النفاق والمداهنة والتملُّق. فلا انتماء حقيقي للمؤسسة التي يعملون بها، ولا احترام لعقولهم التي فقدت قيم العلم والأخلاق.
ما أخطر المنافق والكاذب والانتهازي والبراغماتي، عندما يتعلم معادلات العلم والفكر، ويمررها للناس ولطلبته. إن خطورته تفوق خطر بائع اللحم والخضروات والخبز في فسادهم وغشهم؛ لأنه لا يسير مع الحق والصدق؛ بل يقف مع الأقوى أو الأكثر ثراءً أو الأعلى جاهاً وسلطاناً -حتى لو كان ذلك بالباطل-؛ وذلك حفاظاً على نفسه، وتحقيقاً لمصالحه. إنه بارع في تمييز الأكتاف وأنواعها، يعرف الكتف التي تُؤكل، وتلك التي يتم التربيت عليها، والضعيفة التي يتسلَّقها ويصعد عليها!
لهم مكانة في كل مؤسسة علمية، وفي كل مجال يتركون بصمتهم، إنهم أصحاب الأقنعة وذو الوجوه المتعددة، الذين ينشرون سحرهم الفتَّان والفتاك، من خلال موهبتهم في التملق والتودُّد والإفراط في المديح والإطراء. فهؤلاء شخصيات ماكرة تحمل في حقيبتها وانتهازيتها قلبًا مليئًا بالنوايا الخبيثة، فهم يبدأون بأخذ كل شيء دون مقابل، بينما يسيرون في جنازة ضحاياهم، يبدون حزنًا أكثر من سواهم. كما يوجد كبار العلماء في الجامعات، هناك أيضًا صغار علم أتوا إلى الحياة الأكاديمية بالفساد المدمر والنفاق والانتهازية. لدينا لصوص يحملون درجات (دكتوراه) ولصوص (كتب وبحوث سكوبس)، بالإضافة إلى فضائح تزوير يتم السكوت عنها -إما عمدًا أو نتيجة غفلة-. وقد حصل الكثير منهم على مناصب رفيعة بالصدفة أو عبر العلاقات، ليتضح لاحقًا أنهم من فصيلة الجهلاء، وأن الزمن العاتي قد أوجَد منهم هذه الوجاهة العلمية المزيفة. وهناك انجذاب بين المنافقين لإسقاط من لا يعجبهم شخصيته العلمية، ولا يساير توجهاتهم المصلحية المريضة؛ فيثيرون زوابع الكذب والتلفيق عنه. فالمنافق والانتهازي، يحجب عينيه بنظارة سوداء قاتمة؛ لا يرى فيها سوى مصلحته الشخصية.إنه غارقٌ في الأثَرة والأنانية وحب الذات. الفتنة هي سلاحه، والإشاعة وسيلته، وإثارة النزاعات بين زملاء العمل هي رأس ماله. يتنقل مع التيار، وتظل الأنانية هدفه الأسمى. يسعى دائماً لتلميع صورته، متسلقاً ومتحولاً بوجوه عدة، وشعاره في الحياة هو: «أنا ومن بعدي الطوفان.»
شخصياً، خلال مسيرتي الجامعية، شهدت الكثير من أصحاب الفتنة والنفاق، وعانيت من تصرفاتهم، ووقعت في شباك نفاقهم ومؤامراتهم. لكنني خرجت سالماً من العديد من المواقف، بفضل المسؤول الذي كان نابغاً في فهم الآخرين، وعادلاً في اتخاذ القرارات، وضميره حي لا يقبل القسمة أو الطرح.
يحيرني بعض الأشخاص؛ إذ يعيشون في بيوت زجاجية، ومع ذلك يصرون على رمْي الناس بالحجارة. لديهم تاريخ مليء بالأكاذيب والتزوير والسرقات العلمية. إذا قرأت سيرتهم العلمية، ستجد فيها معلوماتٍ كاذبةً ومزورةً ومضلّلة، وستجد ادعاءات مشوبة بالتلفيق؛ فلم يصبح أحدهم عميدًا يومًا ما، ولم يكتب خبرًا صحفيًا في حياته، ولم يؤلف كتابًا علميًا ذا قيمة، وليس له شهرة على مستوى تخصصه أو مهنته.
ليس هو من فصيلة أسود العلم؛ لأن نصف رسالته للدكتوراه مسروقة، وأبحاثه ضعيفة؛ لأنها تستند إلى مصادر مأخوذة من أبحاث أخرى، ولا يوجد فيها نور العلم ولا أخلاقه. فكيف يمكن إصلاح الملح إذا فسد؟!
الشخص الذي نتحدث عنه، لايزال حاضراً في مؤسساتنا العلمية، مثل الحية، ملمسها ناعم وملء جوفها سم قاتل يغتر بها الجاهل ويحذر منها اللبيب العاقل. يقال عنه (دكتور) لكنه منزوع الدسم. إنه (بهلوان) يتقن فن النفاق والخديعة والتضليل، واللعب على الحبال. محتال بلا أخلاق!
yaaas@hotmail.com