الحشد الشعبي والبيشمركة.. ما الحل لخلق جيش وطني موحد ؟
رشيد العجيل
يشكل الحشد الشعبي والبيشمركة الكردية عنصرين رئيسيين في المشهد الأمني العراقي لكنهما يعكسان واقعا» من الانقسام والتعددية في النظام الأمني للدولة. ففي حين نشأ الحشد الشعبي كقوة تطوعية استجابةً لفتوى «الجهاد الكفائي» خلال اجتياح تنظيم «داعش» فإن قوات البيشمركة تمثل التشكيلات العسكرية لإقليم كردستان وتستند إلى خصوصية إقليمية ودستورية. ومع تصاعد الضغوط الدولية والمحلية لتحقيق اندماج مؤسسي وسيادي لهذه القوى ضمن جيش وطني موحد تواجه الحكومات العراقية المتعاقبة تحديات كبيرة تحتاج إلى معالجة دقيقة وشاملة حيث إن التغيير المطلوب أصبح لزاما» وليس خيارا».
الإشكاليات والتحديات
1. تعددية القوى المسلحة وتأثيرها على وحدة الدولة.
- الحشد الشعبي: يضم فصائل عقائدية وسياسية بعضها ذات ارتباطات إقليمية ودولية مما يجعله فاعلا» يتجاوز حدود الدولة.
- قوات البيشمركة: تتمتع بوضع خاص ضمن الدستور العراقي لكنها تعمل بشكل شبه مستقل عن الجيش الوطني وهذا يثير تساؤلات حول الولاء الوطني الموحد.
2. التداخل السياسي والإقليمي
- الدور الإيراني: تُتهم بعض فصائل الحشد بالولاء لإيران مما يُفاقم الضغوط الدولية خاصة من الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا.
- العلاقة مع التحالف الدولي: تعتمد البيشمركة بشكل كبير على الدعم الأمريكي والدولي مما يعقد الجهود لجعلها جزءا» من قوة وطنية عراقية خالصة.
3. غياب التنسيق المركزي
تعمل تشكيلات الحشد الشعبي والبيشمركة بآليات منفصلة عن الجيش الوطني مما يضعف جهود بناء مؤسسات أمنية متماسكة.
الحلول الممكنة لتحقيق جيش وطني موحد
- فتح حوار شامل مع قيادات الإطار التنسيقي وقيادات الأحزاب الكردية تحت شعار (أمن وسلامة العراق مسؤولية الجميع) بهدف إعادة هيكلة الحشد الشعبي والبيشمركة على أسس وقواعد رصينة تبدأ بالصراحة والثقة المتبادلة وبغيرها يبقى العراق ساحة للصراعات العسكرية والتدخلات الإقليمية.
- إعادة الدمج والهيكلة تحت قيادة موحدة: تشكيل هيئة عسكرية مركزية تشرف على هذه العمليات مع الحشد الشعبي في المرحلة الاولى والبيشمركة في مرحلة مستقبلية لاحقة بقيادة الجيش العراقي وبإشراف القائد العام للقوات المسلحة.
- إلغاء الاستقلالية العسكرية: إلغاء الهياكل المستقلة واستبدالها بهياكل مدمجة داخل الجيش الوطني العراقي مع ضمان احترام الخصوصيات الإقليمية والدستورية.
خطة وطنية شاملة بهدف دمج الحشد الشعبي
يمكن للسيد رئيس الوزراء بالتشاور مع الرئاسات الثلاث الإعلان الصريح والمباشر في وضع خطة شاملة لدمج أفراد الحشد الشعبي في مؤسسات الدولة التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية. هذه الخطة تتضمن:
1. إطار قانوني وتنظيمي واضح
- إصدار قرار حكومي ينهي الصفة القتالية للحشد الشعبي مع تحويله إلى هيئة مدنية تعمل تحت إشراف الدولة.
- تحديد جدول زمني قصير لتسليم السلاح الثقيل والمتوسط إلى الجيش.
2. إدماج الأفراد في القطاعات الحكومية
- القطاع العسكري: نقل العناصر المدربة إلى الجيش والشرطة بعد تأهيلهم للعمل ضمن هيكلية موحدة.
- القطاع المدني: توجيه الأفراد إلى العمل في الوزارات الخدمية مثل التعليم والصحة والنقل وفقا» لمؤهلاتهم.
- القطاع الصناعي: استثمار طاقات الأفراد في مشاريع إعمار المصانع والبنى التحتية مما يعزز الاقتصاد الوطني وفرص العمل.
3. التواصل مع القيادات السياسية والفصائل
التنسيق الفوري مع قادة الأحزاب والحشد لتجنب معارضة القرارات الحكومية لان الحوار المستمر يلغي المخاوف ويعزز التعاون.
4. الدعم المالي والاجتماعي
- توفير تعويضات مناسبة للأفراد الذين يستحقون ويتم دمجهم في المؤسسات المدنية.
- إنشاء برامج إعادة تأهيل نفسي ومهني لضمان انتقال سلس من العمل القتالي إلى المدني.
5. الإشراف الدولي والإقليمي
- دعوة الأمم المتحدة والجامعة العربية لتقديم الدعم والمساعدة في مراقبة تنفيذ الخطة.
- طلب تمويل دولي لدعم مشاريع الدمج خاصة من الدول التي لها مصالح مباشرة في استقرار العراق.
إن إنهاء الصفة القتالية للحشد الشعبي يمثل خطوة ضرورية لتعزيز الاستقرار الداخلي وإسقاط الذرائع الخارجية للتدخلات. هذه الخطوة تحقق الأهداف التالية:
1. تعزيز سيادة الدولة: إن دمج الحشد في المؤسسات الحكومية يجعل السلاح تحت سيطرة الدولة بالكامل ويقلل من احتمالية وجود مراكز قوى موازية.
2. إسقاط الحجج الدولية: من خلال تنظيم الحشد تفقد الولايات المتحدة وإسرائيل مبررات التدخل أو تنفيذ ضربات تستهدف البلد.
3. منع الفوضى الإقليمية: يساهم إنهاء الصفة القتالية في تفادي انزلاق العراق إلى صراعات داخلية مشابهة للوضع السوري حيث أدى تعدد القوى المسلحة إلى تفتيت الدولة.
4. التفاهم مع دول الجوار: بناء علاقات متوازنة مع المحيط العربي وإيران وتركيا لتحقيق دعم إقليمي لخطط توحيد الجيش الوطني.
الخاتمة
مع تصاعد الضغوط الدولية والتهديدات الإسرائيلية فإن إنهاء الصفة القتالية للحشد الشعبي ودمج أفراده في مؤسسات الدولة ليس خيارا» سياسيا» بل هو ضرورة وطنية تحمي العراق من التدخلات الخارجية وتجنب مخططات الفوضى والتقسيم. هذه الخطوة تحتاج إلى إرادة وطنية وتعاون كل القيادات السياسية في البلاد مع خطة محكمة لتشمل القوات العسكرية في إقليم كردستان (البيشمركة) كمرحلة ثانية ليكون في العراق مستقبلا» جيش وطني واحد يضمن حقوق جميع العراقيين من شماله الى جنوبه ويحافظ على سلامة البلاد وسيادتها.