السوداني بين الحنكة السياسية واتهامات الخيانة الوطنية
رشيد العجيل
منذ توليه رئاسة الوزراء، أثار السيد محمد شياع السوداني جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية العراقية لا سيما في ظلّ القضايا الشائكة التي تناولها بمواقف أثارت ريبة البعض وإعجاب البعض الآخر. فهل يتحرك السوداني في إطار الفطنة السياسية الهادفة إلى إعادة بناء الدولة العراقية، أم أن قراراته تتجاوز ذلك إلى ما يمكن وصفه بالخروج عن المبادئ الوطنية؟ يصبح هذا السؤال أكثر إلحاحاً عند النظر في ثلاث قضايا محورية:
١)لقاءه في قطر مع أحمد الشرع.
٢) موقفه من ميناء أم قصر وخور عبد الله.
٣)محاولاته السياسية لتأسيس حزب خارج إلاطار التنسيقي.
1. لقاء أحمد الشرع: تجاوز للقانون أم محاولة للمصالحة الإقليمية ؟
أثار لقاء السوداني في قطر مع أحمد الشرع - الذي سبق اتهامه بالإرهاب ومطلوب للقضاء العراقي - صدمة لدى الكثير من المراقبين، لا سيما وأن القضاء لم يصدر حكماً رسمياً بتبرئته بعد. فهل كان اللقاء اعتداءً على مؤسسات الدولة، أم مبادرة للمصالحة الإقليمية واحتواء الحركات السياسية ؟
يرى بعض المراقبين أن اللقاء محاولة ذكية لإعادة بناء الجسور ضمن استراتيجية وطنية. إلا أن آخرين اعتبروه استسلاماً للضغوط الدولية وتطبيعاً للعلاقات مع شخصيات مثيرة للجدل وإضعافاً لهيبة الدولة وتهميشاً للقضاء.
2. خور عبد الله وميناء أم قصر: تنازل دبلوماسي أم تضحية بالسيادة؟
في قضية أم قصر وميناء خور عبد الله، واجه السوداني اتهامات مباشرة بتضييع الحقوق البحرية للعراق لصالح الكويت إثر مواقفه التي وُصفت بالمرونة المفرطة. ورغم تأكيده على أهمية علاقات الجوار وعدم التصعيد، أثار الموقف الرسمي غضباً واسعاً في الشارع العراقي الذي يعتبر المياه الإقليمية جزءاً لا يتجزأ من الاستقلال الوطني.
هل كان السوداني يراهن على تجنب صدام سياسي إقليمي؟ أم أنه يُمهد الطريق لصفقات دولية تتعارض مع المصالح العراقية؟ بين الرؤية الدبلوماسية والتنازلات الوطنية تبقى هذه القضية قابلة للتأويلات المختلفة.
3. تشكيل خارج الإطار التنسيقي : استقلال سياسي أم انقلاب على التحالفات؟
إن محاولة السوداني تأسيس حزب مستقل لخوض الانتخابات، منفصلاً عن الإطار التنسيقي الذي أوصله إلى السلطة، تفتح باباً جديداً للجدل. يرى البعض في ذلك خطوة لإظهار الاستقلالية والانفصال عن هيمنة الكتل والأحزاب. في المقابل يرى معارضوه في هذه الخطوة خيانة سياسية لحلفائه وانقلاباً ناعماً على التوافق الذي أفرز الحكومة الحالية.
في ظل التوازنات الدقيقة في المشهد العراقي قد تكون هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر إذ تُضعف الدعم البرلماني للسوداني وتمنح خصومه في الإطار التنسيقي ذريعةً للتشكيك في نواياه.
خاتمة
يبدو أن محمد شياع السوداني يختار التحرك على الحبل المشدود بين الواقعية السياسية و"الخيارات الغامضة". لا شك أنه يمتلك بعض الأدوات الذكية لكن هذا لا يعفيه من مسؤولية توضيح مواقفه للرأي العام وخاصةً في القضايا التي تمس الحكم والسيادة.
في بلدٍ كالعراق، حيث تُكتب السياسة أحياناً بالدم لا يُمكن اعتبار كل خطوة "مناورةً ذكية". قد تُفهم بعض الخطوات على أنها خيانة في نظر المواطنين إذا لم تكن مرتبطة برؤية وطنية واضحة لا تقتصر على مصالح فئوية أو آنية.