الشهيد الصدر.. ثورة إصلاح في زمن القمع
صباح زنكنة
تميّز السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر بكونه مرجعًا دينيًا مجددًا تمكن من قيادة حركة وعي شاملة داخل المجتمع العراقي في أحلك ظروف القمع السياسي والاجتماعي.
اذ لم يقتصر دوره على التنظير الفقهي الجامد ، بل امتد إلى بناء مشروع نهضوي يربط الدين بالواقع ويُفعّل المرجعية لتكون صوتًا للمستضعفين.
كان أبرز إنجازاته إحياء صلاة الجمعة في عموم العراق متحديًا الحظر الأمني وجاعلًا منها منبرًا لتوجيه الأمة وتعبئتها، حيث أصبحت ساحة تعبير عن الرفض للظلم والطغيان.
ومن صميم هذا التوجه قدّم السيد الصدر نظرية «ولاية الأمة على نفسها»، التي رفض فيها التفرد الديني والسياسي على حد سواء، مؤمنًا بأن للأمة حق المشاركة في القرار الديني والسياسي، ضمن إشراف المرجعية لا تسلّطها المطلق.
طرح السيد الصدر الفقه الحركي الواقعي، فربط الأحكام الشرعية بظروف المجتمع وتحدياته، مخالفًا بذلك الجمود الفقهي السائد.
كما عمل على بناء شبكة من الوكلاء والخطباء لإيصال خطابه الثوري إلى أوسع قاعدة شعبية، فكان للفقير والمهمّش نصيب من فكره ورعايته، ولم تعد المرجعية حكرًا على الخاصة من الناس.
عُرف بخطابه الشعبي البسيط والمباشر، حيث خاطب الناس بلغتهم وهمومهم، ورفض العزلة المرجعية.. داعيًا العلماء للخروج إلى الميدان برباطة جأش
واجه نظام صدام حسين بجرأة نادرة، من خلال خطب الجمعة ومواقفه المعلنة، مما جعله رمزًا للمواجهة السلمية الواعية.
قنوات مالية
وفي سياق مقاومته للنظام البعثي، أصدر السيد الصدر فتاوى تحرم دعم النظام بشكل غير مباشر، حيث حرّم إلقاء الأموال في الأضرحة باعتبارها تدخل في قنوات مالية تستغلها الدولة في إيذاء الشعب ومحاربة الموالين لأهل البيت عليهم السلام، كذلك حرّم دخول الملاعب الرياضية، لأن الإيرادات المتحصلة منها كانت تُوظف في دعم السلطة وأجهزتها القمعية مشددًا على أن أي نشاط يؤدي إلى تقوية الظالم يدخل ضمن باب الإعانة على الإثم والعدوان.
أعاد السيد الصدر تعريف الانتظار للإمام المهدي بأنه انتظار حركي مقاوم لا ركود فيه ولا خنوع، وربط الإيمان بالمسؤولية والسلوك الديني بالموقف السياسي، كما قدّم مشروعًا لإصلاح الحوزة العلمية يدعو إلى تجديد المناهج، والانفتاح على الجماهير والانخراط في هموم الناس لا الانفصال عنهم.
لقد ترك السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر إرثًا علميًا وحركيًا كبيرًا، وجعل من المرجعية الدينية قوة ناهضة تواجه الظلم، وتزرع الأمل في الأمة بعد ان خيم عليهم اليأس لقرون قبل انطلاق ثورته الاصلاحية.