مأزق النخبة الصامتة : قراءة في خيانة الدور الثقافي ومسؤولية التنوير
الدكتور عبدالكريم الحلو
مقدمة :
* في مشهد ثقافي مأزوم، تتناسل التفاهة وتعلو الأصوات النشاز، ليس لأن لها من القيمة ما يبرّر صعودها،
* بل لأن من كان يجب أن يكون في مقدمة الصفوف – من نطلق عليهم “النخبة” – قد آثر الصمت أو انسحب من معترك الفعل.
* إن الإشكال الحقيقي لا يكمن في وجود التافهين، فهؤلاء ظواهر تاريخية عرفتها جميع الحضارات،
* بل تكمن الأزمة العميقة في خيانة النخبة لدورها البنيوي كضمير مجتمعي، وموجه معرفي، وفاعل تنويري.
في هذه المقالة :
التي تأتي قبيل ساعات من من انتخابات المجلس المركزي لاتحاد الادباء والكتاب العراقيين ،
* سوف أسعى جاهداً إلى تحليل :
* أبعاد هذا الصمت،
* ومساءلة دوافعه،
* والكشف عن نتائجه،
* ضمن أفق أكاديمي يرتكز إلى مقولات الفلسفة النقدية ونظرية الفاعلية الثقافية.
⸻
أولًا: من هم “التافهون”؟
قراءة في المفهوم والسياق
* لا يقصد بالتفاهة هنا مجرد ضحالة فكرية أو فقر في المحتوى،
* بل نمط من الوجود الاجتماعي والثقافي القائم على تسليع الخطاب، واحتكار المساحة العامة عبر آليات الإثارة، وتضخيم الأنا، وتسطيح الوعي.
* وقد أشار “ألان دونو” في كتابه الشهير نظام التفاهة إلى :
* أن التفاهة المعاصرة لا تقوم فقط على جهل الأفراد، بل على نظام متكامل يُقصي الكفاءة والمعنى لصالح الواسطة والسطحية.
⸻
ثانيًا: النخبة الصامتة :
من الفاعلية إلى الهامش
* النخبة، بوصفها طبقة مثقفة، تضم فلاسفة ومفكرين وأدباء وفنانين ومهنيين،
* لا تُقاس أهميتها بوجودها في المناصب أو ظهورها الإعلامي،
* بل بقدرتها على إنتاج الوعي وتوجيه البوصلة العامة.
* لكننا اليوم نواجه انكفاءً خطيرًا لهذه النخبة، يظهر في شكل صمت اختياري أو انسحاب قيمي من الفعل العمومي،
* وكأنها فقدت الإيمان بجدوى التدخل أو خشيت الدخول في معارك مع “الجمهور المبتذل”.
⸻
ثالثًا: أسباب الصمت :
من الخوف إلى الاغتراب
* يمكن تفكيك دوافع صمت النخبة إلى:
---------------------------------
( ١ ) الخوف من الإلغاء أو الوصم:
في بيئة شعبوية، كل صوت نقدي قد يُرمى بالتحامل أو النخبوية البغيضة.
( ٢ ) الاغتراب النفسي والمعرفي:
يشعر كثير من المثقفين بأنهم باتوا غرباء في أوطانهم الثقافية، وأن خطابهم لا يُفهم أو يُستهزأ به.
( ٣ ) فقدان الأمل في التغيير:
الصراعات المتكررة، والخذلان المؤسسي، جعلت بعض النخب تعتبر أن الانسحاب أفضل من “العبث”.
⸻
رابعًا: تبعات الصمت :
عندما تفرغ الساحة
* في غياب النخبة، تنفرد التفاهة بالمشهد. يغيب النقد، وتُصادر الجماليات العميقة، وتُعاد هندسة الوعي الجمعي وفق أنماط استهلاكية وسطحية.
* وهذا لا يؤدي فقط إلى انحطاط الذوق، بل إلى انهيار قدرة المجتمع على التمييز، والتقييم، والاختيار.
* لقد قال إدوارد سعيد ذات مرة :
* إن المثقف الذي يصمت في لحظة الانهيار الأخلاقي هو خائن لرسالته.
⸻
خامسًا: نحو استعادة الدور :
مقترحات نظرية وعملية
* لكسر هذه الحلقة، لا بد من:
-------------------------
( ١ ) تفكيك خطاب التفاهة إعلاميًا وأكاديميًا.
( ٢ ) إعادة بناء الثقة بين النخبة والجمهور عبر وسائط جديدة ومنصات بديلة.
( ٣ ) إحياء مفاهيم الالتزام الثقافي كما ظهرت عند سارتر وغرامشي.
( ٤ ) تشجيع المثقفين على الفعل البيني والتشاركي بدل الانعزال في الأبراج العاجية.
⸻
خاتمة
* إن صمت النخبة في عصر التفاهة ليس مجرّد موقف سلبي،
* بل خيانة لمبدأ المثقف كضمير للإنسانية.
* فالتاريخ لم يُكتب يومًا بصوت الأغلبية، بل بصوت الأقلية المستنيرة التي رفضت الصمت.
* وعليه، فإن المعركة الحقيقية ليست ضد التافهين،
* بل ضد صمت العقلاء.
مع خالص التقدير،