الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
يوم المتقاعد

بواسطة azzaman

يوم المتقاعد

سعد حسون نهاي

 

شيء جميل أن يحتفي الموظفون بزملائهم الآخرين ويتواصلوا معهم وهم ما زالوا  في سلك الوظيفة سواء أكانوا أعلى منهم أو أدنى في الدرجة الوظيفية والمرتبة، وهذا الاحتفاء على الرغم مما فيه من جمال وإنصاف فإنه معرض للجرح والقدح، ومتهم بتهمة ابتغاء المصلحة، ولكن الأجمل والأبهى والأنقى والأوفى والمنزه عن القدح والجرح هو أن يكون الاحتفاء بالموظفين والتواصل معهم بعد إحالتهم إلى التقاعد، فهنا تنكشف أصالة المعادن وتسقط تهمة المصالح معلنةً براءة من اُتهم بها، وهنا يتجسد الوفاء بأجمل صوره في زمن صارت القاعدة فيه هي الجفاء والاستثناء هو الوفاء، إذا إن أغلب المتقاعدين يمرون بمرحلة عمرية تكون الحاجة فيها للاهتمام والرعاية ماسة وضرورية، فالإنسان بشكل عام والمتقاعدِ بشكل خاص حينما يكبر يصبح مرهف المشاعر، شديد الإحساس، ويشعر بفرحة غامرة بأي اهتمام أو رعاية، لذا أرى من الواجب اسعاد قلوبهم التي صدَّعتها مشاكل الأيام، فهذا جزء بسيط من رد الجميل لقاء جهودهم التي بذلوها والخدمات التي قدموها وافنوا عافيتهم بها.

عقد محكمة

 ولهذا هنيئاً لمن أدخل السرور على قلوب المتقاعدين، وترك بصمة طيبة في نفوسهم قبل أن يغادروا هذه الحياة، وتعساً ثم تعساً لمن ترك في قلوبهم ندبة وغصة ومرارة، ستشكل دليلاً قاطعاً يقدَّم إلى إله الإنصاف الذي يمقت الإجحاف يوم تنعقد محكمة السماء لإحقاق الحقوق، ويجب عليه أن لا ينسى هذا اليوم الذي سيقف فيه أمام  قاضي السماء، تجسيداً لقول الشاعر:

لا تنسى محكمة السماء وعدلها .....  يوماً لإحقاق الحقوق ستُنصبُ

من هنا أدعو مؤسسات الدولة كافة إلى الاحتفاء بأي موظف يحال إلى التقاعد، الاحتفاء الذي يليق بجهوده التي بذلها طوال مسيرته الوظيفية وفي الوقت المناسب لهذا الاحتفاء، واقترح تخصيص يوم معين في شهر كانون الثاني من كل سنة يتم تسميته بـــ (يوم المتقاعد)، يتم الاحتفاء فيه بجميع موظفي الدائرة الذي أحيلوا إلى التقاعد خلال السنة السابقة، وتكريمهم التكريم المادي أو المعنوي الذي يليق بهم، وفي نهاية الحفل يُعمل لهم ممر شرفي من الحاضرين كافة.

ويسمح لهم بمغادرة القاعة من خلال هذا الممر وسط التصفيق الحار من الجميع، رداً لشيء يسير من الجميل الوفير الذين قدموه خلال مسيرتهم الوظيفية.

وسبب اختياري لشهر كانون الثاني من السنة التالية للسنة التي أحيلوا فيها إلى التقاعد مباشرةً، هو إنه في الغالب يملك المتقاعدون القدرة على حضور حفل الاحتفاء بهم في هذه السنة، وبإمكانهم تذوق طعم حلاوة الاحتفاء، واستشعار الفرح، لأن الحفل يكون في حينها قد تم في وقته المناسب، وليس بعد فوات الأوان، وهنا استذكر دعوة التكريم التي وجِهت من أحد النوادي الأدبية أو الثقافية إلى العالم الإجتماعي العراقي المعروف الدكتور علي الوردي بعد أن تجاوز الثمانين من عمره، فاعتذر عن الحضور ببيت شعري للشاعر أبي فراس الحمداني قائلاً:

أتت وحياض الموت بيني وبينها .... وجاءت بوصلٍ حيثُ لا ينفع الوَصلُ!

وفي السياق نفسه أدعو كل موظفي الدولة أن لا ينقطعوا عن التواصل مع من سبقهم إلى التقاعد، وأن يحافظوا على شعلة الصداقة متقدة، وكلما هبَّت رياح النسيان والإنشغال بظروف الحياة عليها لتطفئها أشعلوها بقبس التواصل، وأقول لهم جميعاً، اعتبروا ممن سبقكم، وقدِّموا لهؤلاء المتقاعدين، ما تَودون أن يقدَّم لكم بعد إحالتكم إلى التقاعد الذي هو يوم آت لا محالة، وأجعلوا نصب أعينكم قول الشاعر:

كما يدين الفتى يوماً يُدان بهِ ..... من يزرع الثوم لا يقلعهُ ريحانا.

وبالمعنى المخالف أقول:

كما يدين الفتى يوماً يدان بهِ ..... من يزرع الورد يقطف منهُ ألوانا

فأزرعوا ورود المحبة والاهتمام في قلوب هذه الشريحة الموقرة، حتى يغادروا الحياة وهم يحملون لكم ذكرى طيبة في قلوبهم، سيذكرونها بلا شك عند من لا يضيع عنده أجر من عمل مثقال ذرة، وإن غيَّبتهم عنكم الأيام، وتجهلون مصيرهم، وانقطعت سبل التواصل معهم، فلا تنسوهم من صادق دعائكم، فالدعاء لمن زاملتم بظهر الغيب من أجمل صور النقاء والوفاء.

وفي الختام أدعو الله من صميم القلب أن يرحم المتوفين منهم، ويسكنهم جنَّات النَّعيم مع الأبرار والشهداء والصالحين، ويطيل أعمار الباقين بحق محمد وآلهِ الطيبين الطاهرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 


مشاهدات 52
الكاتب سعد حسون نهاي
أضيف 2025/06/28 - 2:54 PM
آخر تحديث 2025/06/29 - 2:37 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 73 الشهر 17748 الكلي 11152402
الوقت الآن
الأحد 2025/6/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير