الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المنافسة الشريفة في الجوائز الثقافية, حقيقة أم مجاملات؟

بواسطة azzaman

المنافسة الشريفة في الجوائز الثقافية, حقيقة أم مجاملات؟

سعد محمد الكعبي

 

في عالم تتراقص فيه كلمات الشفافية والاستحقاق على ألسنة القائمين على الجوائز الثقافية، يظل سؤال جوهري يتردد في أروقة المشهد الإبداعي, هل الفوز بتلك الجوائز هو تتويج حقيقي للموهبة والإبداع، أم أنه مجرد انعكاس لشبكة معقدة من العلاقات والمجاملات الخفية؟ هذا التساؤل ليس محض فضول، بل هو مرآة تعكس واقعًا غالبًا ما يشعر فيه المبدعون بأن هناك فجوة عميقة بين الشعار البراق للمنافسة الشريفة، والحقيقة الرمادية التي تسيطر فيها العلاقات على الجودة, تُثير قضية ,المنافسة الشريفة, في الجوائز الثقافية نقاشًا دائمًا ومهمًا، يتأرجح بين الأمل في الشفافية والعدالة، والشك في سيطرة العلاقات والمجاملات.

الفجوة بين الشعار والواقع,منظمات الجوائز الثقافية الحكومية ومنظمات المجتمع المدني  ترفع بلا شك شعار المنافسة الشريفة والتقييم الموضوعي, هذا الشعار هو الأساس النظري لأي جائزة تسعى للمصداقية والاحتفاء بالإبداع الحقيقي, الهدف المعلن هو تحفيز الإبداع، اكتشاف المواهب، وتكريم الأعمال المتميزة بمعزل عن أي تأثيرات خارجية.

لكن الواقع غالبًا ما يكون أكثر تعقيدًا. في الأوساط الثقافية، كما في غيرها، تلعب العلاقات الشخصية، الشبكات الاجتماعية، المصالح المشتركة، وحتى الولاءات الخفية دورًا لا يمكن إنكاره. هذا لا يعني بالضرورة وجود فساد مباشر في كل الحالات، بل قد يتخذ الأمر أشكالًا أكثر دقة.

الانحياز غير الواعي, لجان التحكيم، مهما كانت نيتها حسنة، تتكون من بشر يحملون خلفياتهم الفكرية، ذوقهم الشخصي، وعلاقاتهم داخل المشهد الثقافي, قد يفضلون بشكل غير واعٍ أعمالًا لكتاب يعرفونهم، أو يتبنون نفس توجهاتهم الفكرية، أو حتى يرون أن دعمهم لمبدع معين يخدم ,صالح, مشهد ثقافي معين يرغبون في رؤيته يتطور.

الضغط الاجتماعي والمهني, في مجتمعات ثقافية صغيرة نسبيًا، قد يكون هناك ضغط غير مباشر من الأقران أو من شخصيات مؤثرة لتفضيل عمل على آخر, المجاملات هنا لا تكون بالضرورة رشوة، بل جزءًا من نسق اجتماعي ومهني يعتمد على تبادل الدعم.

غياب معايير التقييم الواضحة والشفافة, في بعض الأحيان، تكون معايير التقييم غامضة، أو لا تُعلن بوضوح، مما يترك مجالًا واسعًا للتأويل الشخصي ويسهل تمرير القرارات المبنية على العلاقات لا على الجودة المطلقة.

التسويق الذاتي والظهور, غالبًا ما يفوز بالجائزة ليس بالضرورة العمل الأفضل فنيًا، بل العمل الذي يحظى بتسويق ذاتي جيد، أو صاحبه لديه شبكة علاقات قوية تضمن وصوله إلى لجان التحكيم أو تضمن الحديث عنه في الأوساط المؤثرة.

لماذا تستمر الجوائز رغم هذه الشكوك؟

رغم هذه الملاحظات، تستمر الجوائز الثقافية في الظهور والاستمرار. لماذا؟ بريق الأمل تظل الجوائز تمثل بصيص أمل للمبدعين الشباب أو غير المعروفين في الحصول على اعتراف يمكن أن يفتح لهم الأبواب.

الدعم المادي, كثير من الجوائز تقدم دعمًا ماديًا مهمًا في مجال غالبًا ما تكون عوائده قليلة,الاحتفاء بالثقافة, في جوهرها، تهدف الجوائز إلى الاحتفاء بالإنجاز الثقافي ودعم المشهد الإبداعي بشكل عام، حتى لو شابها بعض النواقص,كذلك الشرعية والوجاهة, تمنح الجوائز شرعية ووجاهة للمؤسسات المانحة وللفائزين بها، مما يدعم مكانتهم الثقافية.

إن الشكوك حول المجاملات والعلاقات في الجوائز الثقافية ليست مجرد ظنون، بل هي ملاحظات تستند إلى تجارب واقعية وشواهد متكررة. بينما يبقى شعار ,المنافسة الشريفة, هو المثل الأعلى، فإن تحقيقه يتطلب جهدًا مستمرًا في تعزيز الشفافية المطلقة، وضع معايير تقييم صارمة وموضوعية، وتشكيل لجان تحكيم متنوعة ومستقلة تمامًا عن أي تأثيرات خارج تقييم العمل نفسه,إلى أن يحدث ذلك بشكل كامل، سيبقى هذا التوتر قائمًا بين الطموح المعلن والواقع المعاش، وسيبقى الشك في أن الجوائز غالبًا ما تكون تتويجًا لشبكة علاقات بقدر ما هي تكريم للإبداع.

 


مشاهدات 128
الكاتب سعد محمد الكعبي
أضيف 2025/06/28 - 3:24 PM
آخر تحديث 2025/06/29 - 4:14 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 107 الشهر 17782 الكلي 11152436
الوقت الآن
الأحد 2025/6/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير