همساتٌ إلى صاحب الهمسات
علي عبد الرحمن الحيدري
في مجلسٍ جمعني مع نُخبةٍ مِنْ رجال الفكر والأدب والثقافة في المملكة العربيّة السعوديَّة في هذا العام 1446 هـ انجرَ الحديثُ عن الأستاذ الكبير السيد حسين السيد محمد هادي الصدر وعن كتبهِ التي كنتُ قد كتبتُ عنها مقالةً سابقة تداولتها الصحف وعقبت عليها أسلاتُ الأقلام.
سألني الأستاذ الفاضل أحمد بن محمد الضبيب مدير جامعة الملك السعود عن الرجل وعن ثقافته، فأجبتهُ مستشهداً ببيت المتنبي:
وسمعتُ بطليموس دارس كتبه
متملـكـا متبديـا متحـضرا
وقصصتُ عليه طرفاً من قصتي التي أقصها عليكم فأعيروني سمعكم: كنتُ واحداً من المتابعين الشغوفين لعموده الصحفي اليومي في صحيفة الزمان العريقة، وكثيراً ما احتفظتُ بقصاصات لبعض مقالاته لفرط إعجابي بها وبما كانت تحتوي من عمق الفكر، ووضوح الرؤية، وسلاسة الأسلوب، ودقة المعنى، وظرافة الموضوع.
ومرت على حالتي هذه سنوات وسنوات، إلى أن توصلتُ على مجموعةٍ طيبة من كتبه التي يجمع فيها مقالاته بشكلٍ منتظم ودوري.. وطالعتُ منها ما شاء الله لي أن أُطالعه، وخرجتُ بفوائد كثيرة وعوائد غزيرة.
صفات رسمية
حسين السيد محمد هادي الصدر (كما يكتب هو اسمه هكذا مجرداً من الألقاب والصفات الرسميَّة، التي تتصاغر أمام من هم بمكانته العلميّة والثقافيّة) يمثل المثقف الذي امتهن الصحافة، بطريقة مميزة ومتميزة، وهو في عمله لا يفرط في مبادئه الدينية، ولا يجامل على حساب ما يراه ويعتقده. وهو رجل عابر للمذاهب والعصبيات، مؤنس، محب، أصيل، عربي، ظريف، موسوعي، رجلُ حوار وثقافة وشعر وســــياسة والأهم من كل ذلك صاحب مبدأ وقِيم أخلاقيّة عاليّة.
وهو يكـــــــــتب بأسلوبٍ سلس ممتع خالٍ من تعقيدات أدعياء النــــــقد الأدبي، ومثقفـــــــي المصطــــــــــــلحات الجافة، والعبارات اليابسة، والحوشي والغريب من الكلام والمفردات. وبين يدي كتاب جديد له حمل عنوان: (همسات) يقع في 166 صفحة من القطع الوزيري، وهو الجزء العاشر بعد المئة من موسوعته الرائدة: (موسوعة العراق الجديد)، وهو عبارةٌ عن مقالاتٍ نُشر أغلبها في صحيفة الزمان الغراء المذكورة، تناولت مواضيع أخلاقيّة وإجتماعيّة وثقافيّة وأدبيّة عامة.
ومن المقالات التي لها طعمها الخاص مقالة حملت عنوان: (من هو الظريف)، والظرف صفة أخلاقيَّة عُرف بها الأدباء والشعراء، وفي التراث كُتبٌ حملت عناوين: (الظرائف الأدبيّة).. وقد أخبرني الأستاذ الأديب حمد بن ناصر الدخيل أنه بصدد جمع الظرائف الأدبيّة في موسوعة العراق الجديد، وقد قال المؤلف في هذه المقالة:
(يسمى الرجل المتمتع بالذوق الأدبي الرفيع والذي يميل إلى الدعابة والمزاح ضمن الأجواء الموّارة بعطر الآداب والأخلاق بالرجل الظريف...
والظرفاء يستخدمون ظرفهم في المواقف الحاسمة فحين قال أحدهم لفتاة أراد أن يتزوجها: لا عيب في سوى أني سيء الخُلق.
سوء الخلق
اجابته فوراً: أسوأ خُلقاً منك من يحوجك إلى سوء الخُلق، وكان ظرفها سبباً لاقترانها بمن خطبها) وفي هذا الجزء الذي سماه مؤلفهُ همسات كثيرٌ من الهمسات الجديرة بالتأمل.
وختم هذا الجزء مقالة مهمة كتبها الأستاذ ناجي الغزي عن السيرة الذاتيّة والعلميّة للمؤلف العلّامة الصدر، وهي مقالة جيدة، فيها توثيق لعناية المؤلف بالأدب والشعر، والحديث عن مسيرته السياسيّة، وببلوغرافيا لبعض مؤلفاته، وبعض الملتقطات من شعره.
ورغم أهمية هذه المقالة وجهد مؤلفها المشكور، إلا أن حياة الصدر جديرةٌ بأن تصدر عنها الكثير من الدراسات الجادة وأن تتصدر المشهد الثقافي، و(لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)