إنهم يهشّمون أجنحة العلماء
ثامر مراد
كانت الأجنحة يومًا ما تحلّق في سماء المعرفة، تطوف في عوالم النور، تضيء الطرقات المظلمة بنور اليقين. لكنها اليوم مكبّلة، ثقيلة بأغلال الظلم والسكاكين. كانت تلك الأجنحة عقول العلماء، كنز الأمة الغالي، الثروة التي لا تقدر بثمن، لكنها أصبحت هدفًا للغدر، غنيمةً للخيانة. كيف تساقطت تلك النجوم المضيئة؟ كيف انطفأت أنوارها تحت سماء وطنٍ كان يومًا ملاذًا أمينًا؟ جاء الغزو، لم يحمل فقط السلاح، بل جاء بسيوف الجهل، بسياط الطغيان، ليحرق البنيان ويشتت العقول، ويغرق البلاد في بحرٍ عميق من الأحزان. أيها الأطباء الذين ضمّدوا جراح الجسد والروح، أيها المهندسون الذين شيّدوا صروح الحياة، كنتم شعاع الأمل، كنتم الأيدي التي تبني، لكنهم اختاروا قتلكم، بأيدي الخيانة والجحود. واليوم، تبكي سوريا علماءها كما بكى العراق علماؤه بالأمس، تتعالى أصوات الحزن والأسى التي كانت يومًا ما صامتة، أو ربما مشارِكة. يا للرياء الذي يلبس مواقفهم! كيف ينتقون الحزن متى شاءوا؟ وكيف يتغاضون عن ألمٍ كان حاضرًا كأنهم لم يروه قط؟
جرح العلماء ليس جرحًا فرديًا، إنه نزيف وطنٍ بأكمله، نزيف أمةٍ فقدت أحلامها مع كل عالم يُقتل، مع كل عقلٍ يهاجر أو يُدفن. ورغم هذا الظلام المخيّم، رغم العيون التي أغلقت نفسها عن المأساة، يظل الأمل قويًا، يقف ثابتًا مثل الجبال أمام الرياح العاتية. لا بد أن نوثّق تلك الجرائم، نحفظ أسماء من رحلوا، نطالب بالعدالة، ونقف أمام التاريخ شامخين، بلا خجلٍ ولا انحناء. يا وطن العقول الجريح، مهما حاولوا كسر أجنحتك، ستعود لتحلّق يومًا. بأسماء من ارتقوا وأرواح من بقوا، ستصنع مستقبلًا لا يُقتل فيه الحلم، ولا تُكسر فيه الأجنحة.