معادلات الصراع في المنطقة وفي العالم ، تنسحب تدريجياً أو بالمباشر الى خارطة الدولة السورية ، ليس لأن المشتركين في هذه المعادلات لا يرغبون بحكم الرئيس بشار الأسد ، ولكن بسبب الخارطة السورية وتأثيراتها الجيوسياسية في المنطقة والشرق الأوسط والعالم ، ونتيجة لكون سوريا حضوراً ونظاماً ضامنة للأمن القومي العربي ، فثلم هذا السياج لا سمح الله فأن مختلف اسيجة وجسور النظام القومي العربي سيصاب بالصدع أو التفكك . من هنا كان مشروع الشرق الأوسط الذي طرحته الإدارة الامريكية في منتصف التسعينات وإسرائيل في بدايات ونهائيات 2024كان لابد أن يمر بسوريا لكي ينجح ، لذلك كانت الحرب الكونية الارهابية العشرية، لكنها سقطت بفعل بسالة وصمود سوريا اولاً ونتيجة مشاركة كل المؤمنين بحتمية بقاء سوريا كدولة وحضور وطني وقومي ودولي .
الان لماذا تُستهدف سوريا بمجاميع وحشود المسلحين من الإرهاب الداخلي والعابر للحدود والبحار ، من اللافت للمتابعين بأن حلب كانت هي الهدف لما تعنبه كموقع جغرافي ومساحة وصناعة وتجمع بشري ، وجاء هذا الاجتياح لهذه المدينة بمشاركة دول ورضى دول أخرى وسكوت اخرين ، وإلا لو كان الأمر غير ذلك لماذا تمرر القوات الامريكية هذه المجاميع وهي المحتلة لبعض الأراضي السورية ، ولماذا تغض الطرف تركيا وهي التي تحتل أراض سورية رغم ما يحكى عن محاولات السلام بين الدولتين التركية والسورية ، ولماذا تخلي قصد مواقعها لصالح المهاجمين الإرهابيين ، والأهم من ذلك ما هو الدور الإسرائيلي من كل ما سبق من هجمات ضد سوريا ودعم اعلامي وعسكري للمجاميع الإرهابية سابقاً وحاضراً ، ثم لماذا تشترك أوكرانيا في دعم الإرهاب بالمسيرات والأسلحة ضد سوريا .
قبل الحديث عن كل ذلك لابد من تشخيص الموقف العربي الرسمي ، دولة الامارات العربية المتحدة كانت الأولى في تشخيص خطر هذا الهجوم الإرهابي ومخا طره ليس على سوريا وإنما على الامن القومي العربي وأعلنت دعمها ومساندتها لسوريا ، ثم توالت المواقف الرسمية العربية المساندة لسوريا ، وكان للعراق المستهدف هو الاخر من الإرهاب والشقيق الدائم لبلاد الشام له مايميزه في المشاركة والدعم والتحسب لكل الاحتمالات ، المهم الموقف العربي تبلور اكثر وضوحاً واستعداداً للدعم والمواجهة ، أما ايران فهي الدولة المخلصة لصداقاتها واتفاقاتها السياسية والعسكرية مع سوريا لم ولن تتخلى عنها في مواجهة الإرهاب ومشغلي هذه المجاميع فهي تدرك تماماً بأن الهدف التالي العراق ثم ايران .
لا يضن أحداً من الدول المجاورة لسوريا نقصد هنا تحديداً تركيا ، بأن الإرهاب يمكن ان يكون صديقاً لأحد فهو متلون المواقف وله مراكز تشغيله ، إسرائيل وامريكا وبعض الدول الغربية ، وأمن تركيا يتلخص بأمن الدولة السورية ، وحماية حدودها مضمونة بالجيش السوري لا غيره .
هجوم ارهابي
المهم بكل ما تقدم ، بأن الهجوم الإرهابي الواسع على مدينة حلب وبعض المناطق السورية ، جاء تحديداً بعد فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان وخسرت إسرائيل مشروعها في احتلال الجنوب اللبناني والقضاء على حزب الله وامتنع المستوطنون في شمال فلسطين العودة الى مستوطناتهم حتى الان لعدم ثقتهم بالحكومة الإسرائيلية وخشيتهم من تجدد الحرب نتيجة عدم صدقية نتن ياهو باتفاقياته ، فيما عاد مواطنو جنوب لبنان لقراهم ومدنهم المهدمة .
إذن الوجه الاخر لهجوم الإرهاب هو الفشل الإسرائيلي في لبنان وفي غزة ، وهو استجابة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي دعا لتنفيذه نتن ياهو قبيل الهجوم على لبنان ظناً منه أنه سيحقق أهدافه التوسعية الاحتلالية في لبنان لكي يحقق الأهداف الامريكية في هذا المشروع الخبيث الذي طرح في التسعينات من القرن الماضي أيام كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية الأسبق .
مشاريع دولية
لقد اتضح بما لا يدع مجالاً للتأويل بأن الإرهاب لا يعرف حدوداً وأن المشاريع الدولية المطروحة للمنطقة وفي مقدمتها مشروع الشرق الأوسط الجديد وهو بمثابة الوجه الاخر لسايكس بيكو يستهدف تقسيم المنطقة العربية وتحويلها الى كانتونات ودويلات الفوضى بغية اضعافها وتمزيق وحدة دولها واراضيها ، والعرب إذا ما اشتركت مواقفهم فأنهم الاقدر على حماية اوطانهم وافشال المخطط الصهيوني الإرهابي ، وهم أي العرب الادرى بأن سوريا هي قلب الوطن العربي والضامن الأكيد لأمنه القومي ، ومن الضرورة بمكان أن تنتهي الخلافات ، فسوريا هي العرب والعرب بدون سوريا يصبحون مكشوفي الظهر والخاصرة، نحن متيقنون بأن سوريا ستنتصر ، لكن على الجميع الادراك بأن ما يجري في ساحة الشام هي واحداً بل الأهم لما سيجري في الساحة الدولية ، وهنا على روسيا والصين أولاً ومجموعة ابريكس ثانياً بأن تعدد القطبية الدولية لايتحقق بالركون على سوريا وحدها في مواجهة الإرهاب وإنما يقتضي ذلك بالوسائل التي تساعد سوريا الدولة في مواجهة الإرهاب الدولي ..