قمة لإثبات وجود انتخابي
فيصل عبدالحسن
دعوة الرئيس السوري للفترة الانتقالية أحمد الشرع إلى مؤتمر القمة العربية في بغداد، هي جزء من الدعاية الانتخابية في الانتخابات المزمع إقامتها في العراق من قبل رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني لنفسه، وهو بذلك يقترف أسوأ خطأ سياسي في حياته، أولا لأن القمة العربية في هذا الوقت من التشتت للأمة العربية وهي في حالة تهديد خطير من فرض شرق أوسط جديد يفرض بقوة الصواريخ الأمريكية والتهديد بالحرب والحرب لا تزال قائمة سواء في غزة وجنوب لبنان وسوريا واليمن والسودان والسلام الهش في ليبيا، وثانياً أن الشرع يمثل نظاماً جديداً لم تظهر نواياه الحقيقية اتجاه العراق وشعبه بعد، وللعراقيين تجربة في غاية الوحشية والدموية والمرارة، مع الاتجاه الأصولي الذي يمثله الشرع ونظامه الجديد المدعوم من تركيا الأخوانية، خصوصاً بعد احتلال داعش لثلثي أرض العراق وأهم مدنه الموصل في حرب ضروس دفع العراقيون زهرات شبابهم لتحرير أرضهم منهم، وقد استباحوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم، فالناخبون العراقيون؛ الذين من المفروض أن ينتخبوا سياسيا كالسوداني يرغب بالحصول على أصواتهم لرئاسة الوزراء لفترة أربع سنوات جديدة ستقف هذه الدعوة في أزوارهم كما يقول المثل الشعبي. أن أثبات أن حكومة سورية الحالية شرعية ومرحب بها من قبل الشعب السوري بكل أطيافه وحركاته السياسية أمر لا يزال في طي الغيب، ويحتاج إلى سنوات.
ومن المعروف لكل مبتدىء في فهم أوليات السياسة أن ساسة الحكم في العراق حتى هذه اللحظة، وبعد أن حكموا العراق لفترة أثنتين وعشرين سنة لا يملكون القناعة التامة بأن الأنظمة العربية تعترف بهم كحكومات شرعية لدولة عراقية يحكمونها، ومنتخبة ديمقراطيا، وأنهم ليسوا لصوصا جاءوا ليستولوا على بنك للأموال أسمه العراق، كما وصفهم المرحوم محمد حسنين هيكل الصحفي والسياسي المصري المعروف في أحد الحوارات معه، وأن الأمور ماشية فوق العال العال، فالحاكمون في العراق لشعورهم المتفاقم بعدم الشرعية على الهيمنة على أكبر قاصة أموال في الشرق الأوسط، فهم يتشبثون بكل الوسائل إثبات أنهم يحكمون العراق، كما غيرهم من حكومات البلدان العربية الأخرى، حتى لو بذروا المليارات من أموال النفط، مرة لأرضاء مصر بأنشاء منصات تصفية للبترول العراقي على الأرض المصرية، ومرة بتزويد الأردن بالبترول بأثمان زهيدة، أو التبرع للبنان بالبترول مجاناً أو من خلال ترتيب لعبة كرة قدم بين منتخبات عربية على أرض العراق، أو من خلال إقامة بعض سياسييه المعروفين والمهيمنين على القرار السياسي والاقتصادي في العراق دعوات خاصة لفنانين عرب من الدرجة العاشرة أو لفنانين من الذين بلغوا سن التقاعد كالراقصة المصرية فيفي عبدو وزميلاتها، ومرة من خلال محاولة استدراج المطرب العالمي العراقي كاظم الساهر إلى بغداد ليقيم مهرجاناً للأغنية مدفوعة التكاليف من أموال النفط العراقي المنكوب بالفقر والجهل والتخلف، أو الدعوة لمؤتمرات دولية لوحدة مصير الأديان.
الحكام الحاليون في العراق يعرفون تمام المعرفة أن بينهم وبين رغبات الشعب العراقي بحراً من الرفض لما يفعلون كما الدعوة الأخيرة لقمة عربية يحضرها الرئيس السوري الجديد، لكنهم يركبون الرفض الشعبي ويصرون على الأستغشاء بثيابهم ووضعها على رؤوسهم لكي لايروا أو يسمعوا أو يقرأوا رغبات ومطالب العراقيين، والسؤال الأهم، ماذا سيكسب العراق والعراقيون من قمة عربية استعراضية لا تأتي بنتائج فعلية وتبقى كغيرها خطابات على الورق كغيرها من القمم العربية الماضية؟ والمكسب الوحيد الذي يرجوه محمد شياع السوداني هو في رأيي نفخة فارغة لحكومة اتنخبتها أحزاب فاسدة مهيمنة على القرار السياسي العراقي؛ وخطابات رئاسية مكررة في تجمع رئاسي بروتوكولي لا يأتي بفائدة ترافقه نفقات مليارية بالدينار العراقي من أموال الشعب العراقي، والنتيجة كما هو واضح في دواخل كل المدعوين إلى بغداد أن بغداد عبارة عن بغددات، وأن السوداني وجه من عدة وجوه تحكم العراق وربما يوجد من هو أهم منه في اتخاذ قرارات مصيرية للعراق سواء في ميدان سياسة العراق الخارجية أو قراراتها الاقتصادية، وهو في النهاية ليس إلا وجها للإطار التنسيقي ولا يملك من أمره إلا ما يخص التسمية البروتوكولية فقط !!
كاتب مقيم بالمغرب