وفاة ساوة
عدنان سمير دهيرب
أن تبصر بالعين غير ما تسمع عن الشيئ , ربما تكون المبالغة أو الكذب أو المعلومة الحقيقية الصادقة يذكرها السارد حول واقعة أو حدث معين . كان ذلك قبل شهر آيار من عام 2021 حين نشرت مقالاً في الزمان تحت عنوان إغتيال ساوة .
و أعيدت المياه بعد ذلك التاريخ الى البحيرة الواقعة غربي مدينة السماوة , إثر معاقبة أصحاب معامل الاسمنت الذين كانوا السبب وراء سحب المياه الجوفية التي تغذي البحيرة من ينابيعها الخمسة منذ أكثر من ألف عام لتملئ مساحتها السطحية البالغة 12,5كم2 و طولها 1,5كم و عرضها 500م .
إن موقعها الفريد منحها خاصية جذب الطيور من أوربا خلال فصل الشتاء , تصل اليها بالاضافة الى 16 نوع من الطيور المحلقة في فضاءاتها مما يضفي عليها جمالاً في الأفق الرحيب .و حين ذهبت اليها قبل بضعة أيام وجدتها جافة تشبه المفازة المحيطة بها , لم يبق منها سوى ملامحها و السور الكلسي المحيط بها , إذ رحلت كل الاوصاف التي أطلقت عليها (المدهشة , الغريبة ,المغلقة,العجيبة و المصيف الشتوي ) و غيرها من الصفات الجميلة التي تؤكد ألقها , ليس أمام الناظر و هو يرنو الى عطايا الله المقتولة سوى الألم و الصمت على الكيان الأكثر صفاءً. لا سطوع لضوء الشمس و لا نجوم على صفحاتها الصافية فقد إغتيلت و ذهب بريقها و علاقتها الأبدية مع الحزن الشفيف , بقصد المال و الأهمال . بعد حفر 2800 بئر معظمها مسجلة مع مجاري المياه الجوفية التي ترضع منها البحيرة .
مقاومة التجاوزات
وبالرغم من إنضمام البحيرة الى إتفاقية رامسار التي تعنى بالاراضي الرطبة في عام 2015 , غير إن الجهات المختصة لا تستطيع مقاومة التجاوزات و سلطة أصحاب المشاريع التي أخذت تنتشر في تلك المنطقة . ما أدى الى وفاتها رغم إن روحها في جوف الارض لم تزل تنادي لإنقاذ هذا الكائن الذي كان كاللؤلؤة يتحدى قسوة الصحراء و يكابد وحشتها , وظل كل شتاء موئلاً للطيور المهاجرة.
فهل تستجيب وزارتي الثقافة و الموارد المائية لهذا النداء بايقاف عبث و جشع الانسان قبل إعلان الوفاة و الى الأبد ؟