إيران القادمة: ثورية الهوى تسعينية التوجه
منقذ داغر
بعد طول إنتظار للوعد الصادق 3 بدأت الاخبار تتناقل انباء تغيير واضح في نغمة الخطاب الايراني باتجاه أستبدال أصوات الطبول بأصوات الآلات الهوائية الأرق حساً وأشجى نغماً. تزامنت هذه الأصوات الناعمة مع ضجيج عودة ترامب للبيت الأبيض،وخياراته (الثورية) لطاقم سياسته الخارجية من صقور ما بعد المحافظين الجدد كوزير الخارجية الذي تفاخر يوماً بحرق اطفال فلسطين،ووزير الدفاع الذي أُبعد عن الحرس الوطني كما يقول لاتهامه بالتطرف،ومستشار الأمن القومي المناصر بلا اي تحفظ لنتنياهو والمعادي الواضح لايران،وسفيرة أميركا في الأمم المتحدة التي اذاقت رؤساء الجامعات التي تعاطفت مع محنة فلسطينني غزة الويل في استجواباتها في الكونغرس،وسفير أميركا لدى إسرائيل الذي لا يعترف بشيء اسمه فلسطين والضفة الغربية.
مع ذلك يخطىء من يعتقد ان هذا التحول في الموقف الايراني،وهذه الانغام الناعمة الصادرة من طهران قد بدأت بعد ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية،على الرغم من مجيء ترامب قد ساعد في سماعها بل ورؤيتها بوضوح. فالحقيقة انها بدأت بعد(وفاة) الرئيس الايراني السابق و(السماح) بانتخاب الرئيس الحالي المعروف بأعتداله وانحيازه للدولة،لا الثورة. بل وان السماح له باختيار طاقم سياسة خارجية ايراني معتدل اعطى رسالة واضحة لتوجهات ايران للفترة المقبلة.
وعلى أثر ذلك لمسنا كم ترددت ايران في اطلاق وعدها الصادق(1) رداً على اغتيال هنية في عاصمتها وتدمير قنصليتها في دمشق. وكم كان ذلك الرد مخططاً ومحسوباً بدقة أبرة فحص السكري التي تعمل دون ان تؤلم أو تخرج دماً كثيراً. ولم تكن دلالات الرد الايراني هي الوحيدة التي تؤشر تغير النغمة الايرانية،فقد كانت تصريحات اركان الدولة الايرانية بما فيهم وزير الخارجية عرقجي ووزير الخارجية الاسبق جواد ظريف وسواهما والتي أكدت أن إيران لن تتورط في الحرب في غزة او لبنان دليل واضح على انحسار دور الحرس الثوري في السياسة الخارجية. لقد كانت مواقف وتصريحات القيادة الايرانية حتى قبل الانتخابات الأمريكية تؤكد أن مبدأ وحدة الساحات الذي صاغه الحرس الثوري وشكل أهم أرث لقائده السابق(سليماني) قد جرى التخلي عنه. وحتى حين تم توجيه ضربة كبرى لهذا الارث بأغتيال اسرائيل لقائد حزب الله في لبنان وجوهرة حلفائها في المنطقة،خففت ايران كثيراً من ردود افعالها ووزنتها بميزان الذهب.
الخلاصة ،يخطىء من يعتقد ان تعديل وتخفيف حدة الخطاب الايراني تجاه وكالة الطاقة الذرية،وتجاه أمريكا،وحتى تأجيل او الغاء الضربة المقابلة لإسرائيل(الوعد الصادق 3)هو فقط بسبب مجيء ترامب.فأعادة التموضع الايراني وتغيير نغمات الخطاب بدأت منذ السماح بانتخاب الرئيس الايراني الحالي وطاقمه(الاصلاحي).الواقع ايران تدرك انها تعاني من مشاكل داخلية كبرى خاصة في المجال الاقتصادي وبعد تشديد العقوبات على اسطولها(الشبح) الذي ينقل النفط الايراني المهرب،بالتالي هي ليست بحاجة لمزيد من التأزم.كما ان ايران باتت تدرك ان المواجهة العسكرية لن تحسم الحرب مع اسرائيل المدعومة بلا تحفظ من امريكا والغرب،وهي لن تنتهي سوى بمزيد من المشاكل لايران.
لا شك في اننا سنشهد تقدم جناح الدولة على جناح الثورة في ايران خلال المرحلة القادمة،وعلى الاقل لحين عبور الأزمة.ولن أفاجَأ إذا انكفأت إيران على داخلها واصلاحه كما فعلت في عقد التسعينات حينما ركزت على اصلاح اقتصادها وقوتها التي تضررت كثيراً نتيجة حربها مع العراق. كما لن يكون مفاجئاً تحسن العلاقات الايرانية -الخليجية والعربية،فضلاً عن الحد من انشطة ونفوذ الميليشيات الموالية لايران في المنطقة. ولن نستغرب ان يجري تخفيف عبارات(الموت لاسرائيل والموت لامريكا)بالموت لاعداء ايران. وسنسمع كثيراً عبارات السعودية الشقيقة والامارات الصديقة،والاردن المسلمة،ومصر الصديقة.بل لن استغرب صفقة جديدة مع رجل الصفقات(ترامب) لن تشمل فقط السلاح النووي لديها.
مع ذلك سيبقى السؤال الأكبر :ماذا سيكون رد فعل الحرس الثوري ودولته العميقة على هذه التطورات التي تحد من نفوذه داخل وخارج ايران؟ واذا تقبل الحرس مثل هذه القرارات بسبب قوة وسيطرة قائد الأوركسترا (المرشد الاعلى) الذي مازال قادراً على ضبط وتوحيد نغمات كل الاجنحة فماذا سيحصل بعد رحيل قائد الاوركسترا؟!
أما السؤال المهم الآخر فهو: ماذا سيحصل مع الميليشيات في المنطقة حينما يطلب منها الحد من نفوذها وانشطتها؟ هل ستتقبل ذلك بطاعة(ولائية) أم ستتمرد وتعزف نغمات نشاز ؟وماذا سيكون موقف ايران وتابعيها في المنطقة آنذاك؟