سلمان عباس من أوائل مدرسيّ الفن في السعودية: أتمنى زيارة الأماكن التي توظفت فيها في بداياتي
بغداد - علي إبراهـيم الدليمي
في منتصف العقد الستيني، حتى منتصف السبعينيات، بدأت العديد من الدول العربية الشقيقة، تستعين بالخبرات العلمية من خريجي طلبة المعاهد والكليات العراقية، من جميع الإختصاصات، من خلال التنسيق مع (مكتب المعلمين) الذي كان مقره في فندق العراق في شارع السعدون، حيث تتم فيه كل الإجراءات الرسمية ما بين وزارة التربية العراقية ونظيراتها في الدول العربية الأخرى، وفق مبدأ ترشيح مدرسين أكفاء، أو وفق مبدأ (التعاقد) الشخصي ما بين المدرس نفسه والدولة التي يرغب بالسفر إليها.
وكانت المملكة العربية السعودية، من أوائل الدول التي أستعانت بهذه الكفاءات في مجال الفن التشكيلي، بل كانت هذه بمثابة بداية تجارب هؤلاء الفنانين أنفسهم قد انطلقت من السعودية، وأنتشرت في بقاع العالم.. فيما بعد، وحتى الآن.
في هذا اللقاء نقف مع الفنان سلمان عباس، وهو من أوائل مدرسيّ الفن في السعودية، ومعرف جيداً عند الفنانين السعوديين والعرب، وأحد الفنانين المتبقين في العراق، الذين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من هاجر خارج العراق بسبب الظروف السياسية والحروب التي عصفت بالبلاد.. ليحدثنا بإسترسال عن تلك الفترة المهمة التي بدأت البلدان العربية تنهض وتنمو سوية على أيدي النخب الشبابية المتبادلة ما بين الدول، قائلاً:
كان الطلبة من خريجي المعاهد والكليات في العراق، بعد تخرجهم، يلتحقون بـ (بكتائب الشباب) لمدة شهر أو شهرين، وهي بمثابة خدمة عسكرية، بعد أن يؤدونها، يذهبون إلى (مكتب المعلمين)، ويقدم كل منهم طلب تعيين لخارج العراق، ولهذا المكتب دور تنسيقي مهم، لهكذا مهام رصينة، فقدمنا نحن مجموعة من خريجي معهد الفنون الجميلة، بصفة (معلمين – مدرسين) لمادة الرسم.. وبشكل (شخصي)، وفعلاً تم إختيارنا للسفر إلى السعودية.
ويواصل الفنان سلمان عباس حديثه: وهناك في السعودية توزعنا ما بين المنطقة الشرقية، والمنطقة الغربية، في مناطق ريفية نائية، وكانت السيارة تسير بنا لثلاثة أيام متواصلة حتى وصلنا أماكننا المخصصة، فأنا تعينت أول سنة في منطقة (القنفذة) والسنة الثانية في منطقة (أبها) حيث كنا نعيش مع الأفاعي والثعابين التي كانت تنزل علينا من سقوف غرفنا المبنية من الأشجار البسيطة وغيرها، كما أصبت فيها بمرض (الملاريا)، ثم نقلت إلى معهد الفنون الجميلة في الرياض، وكان المعهد هو مكاني الصحيح الذي أنطلقت منه، وفي الرياض كنا نحن الفنانين العراقيين نشارك في المعارض المشتركة التي تقام في فندق (اليمامة) الذي كانت تسكن فيه شخصيات رسمية كبيرة من العالم، فيقتنون أعمالنا وبأسعار جيدة.
رموز شامخة
ومن الفنانين العراقيين الذين كانوا في السعودية، وقتذآك، يستذكرهم الفنان سلمان ، كتوثيق للتأريخ، وبعدما أصبحوا رموز شامخة في المشهد التشكيلي العربي والعالمي: وهم كل من الفنانين: إبراهيم العبدلي، أزاد شوقي، أمين عباس، حامد الصفار، حيدر الأمير، خالد النائب، خالد عزت، خيري العاني، سالم الدباغ، سعدي الكعبي، سلمان عباس، سهيل الهنداوي، شاكر حسن آل سعيد، شفيق النواب، عامر العبيدي، عبد الجبار سلمان، محسن العزاوي، محمد البدري، محمود علي الراضي... وأخرون لا تستحضرني أسماؤهم.. وأكثرهم عند عودتهم للعراق واصلوا تجاربهم الفنية حتى أخر لحظة من حياته. ومنهم للأسف توقف عن الرسم نهائياً، وبقى بصفة (إدارية) أبعدته عن الفن.
وعن سبب عودتهم إلى العراق، قال عباس: مع منتصف السبعينيات أصدرت الحكومة العراقية، نظام التعيين المركزي لجميع الخريجين، وفق إختصاصاتهم.. لذا عدنا إلى العراق، بعدما قدمنا جل طاقاتنا العلمية والعملية، وبأمانة خالصة، في إيصال رسالة الفن والذائقة الفنية لطلبتنا الأعزاء في السعودية، والذين هم كذلك منهم أصبحوا أسماء لامعة داخل المملكة وخارجها، ويمثلون المشهد التشكيلي السعودي، عربياً وعالمياً، وبدأت مشاركاتهم معنا في العديد من المعارض الفنية في بغداد.. كما انهم أوفياء جداً معنا، وعلى تواصل دائم معهم على المحبة والخير.. منهم من دعاني لزيارة الأماكن الأولى التي توظفنا فيها، التي أختفت صورها البدائية نهائياً، والآن أماكن حضارية متقدمة وبناء عصري، لا أفاعي ولا ثعابين.
في نهاية الحديث، تمنى عباس، حقيقة أن يزورها فعلاً.. «لأني مشتاق جداً لهذه الذكريات الجميلة ولأرى بأم عيوني التطور العمراني والتنموي الكبير الذي حصل في المملكة العربية السعودية.. أتمنى ذلك..».
و عباس، مواليد بغداد 1940، دبلوم معهد الفنون الجميلة، وبكالوريوس كلية الفنون الجميلة بغداد، أقام معارض شخصية عدة في الرياض وبغداد، فضلاً عن مشاركاته في جميع المعارض التي أقيمت داخل العراق وخارجه. بدأ فناناً واقعياً في رسم الطبيعة والبورتريت والخيول وحياة الصحراء.. ولكنه فيما بعد اتجه إلى تجـربته في إنتاج لوحات إسلـــــــــامية، حيث الحروفيـــــــــــات وقباب المسـاجد والأهلـــــة ذات ألوان إسلامية خالصة، ليكــون مخلصاً لهـــا حتى الآن.