طبول الحرب النووية.. ولادة قيصرية لشرق أوسط جديد
إسماعيل محمود محمد العيسى
بعد أن دمرت الحرب العالمية الثالثة معظم أرجاء الكرة الأرضية… هكذا تبدأ قصة “عدنان ولينا” قصة كرتونية ترسّخت في ذاكرة أجيال كاملة؛ كانت تبدو خيالية في وقتها؛ بعيدة عن الواقع؛ أقرب إلى الأدب المستقبلي منها إلى قراءة سياسية، لكن؛ ويا للمفارقة؛ ها نحن اليوم نعيش في ظل مشهد لا يقلّ رعباً ولا رمزية عن تلك القصة، الشرق الأوسط مرة أخرى أمام مخاض عسير؛ لكن هذه المرة ليس مخاضاً طبيعياً؛ بل أشبه ما يكون بولادة قيصرية عنيفة؛ تنذر بانبعاث شرق أوسط جديد، يولد من رحم الصراع والنار والدم.
إنها لحظة تاريخية حرجة. تصريح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران برفض شروط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي وُصفت بـ”الاستسلام غير المشروط”، ليس مجرد موقف سياسي عابر، بل هو إعلان صريح بأن المعركة قد بدأت، وأن مرحلة الصبر الاستراتيجي قد انتهت، وأن لا مفر من المواجهة المفتوحة مع إسرائيل، بكل حزم وقوة، وبلا هوادة. كلمات لا تقف عند حدود اللغة، بل تفتح بوابات الجحيم على مصراعيها، وتجعل من احتمالات الحرب النووية واقعاً يطرق الأبواب، لا وهماً يلوح في الأفق.
المعركة لا تدور فقط حول برنامج نووي أو نفوذ إقليمي، بل تتجاوز ذلك إلى صراع وجودي، يهدد بإعادة تشكيل العالم من جديد. وفي قلب هذا الصراع، تقف المنطقة العربية والإسلامية على فوهة بركان، مهددة بأن تتحول إلى مسرح لحرب مدمرة لا تميز بين الجغرافيا والعقيدة، ولا بين المدني والعسكري، ولا بين الدولة والأمة. المشهد العالمي يستعيد ملامح ما قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية: تحالفات تتشكل، واصطفافات تتجذر، وصراعات تتعقد. كما في الحرب الأولى سقطت إمبراطوريات كبرى، وكما في الثانية أُبيدت مدن بكاملها بقنابل ذرية، هكذا نحن اليوم، نعيش مقدمات حرب عالمية رابعة غير معلنة، أدواتها أشد فتكاً، وأهدافها أكثر خفاءً، ونتائجها أفظع من أن يتخيلها عقل.
روسيا وأوكرانيا فتحوا الباب لحرب باردة تتسارع نحو الاشتعال، بينما الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران تحرق ما تبقى من خطوط حمراء. الولايات المتحدة تستعيد دورها كشرطي العالم، والصين تراقب وتنتظر الفرصة، بينما أوروبا تقف بين التردد والخوف. الجميع يدرك أن أي شرارة في الخليج أو الشام أو حتى شرق المتوسط قد تكون كافية لإشعال فتيل الحرب الكبرى، التي لن تبقي ولن تذر. الحرب القادمة، ليست فقط نووية بالمعنى العسكري، بل شاملة على كل المستويات: إنها حرب معلومات، حرب سايبر، حرب طاقة، حرب هوية، حرب وجود.
قلم الرصاص الذي طالما رسم أحلام الأطفال في دفاترهم المدرسية، سيعود اليوم ليرسم حدود الدول من جديد، لا على الورق، بل على خرائط العالم. دول ستذوب كما يذوب الملح في الماء، وأخرى ستظهر من العدم. دول ستفنى كما فنيت سمرقند وبابل، وأخرى ستولد كما ولدت أميركا بعد الحرب الأهلية.
حتى الكتب المقدسة تحدثت عن حروب تذوب فيها الأجساد والوجوه، كأنها تصور لنا مشاهد من حرب نووية قبل آلاف السنين. المسيح الدجال، الذي ورد في الأحاديث أنه يذوب كما يذوب الملح في الماء حين يراه المسيح عيسى بن مريم في بيت المقدس، يبدو وكأنه رمز لهذه المعارك الفاصلة، التي تنهي فيها الحرب كل شيء: القيم؛ والحدود؛ والوجوه.
إن ما يجري ليس صراعاً بين دول فحسب، بل هو صراع على شكل العالم القادم: هل سيبقى كما هو؟ أم أن هناك من يخطط لولادته من جديد على أنقاض الخراب؟ السؤال الأهم: هل نحن مستعدون؟ هل وعينا حجم الخطر؟ هل لدينا ما يكفي من الوعي والحكمة والتخطيط لننجو من هذا الطوفان القادم؟ الشعوب مطالبة باليقظة، والحكومات مطالبة بإعادة النظر في كل تحالفاتها وحساباتها، لم يعد هناك وقت للمساومات؛ ولا متّسع للمراهنات الخاطئة، إنها لحظة الفصل بين الأمم التي ستبقى؛ وتلك التي ستُمحى من الوجود.
طبول الحرب تُقرع؛ والمخاض بدأ؛ والقادم أشد مما مضى. فإما أن نستعد للولادة القيصرية بكل ما فيها من ألم ودماء وتضحيات؛ أو ننتظر أن نُولد من جديد بعد فناء كل شيء. في كلتا الحالتين؛ العالم لن يبقى كما كان، ومن لا يقرأ طبول الحرب اليوم، سيُجبر غدًا على قراءة أسماء الموتى في دفاتر النار.