أستاذي الذي علّمني الكثير
وجيه عباس
مجروحة شهادتي بالزمان وهي تقترب من حاجز الثمان آلاف خطوة، كيف يمكن لصحيفة أن تنافس زمانها الطويل؟ البقاء على قيد المطابع حياة ليس بوسع أي صحيفة ارتكابها، هذا وحده بحاجة إلى فن لتنافس الفضائيات التي تستشري مثل سرطان عصي على الشفاء، كيف يمكن لصحيفة أن تقف في وجه رياح ولاتُصاب بدوار الحبر؟!
الصحافة فقدت السبق الصحفي بوجود العاجل، لهذا هرعت الكثير من الصحف للانتحار، لكن الزمان أثبتت أن زمانها زمان خاص بها، ومكانها محجوز لها في كل مكان، هذه قاعدة ليس من السهل ارتكابها، لكن فريق الزمان أثبت أنها ذاكرة لما مضى ولما يتأخر...
هرم اعلامي
في هذا الوقت الذي تنازلت فيه عن كل مواقع التفاصل الاجتماعي وطلقتها بالثلاث، أبقيت ذاكرتي في “الزمان” لوجود مثابة عنوانها الدكتور أحمد عبد المجيد الذي اختاره السيد سعد البزاز ليمثل هرم الاعلام في “الزمان»....
أنقّب في ذاكرتي، يلوح لي وجه صديقي المرحوم “خضير ميري” الذي فاجأني حين كنت أعمل في صحيفة الصباح وقال لي بأن الدكتور أحمد عبد المجيد يقرأ لك فلماذا لاتزوره في مقر الزمان، قلت له:اعطني رقم هاتفه، واتصلت باستاذنا وزرته في اليوم الثاني، وأتذكر أنني دخلت له باسماً وطلبت منه أن أسلم على السيد سعد عباس لأنني كتبت مقالا يلتهب سخرية، وحين قلت له:أنا وجيه عباس...استغرب مني...قلت: المقالة لاتفسد في الود قضية..أنت أخي ونحن جالسون في مضيف الدكتور أحمد الزماني، فابتسم الدكتور أحمد وكأنه يقول لي: حسناً..دع الأمور تمضي كما هي...لا أخفيكم أن قلمي حاد مثل نصل سكين، وحين أكتب عن شخص ما، أضمن أنه لن يسلّم عليَّ طيلة حياته، لكنني أشهد أمامكم أن الدكتور عبد المجيد هو خبير نزع ألغام بإمتياز.
اتصل بي مرة، قال أريد أن تلقي محاضرة في الصف الثالث بكلية الاعلام بالجادرية، اتذكر انها ربما كانت من أواخر محاضراته قبل أن يُحال إلى التقاعد، قدمني للطلبة وقال: لم يسلم أحد من قلم هذا الجالس قربي حتى أنا أستاذكم، لكنني أشهد أن قلمه مبدع...ولأجل هذا تنازلت له عن هذه المحاضرة...حينها أسقط في يدي...لكنه قام من مكانه وجلس في نهاية الصف وتركني وحدي أتكلم بما يحلو لي...حينها تذكرت عمنا المتنبي حين قال( الرفق بالجاني عتاب)...حينها علمت سر اختياره لرئاسة تحرير الزمان بطبعتها العراقية، أنا أمام مدرسة زمانية ومكانية أتعلم منها الجديد في كل يوم.
أعان الله قلب استاذنا الدكتور عبد المجيد وأنا أثقل عليه بجنوني الشعري في زمن عقمت الصحافة العراقية أن تحتمل ما أكتبه من نصوص بحاجة إلى نَفَسِ عدّاءٍ لنشرها بل قل قراءتها، لكن وجوده شخصياً في “الزمان” يعطيني الثقة أن ماتركه اساتذته القدامى فيه يفتح الطريق لثماني الاف خطوة جديدة بانتظاره.