الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في الحركة برَكة

بواسطة azzaman

في الحركة برَكة

فؤاد مطر

 

في حوار أجريته مع الرئيس (الراحل) هواري بومدين (الأسبوع الأخير من شهر يونيو/ حزيران 1975) في ركن من مكتبه المتواضع في مقر الرئاسة الجزائرية وبدا فيه قلِقاً كون الأحوال العربية – الفلسطينية على درجة من التشابك والحذر قال «لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين». عبارة تحتمل الكثير من التفسير وينطبق عليها ما هو حاصل الآن في لبنان الذي يمارس ربعه الشيعي الموقف الذي هو نقيض عبارة بومدْين فيما ربعاه السُني والدرزي أقرب قليلاً إلى مغزى تلك العبارة. وأما الربع المتبقي أي أكثرية الطوائف المسيحية فإنها تعيش حالة من القلق إزاء موقف الربع الشيعي المتمثل ﺒ «حزب الله» و «حركة أمل» الذي يتصرف قتالياً وسياسياً منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على أنه فلسطيني أكثر من الفلسطينيين...» إنما ليس مع عموم الفلسطينيين كما قصْد بومدين ونخبة القادة العرب والمسلمين الذين يرون في وحدة الشعب الفلسطيني ما هو خير للقضية وليس الأمر كما الحال الراهنة فلسطين السلطة الوطنية المأمول نضوج صيغة الدولة المقترحة الكيان الفلسطيني كما سائر الكيانات في الأمتين، وفلسطين  التي تُحلق في الفضاء الإيراني وتُنفذ الأجندة على نحو ما رسم معالمها الجنرال قاسم سليماني ويسير الذين تعاقبوا على رئاسة الحرس الثوري بعد إغتياله على المفهوم نفسه الذي ألقى ظلالاً على القضية الفلسطينية لجهة إعتبارها شأناً إيرانياً وهذا ما أحدث وقفات نوعية من التحفظ العربي الذي يزول في حال باتت فلسطين الإيرانية الهوى وإلى درجة الإنتماء شريكة فلسطين السلطة المأمول إقتناع المُعاضد الأميركي سياسة غير موضوعية وسلاحاً من كل نوع ثقيل لإسرائيل نتنياهو، بأن لا سبيل إنقاذ لما آلت إليه واقعة 8 أكتوبر 2023 بحيث بات الأسر ذريعة حرب إبادة وتجويع وتدمير وتجريف لا سابقة لها، سوى العلاج الموضوعي للجرح الذي ينزف منذ 1948 وكان من شأن صيغة التقسيم لو تم الأخذ بها لأم هذا الجرح والبناء المتدرج عليه. وها هي دعوة خالية من الأوهام البنيامينية تأتي من لقاء على درجة من صفاء نوايا المشاركين فيه جرى عقْده يوم الجمعة 13. 9. 2024 في مدريد وضم رئيس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية وأعضاء مجموعة الإتصال العربية – الإسلامية بشأن غزة والتي تضم مصر والسعودية وقطر والأردن وأندونيسيا ونيجيريا وتركيا.

خطوة نوعية

هذا المؤتمر خطوة نوعية تأتي في الوقت الذي يحتاجه الجميع حيث تندرج روحية ما قيل فيه وبالذات قول وزير خارجية الدولة المستضيفة اسبانيا التي سبق إعترافها والنرويج وأيرلندا قبل عشرة أسابيع (28. 5. 2024) بدولة فلسطينية موحدة تحكمها السلطة الوطنية الفلسطينية وتضم قطاع غزة والضفة الغربية وتكون عاصمتها القدس الشرقية. وبهذا الإعتراف بات عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية 146 دولة من إجمالي 193 دولة. أما الذي قاله الوزير الإسباني فكان الآتي «إننا نجتمع لإيجاد مخرج من دوامة العنف التي لا تنتهي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إن المسار واضح، تنفيذ صيغة الدولتيْن هو السبيل الوحيد».

قد يعلِّق الطرف الأميركي على هذا الذي قاله المسؤول الإسباني ويشاركه المضمون الحاضرون وعشرات المسؤولين في دول العالم الرأي، إن الولايات المتحدة دائمة الإشارة إلى صيغة الدولتيْن حلاً وأن الذين تعاقبوا على الرئاسة من جيمي كارتر إلى الحالي جو بايدن مروراً ببوش الأب ثم الإبن يليهما بيل كلينتون وباراك أوباما ودونالد ترمب أتوا في مناسبات على ذكر الدولة وأحياناً الدولتيْن، ولكن لا ترجمة لهذا التذكير، بل إنه يأتي متزامناً مع إعتداءات إسرائيلية ومصادرة أراض للفلسطينيين. ثم يترجم نتنياهو مشاعره إلى حرب إبادة فاقت حرب رئيس الحكومة السلف ارييل شارون في الضفة الغربية وغزة بعد الفعل الإجرامي في مخيمات فلسطينية بعضها في العاصمة اللبنانية بيروت ومناطق مجاورة للعاصمة المغلوب على أمر إستقرارها من أحزاب الوطن الديموقراطي النهج العشوائي التطبيق من خلطة الأحزاب والحركات والتيارات والجمعيات على أشكالها ويافطاتها ومسيراتها وراياتها وولاءاتها للخارج على حساب الوطن.

ومن هنا فإن إتيان رؤساء أميركا ووزراء خارجيتها وبشكل خاص بلينتون رمز دبلوماسية رئاسة بايدن وبومبيو رمز دبلوماسية رئاسة ترمب، على ذكر الدولة أو الدولتين يأتي قبل إهداءات جديدة من أرض فلسطين لإسرائيل وهذه «مكرمات» إتسمت بالسخاء ومنها أن ترمب أهدى «إسرائيله» القدس عاصمة لإسرائيل والجولات أرضاً لإسرائيل ثم يأتي بايدن يجزل العطاء تاركاً التجريف الإسرائيلي يأخذ مداه وبحيث يصحو العرب ذات يوم وكأنما لا قرارات إتخذها مجلس الأمن، ولا وجود سوى لإسرائيل دولة يهودية على أن يغادرها الفلسطينيون إلى ديار عربية أو إلى أبعد نقطة في المعمورة على نحو ما ورد ذلك على لسان زلمن شارف وزير التعليم في حكومة ليفي اشكول الذي إقترح بعد حرب 1967 والهزيمة التي لحقت بمصر وحليفاتها ترحيل الفلسطينيين إلى البرازيل. لماذا تحديداً البرازيل؟ ربما لروابط بين الجانبيْن الإسرائيلي والبرازيلي تجيز ذلك، أو إن الإدارة الأميركية زمنذاك سعت إلى ذلك.

ربطاً بهذا التسفير الذي لم يتم والذي يعكس كراهية الإسرائيلي للعربي، تحضرنا عبارة قالها رئيس الحكومة قبل 11 سنة بنيامين نتنياهو (الجمعة 17.2.2012) تعليقاً على حادثة إصطدام حافلة مدرسية في القدس قضى فيها عشرة أطفال مصرعهم وأصيب أكثر من أربعين بجراح وبعدما كانوا أبلغوه بالحادثة وبهوية التلاميذ وكلهم فلسطينيون عرب. والعبارة التي تفسر ما يفعله بالناس في غزة وكيف يسقط الأطفال الغزيين بالألوف مع ذويهم قتلى أو جرحى «لماذا ساعدتم الجرحى. أتمنى إرسال شاحنة تقتلهم جميعاً...».

ابادة بنيامينية

هل من فرصة يراها الذين إجتمعوا في مدريد للحل بحيث تتوقف الإبادة البنيامينية ويؤتى بحكومة يترأسها من يرى أن عيش الشعبيْن كل في دولته هو الخلاص وأن أي خيارات أُخرى ومنها أن فلسطين لا تتسع لغير الشعب اليهودي هي مجرد حلم نهايته كوابيس ودورات من المآسي التي يؤكد حدوثها أن الذين يديرون دفة الصراع على أرض فلسطين من غزة المثخنة بالويلات إلى الضفة الغربية المستباحة بالمطاردات والتجريف والتدمير يحتاجون إلى التأمل في الأمثولة العربية – الإسلامية – الأوروبية والتي حدثت في مدريد وينطبق على حصولها المثل العربي «في الحركة بَرَكة» عسى ولعل الأخذ بها يهدي طرفيْ الصراع إلى سواء السبيل. وأما رمز المعاناة من المحنة الغزاوية لبنان فإن المقولة البومدينية تنطبق عليه لكنه لا يقولها على الملأ متوقعاً أن تأخذ الحاضنة الإيرانية للربع الشيعي من شعبه في الإعتبار أنه أدى ما عليه ومن واجبه الإلتحام ببقية أرباع الكيان.

 

 


مشاهدات 126
الكاتب فؤاد مطر
أضيف 2024/09/19 - 12:53 AM
آخر تحديث 2024/09/27 - 10:14 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1045 الشهر 39602 الكلي 10028224
الوقت الآن
الجمعة 2024/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير