الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المرأة والطريق إلى الحداثة (2)

بواسطة azzaman

المرأة والطريق إلى الحداثة (2)

عبد الحسين شعبان

 

الميني جوب

تحت عنوان محاربة الميوعة لدى الشبان والخلاعة لدى الشابات، استخدم وزير الداخلية، الفريق صالح مهدي عمّاش، القانون  لدهن سيقان الفتيات بالطلاء الأسود وحلق شعور الفتيان كجزء من العقاب على الملبس والمظهر، وهو ما دعا الشاعر الجواهري لأن يكتب قصيدةً إلى عمّاش، ذاع صيتها، تحت عنوان «رسالة مملّحة»، وهي التي اشتهرت باسم  «الميني جوب»، والتي يقول فيها:

نُبئتُ انكَ توسعُ الأزياء عتاً واعتسافا

وتقيس بالأفتار أردية بحجة أن تنافى

ماذا تنافي، بل وماذا ثمَّ من أمر ٍ يُنافى

أترى العفافَ مقاسَ أردية ٍ، ظلمتَ إذاً عفافا

هو في الضمائر ِ لا تخاط ُ ولا تقصُّ ولا تكافى

من لم يخفْ عقبى الضمير ِ ، فمنْ سواهُ لن يخافا

وما قصيدة الجواهري، إلّا التعبير الملطّف لرفض التوجّهات المحافظة، التي تريد النَيْل من الحريّات الشخصية، وخصوصًا حقوق المرأة، سواء من جانب المؤسسة الرسمية أم المؤسسات الدينية الإسلامية بتناغمها مع مثل هذه التوجّهات، التي تناهض الحداثة تحت عناوين مختلفة.

السبعينيات

وعلى الرغم من أن العراق شهد تطوّرًا ملحوظًا في السبعينيات لصالح المرأة وحقوقها، وخصوصًا في العام الدولي للمرأة (1975)، حيث أصدر عددًا من التشريعات في المجالات المختلفة، مثلما انضمّ إلى العديد من الاتفاقيات الدولية، التي تصبّ في هذا الاتجاه، إلّا أن الحروب التي دخلها (الحرب العراقية - الإيرانية وحرب قوّات التحالف والاحتلال الأمريكي، وما تبعه من طائفية وإرهاب، بما فيه الحرب ضدّ تنظيم القاعدة وداعش)، وفترة الحصار الدولي التي فُرضت عليه لمدّة 12 عامًا، ابتلعت تلك المنجزات التي تحقّقت، بل شهدت فترة التسعينيات قرارات صادرة عن مجلس قيادة الثورة، تنتقص من حقوق المرأة، بما فيها «قوانين غسل العار»، فضلًا عن انتعاش العشائرية بوجهها السلبي، وانحسار مظاهر المدنية التي عرفتها الدولة لصالح البداوة والقرويّة، خصوصًا في التعامل مع المرأة، تلك التي تراجعت على نحو كبير بعد العام 1958، لكنّها عادت بقوّة في فترة الحصار الدولي وبتشجيع من حزب البعث الحاكم نفسه، تارة باسم الحملة الإيمانية، وأخرى التوقيع بالدم ولاءً للنظام.

الاحتلال وما بعده

أعاد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 إلى الواجهة الخلافات الحادّة بشأن الموقف من المرأة وحقوقها ودورها، فازدادت حالة الأخذ والردّ والدفع والجذب، على الرغم من أن الدستور الدائم (2005)، اشترط كوتا نسائية لا تقلّ عن 25 بالمئة ، وهو أمر إيجابي، لا بدّ من العمل على تحسينه باختيار أفضل النماذج، وليس وفقًا للولاءات الحزبية الطائفية والإثنية الضيّقة.

 واتخذ الصراع بخصوص المرأة منحى دستوريًّا وقانونيًّا أيضًا، وصل ذروته يوم أعلن وزير العدل العراقي الأسبق حسن الشمري إنجاز مشروع قانونيْ الأحوال الشخصيّة الجعفري، والقضاء الشرعي الجعفري، وأحالهما بدوره إلى مجلس شورى الدولة، وقال أن هذا الأخير اقتنع بهما تمهيدًا لعرضهما على مجلس الوزراء لإقرارهما، وبدوره سيرفعهما الأخير إلى البرلمان لمناقشتهما وإقرارهما، وأشار إلى أنهما ينطلقان من الدستور. وكما هو معلوم فإن المادة المشار إليها، عليها الكثير من الاعتراضات، ولنتعرف على ما تقوله هذه المادة: «العراقيون أحرارٌ في الالتزام بأحوالهم الشخصيّة، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون».

وقد أثار نشر خبر مشروعي القانونين موجة واسعة من الآراء ووجهات النظر المتناقضة، حول قوانين الأحوال الشخصيّة، حيث لا تزال الذاكرة العراقيّة، وخصوصًا القانونيّة والسياسيّة، طريّة، وتحتفظ بسجالات وصراعات حادّة، امتدّت طيلة عقود من الزمن وصاحبها إشكالات وانقلابات وتراجعات، ولا تزال ذيولها مستمرّة حتى الآن، وهي تنام وتستيقظ بين الحين والآخر، كما أشرت في كتابي «دين العقل وفقه الواقع».

الجدير بالذكر أن الصراع تجدّد بين التيار الإسلامي والمحافظ من جهة، وبين القوى الأخرى بعد الاحتلال الأمريكي للعراق من جهة ثانية، حيث جرت محاولات في مجلس الحكم الانتقالي لإلغاء قانون الأحوال الشخصيّة رقم 188 لعام 1959، ومن المفارقة أن يكون المجلس المذكور قد وافق على القانون الجديد، رقم 137 لعام 2003، الذي شكّل خلفيّة مرجعية لقانون الأحوال الشخصيّة الجعفري، لكن بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق، رفض المصادقة عليه بحكم صلاحياته، حيث لا تعتبر قرارات مجلس الحكم الانتقالي نافذة، إلّا بعد مصادقة بريمر عليها، وأعاده إلى المجلس لمناقشته، ومن ثمّ التصويت عليه، وهنا حصلت المفارقة الثانية، حين لم يحظَ بالأغلبيّة التي حصل عليها قبل اعتراض بريمر عليه، وهو ما يذكره بريمر في كتابه «عام قضيته في العراق» (2006).

ما أشبه اليوم بالبارحة

وما أشبه اليوم بالبارحة، حين تبنّى النائب رائد المالكي مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية باسم كتلة الإطار التنسيقي المتنفّذة، وهو تعديل يقضي إلى قانون موازي ينتقص من وحدانية القانون وتطبيقه على الجميع، بما يقلّص من شرعية الدولة ويحوّل جزء من سلطتها إلى الفقهاء، في قضايا الزواج والطلاق  والميراث والنفقة والحضانة وما سواها، ويترتّب على ذلك أن الفقيه وشيخ العشيرة وربّ الأسرة دورًا موازيًا لدور الدولة المسؤولة الأولى والأساسية قانونيًا عن تنظيم شؤون الأحوال الشخصية، ومسؤوليتها فوق مسؤولية الجميع، وهي وحدها ودون سواها من له الحق في إصدار القوانين والأحكام وتطبيقها على نحو موحّد وعلى جميع المواطنين المتساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات.

المشروعية القانونية

ثمّة في الدول مشروعية قانونية واحدة، تقوم على سياق واحد، وقانون واحد، وليس سلطات متوازية في موضوع الأحوال الشخصية أو غيرها، وهو ما سيخلق ازدواجية في المشروعية، ويقود إلى تعارضات تؤدي إلى المزيد من انقسام المجتمع على أساس طائفي أو إثني، وتلك من مخرجات نظام المحاصصة الطائفي - الإثني ما بعد الاحتلال، وهي ازدواجية عرفها العراق في العهد الملكي بحكم الامتيازات التي أراد البريطانيون أن يمنحونها لشيوخ العشائر، فشرعوا قانونًا في العام 1916، حتى قبل استكمال احتلالهم للعراق، الذي عُرف باسم «قانون دعاوى العشائر»، والذي استمرّ موازيًا للقانون المدني العراقي الذي شرّعه الفقيه الكبير عبد الرزّاق السنهوري في العام 1951. وكان من أولى القرارات التي اتّخذتها الثورة، وهو إلغاء قانون دعاوى العشائر واستعادة وحدانية القانون، الذي يُطبّق على الجميع.

لعلّ العيش المشترك سيتأثّر كثيرًا حين توضع الألغام في قانون يقسّم المجتمع والعوائل العراقية إلى هوّيات مذهبية وطائفية مغلقة ومنعزلة، في حين أن الدولة ينبغي أن تقوم على المواطنة المتكافئة والمتساوية. وعقود الزواج هي التي تحدد حقوق وواجبات الزوجين، وليس سلطة الفقيه أو المذهب، وتلك هي إحدى سمات الحداثة في الدولة العصرية.

 

(انتهى)

 

 

 

 


مشاهدات 23
الكاتب عبد الحسين شعبان
أضيف 2024/09/14 - 3:36 PM
آخر تحديث 2024/09/15 - 4:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 68 الشهر 5761 الكلي 9994383
الوقت الآن
الأحد 2024/9/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير