الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
جمر منى سعيد

بواسطة azzaman

جمر منى سعيد

أحمد عبد المجيد

 

تعرفت الى منى سعيد، منذ زمن ليس قصيراً، وكنا في الوسط الصحفي نتابع احدنا الأخر عبر المطبوعات التي نعمل بها أو من خلال المؤسسات الاعلامية التي ينتسب محرروها الصحفيون الى النقابة.

كانت منى سعيد صحفية من الصف الأول، بمعنى انها قلم ورؤية وثقافة وتحصيل جامعي ومهارات، لكنها ترتبط في خاطري بصورة أخت وأم وزميلة شجاعة، فقد حملت على منكبيها أثقل من مأساة وأقل من فجيعة، ومع ذلك فأني رأيتها وجهاً مبتسما وعلامة تفاؤل فارقة ،ولولا اني اعرف تفاصيل حياتها الأسرية، لقلت ان لا امراة عراقية قادرة على فرض ارادتها والثبات وسط بيئة غير متصالحة وتنافسية لا ترحم أحياناً غيرها.

ويوم ابلغني الباحث والمفكر عبد الحسين شعبان، اعجابه بكتاب منى سعيد (الجمر والندى) الذي صدر قبل نحو ثلاث سنوات، تحمست لقراءته لكني تراجعت ،آمالاً ان تذكرني (أم يمام) بنسخة منه، أسوة بالزملاء الذين شملتهم باهداءاتها. ومن طبيعتي اني لا اميل الى طلب من هذا النوع، فالزميل المحب يجتهد من أجل ايصال زاده الفكري الى اقرب الناس الى اهتمامه. ويبدو اني لست واحداً من هؤلاء. واعترف ان مسموعاتي وقراءاتي عن الكتاب ظلت تلاحق الرغبة في مطالعته، بوصفه تاريخاً ووثيقة ومعنى، وهذا المعنى يكبر ويتسع اذا اتسم المحتوى بالصدق والوفاء وتجنب المبالغة. وقبل أيام وصلتني من منى سعيد دعوة لحضور أمسية اقامها كاليري مجيد ومديرته الفاضلة، المفجوعة بسبعة من افراد عائلتها المغيبين ،فقررت فوراً الاستجابة وافرغت وقتي، لحضور الامسية التي ادارها زميلنا رسام الكاريكتير خضير الحميري.

وما صرحت به منى سعيد في تلك الأمسية كان كافياً لحمل ذكرياتي الى حقبة السبعينات من القرن الماضي ،حيث الشباب والانفتاح وبراءة التصرف والانخراط في العمل السياسي التقدمي، وكذلك سطوع اسماء بارزة في المهنة الصحفية والتجارب الشبابية، وهو ما راجعته في النسخة الالكترونية للكتاب، التي ارسلتها لي عبر واتساب منى سعيد. ما يهمني، في هذه الفرصة، أن أشير الى قوة الارادة التي تحلت بها هذه الصحفية وهي تسترجع احداثاً ووقائع صادمة عاشتها بالتفاصيل، وعانت ويلاتها بالتداعي والنتائج تحت ضغط أمني ومعيشي صاعق. واذ أشاطرها بعض مترادفات هذه التوصيفات المحزنة والمحرجة والثقيلة جداً ،فاني أحيي فيها طاقة الصبر التي تحلت بها وامكانيات الصمود الرسالي، التي طبعت روحها وسط بيئة متصارعة.

ادركت ان منى سعيد أمرأة تعادل عشرين او ثلاثين أو مئة رجل.. صحفية مجتهدة من طراز نادر، سبحت في بحر متلاطم الأمواج ووصلت الى شاطئ النجاة بالحلم والتفاؤل ومحبة الناس والثقة بالزملاء، حتى ناكري الجميل منهم، الذين اسمتهم في مذكراتها بكتبة التقارير وحملة طلاسم الموت.واكبرت في منى سعيد قدرتها على التسامح وطي صفحات الماضي، برغم ان واحدة من طرازها لا تنسى بل تستذكر. ففي كل يوم من حياتها قصة، وفي كل فصل من فصول تاريخها الشخصي جروح لن تندمل ، وفي كل ساعة من ساعات عملها الصحفي في حقل الترجمة والنشر ، معاناة وآلام تنوء بها الجبال.

ولو انها ظلت تقارع هذا الموروث من الفجائع، دون وعي أو شعور بالاقتدار النفسي ، لتحولت الى حطام امرأة، لكنها، في تقديري، كسبت جولاتها بالابداع والاحتواء وامتلاك قدرة التغيير وقبول هموم الغربة ، ذلك انها هاجرت في منتصف التسعينات الى دولة الامارات أسوة بمن غادر العراق، واكدت كفاءتها المهنية باصدار جريدة اسبوعية ،وبوضع ابنتها يمام على السكة الصحيحة، حيث ورثت موهبة الرسم عن والدها الشهيد سامي حسن العتابي وطوقت جيد والدتها بطفلين، هما اعز ما تشكله الحياة في نفس منى سعيد من سعادة وامتنان ومجاراة للظروف اللاحقة .

أعيد القول ان امرأة حديدية ،في قياس الارادات والصبر كمنى سعيد ،عوضت ظروف الألم والضياع والحزن بمحصلة فريدة ولودة هي يمام، التي رفعت اسم والدها عالياً في وقت توهم الطغاة انهم قادرون على طمسه، وعززت اسم منى سعيد، بالألوان والعصافير والزهور.

تلك هي منى سعيد، امرأة لن تقوى الأهوال على دحرها، تصنع الفرح من الألم.

 


مشاهدات 283
الكاتب أحمد عبد المجيد
أضيف 2024/09/10 - 1:01 AM
آخر تحديث 2024/11/24 - 9:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 242 الشهر 10622 الكلي 10053766
الوقت الآن
الإثنين 2024/11/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير