مخطئ من يقول لك إن الكتاب الورقي انتهى ، ولم تعد له قيمة تذكر في العالم وأن الكتاب الرقمي والصحيفة الرقمية أصبحا بديلين. المشكلة إنه في الدول العربية والمغرب ، هناك فئة تزرع اليأس وتنشر أفكار البؤس حول لاجدوى الثقافة والاعلام، لكن حينما تعيش مشاهدات يومية في أمريكا ستلاحظ الفرق وتكتشف الحقيقة التي لاغبار عليها. في بوسطن الجميع يقرأ في الصباح والمساء ، يكفي أن تركب قطار مترو الأنفاق المتجه إلى جامعة هارفاد لتشاهد شبانا وشابات جميلات وكهولا وشيوخا يقرأون رواية أو كتابا في موضوع معين . بما يعني أنهم يستغلون فترة الذهاب للعمل والدراسة للقراءة ، المهم لايوجد وقت ضائع خلال فترة الذهاب والإياب عبر قطار مترو الأنفاق الذي تكون فيه القراءة ممتعة وفيها منافسة شديدة. الكتاب عندهم في أمريكا وببوسطن عاصمة الثقافة ، جزء أساسي مثل كوب القهوة الذي يتناولونه بشكل دائم، حيث يفضلون شربها وهم عابرون في الطريق بدل الجلوس في المقهى. إذ يحملون الكتاب للقراءة في الحقيبة دائما إلى جوار قنينة الماء المعدني التي لاتفارقهم . وفي إقامتي الأدبية عند شقيقي وديع بمنزله مع أسرته الصغيرة ببوسطن، تعرفت على الكثير من عادات وتقاليد المجتمع الأمريكي المكون من عدة جنسيات من القارات الأربع ، بما في ذلك حرص هذا المجتمع على احترام القوانين واحترام الآخر وتوفير كل شروط الراحة والعيش الكريم. ومن الفضاءات المميزة التي أعجني كثيرا التجوال والتوقف كل يوم بين رفوفها مكتبة هارفاد الخاصة. ووحدها هذه المكتبة تعتبر عالما مثاليا ورمزا ثقافيا، حيث تعرض بها جميع مصنفات الكتب الصادرة بالانجليزية. وفي المصنفات العربية خصص جناح واحد لأعمال روائية وفكرية بالعربية. وفضاءات هذه المكتبة كانت تمنحني الأمل حول قيمة وأهمية الكتاب والأدباء والمفكرين الأحياء والراحلين في بلد يحترم الفكر والإبداع، ويكرم رموز الثقافة ويضع لهم تماثيل ونصبا تذكارية في الشوارع والساحات والحدائق العامة. وما يثير الانتباه أن هذه المكتبة عليها إقبال كبير في اقتناء الكتب وكنت أرى في كل مرة الصف الطويل من طرف الطلبة والآباء والسياح وهم مبتسمون في انتظار الوصول إلى صندوق الأداء بعد أن اختاروا بعض العناوين أو تذكارات مثل قبعات وجاكيتات وكؤوس تحمل اسم هارفارد. ومع نهاية شهر آب (أغسطس) أصبح ميدان هارفارد الذي هو ساحة مثلثة عند تقاطع شارع ماساتشوستس وشارع براتل وشارع جون إف كينيدي بالقرب من وسط كامبريدج في ولاية ماساتشوستس أكثر حيوية ونشاطا لبداية عام دراسي جديد بالجامعة حيث اللقاء بالزملاء والزميلات . إنه فضاء في منتهى الروعة يبعث على الأمل والتفاؤل: شبان وشابات شقراوات في مقتبل العمر، متطلعون جميعهم لغد أفضل ومستقبل زاهر، وهم يتبادلون الأحاديث عن الموسم الدراسي الجديد وعن الشقق المشتركة التي سيقيمون فيها طيلة السنة ، حيث تظل الجامعة حلمهم وطموح أسرهم لأجل التخرج من كلية هارفارد العريقة التي يعتبر مستقبل التخرج منها تشريفا وامتيازا يضمن الاندماج في سوق الشغل مباشرة ، وتعتبر جامعة هارفارد التي تأسست في عام 1636 في كامبريدج، ماساشوستس، أقدم مؤسسة للتعليم العالي في الولايات المتحدة كما تعتبر واحدة من أعرق الكليات في العالم، وتكاليف الدراسة بها باهظة جدا ، ولهذا مع بداية الموسم الدراسي الذي يكون بشكل مبكر شاهدت الآباء من مختلف جنسيات العالم يتجولون في الجامعة والاستفسار عن طرق التدريس والاستماع لتوضيحات الطلبة القدامى الذين يشاركونهم أفكارهم وتجاربهم السابقة مع آباء الطلبة الجدد لأجل الاستعداد للموسم الدراسي الجديد .