فاتح عبد السلام
تفخيخ أجهزة اتصالات “حزب الله” في لبنان وسوريا، هو رأس الجبل الجليدي المدفون في حرب التكنولوجيا التجسسية التي لا توجد كشوفات دقيقة حتى الان عن مديات اختراقها وايغالها في الاعماق.
الجهة التي نفّذت الهجوم، سواء كانت إسرائيل أو غيرها، لم تكن لتكشف عن هذا السلاح التدميري الغامض لولا امتلاكها تكملة تدميرية أخرى أقوى وأشد، عبر وسائل تكنولوجية واتصالاتية لم يتم تجريبها، ذلك انّ معارك الصراع في الشرق الأوسط لا تزال في أولها وليس من المعقول ان تنزل اية قوة بكامل أسلحتها دفعة واحدة.
لعلّ هذا “التفخيخ الذاتي” الموقوت هو رسالة أوسع، في أثرها التدميري والنفسي، ضمن صراع العرب غير المطبعين وإسرائيل او الصراع بين محورين. ولعلها رسالة الى إيران بشأن مفاعلاتها النووية التي تقترب من انتاج السلاح المحظور بحسب تقارير غربية، وانّ المفاعلات قد تواجه أسلحة من داخل برامجها وآلياتها وسياقاتها وبأيدي العاملين فيها من دون أن يدروا ماذا يحصل حولهم.
إنّها قنبلة الخوف التي تفجّرت في توقيت صعب من صراع الشرق الأوسط، وحرب غزة التي لا يدفع أثمانها الباهظة سوى أهالي القطاع الفلسطيني، في حين ان الاخرين لا يفعلون أكثر من ايقاد أعواد ثقاب ورميها من بعيد، كلّما اتجهت الحرب نحو هدنة موعودة، ويلعب بشروطها وحيثياتها نتانياهو قبل غيره.
احد الخبراء يقول أنّ الأجهزة التي يستعملها “حزب الله” ملغومة ذاتياً عبر تكنولوجيا التصنيع قبل تصديرها ومنذ سنوات لكن الحاجة استحق أوانها الان في تفعيل خواص تشفير التدمير ، وانّ جميع هذا النوع معروف استخدامه من قبل الأجهزة السرية والأمنية والتنظيمات المهمة، وانّ من الممكن الوصول الى شفرات جميع تلك الأجهزة المصنعة سواء كانت بيد عناصر حزب الله او سواهم.
بلاشك انّ حروب الحاضر ولا أقول المستقبل، هي تكنولوجية وسيبرانية بامتياز، وانّ الدول الكبرى تتلقى فيما بينها طعنات متكررة منذ نهاية الحرب الباردة، وان الخشية الغربية واضحة من اختراقات روسية وصينية وكورية، وهذه حروب متكاملة بحد ذاتها لأنها قد تصل في الاختراقات الى مناطق حساسة وخزائن أسلحة غير تقليدية. وسبق أن سرّبت بعض الصحف الامريكية في العقود الماضية سيناريوهات عن خروج الأسلحة النووية عن سيطرة أصحابها وانطلاقها من دون اذن، و نظر العالم الى ذلك بوصفه مبالغات للتحذير اكثر منها أمور قابلة للتحقيق.
في النهاية، هناك حقيقة ساطعة هي انّ التكنولوجيا قد تنقلب من صديق ودود الى عدو قاتل، من دون ان تعرف السبب أو حتى لو عرفت السبب لن تستطيع أن تفهم ماذا يحدث بالضبط ، خاصة اذا كنت مستهلكاً لها كالعرب، ولست مالكاً أسرارها.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية