الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نظرات في قانون الأحوال الشخصيّة الجديد

بواسطة azzaman

الأسباب - الخيارات - العقبات     (2)

نظرات في قانون الأحوال الشخصيّة الجديد

حسن الياسري

 

الخيارات المتاحة بصدد سنِّ قانون الأحوال الشخصية الجديد

في عام 2007 أصدرت رئاسة مجلس النواب ابان الدورة البرلمانية الأولى قراراً بتكليفي برئاسة لجنةٍ من الخبراء المستقلين من خارج المجلس تأخذ على عاتقها مهمة وضع مقترح مشروع قانونٍ جديدٍ للأحوال الشخصية تنفيذاً لدستور عام 2005.وحيث إنَّ نجاح مثل هذا الأمر يستلزم الاستئناس برأي جهةٍ لها اعتبار عند الشعب العراقي ، لذا وضعتُ -في ذلك الحين- دراسةً موجزةً قدمتها لهذه الجهة تتناول الخيارات التي يمكن تقديمها والآليات التي يمكن سلوكها في سنِّ هذا القانون. وبالنظر لتصاعد وتيرة الإرهاب القاعدي الطائفي وقتئذٍ فقد أُبلغت بأنَّ هذه الجهة ترى أنَّ الوقت غير مناسب لهذا الطرح ، فاعتذرت عن الاستمرار في العمل ، وانتهى الموضوع في حينه.

وإذْ يكثر الكلام في هذه الأيام عن وجود مقترحٍ من مجلس النواب لتعديل قانون الأحوال الشخصية ؛ فأجد من الضرورة بمكانٍ إعادة طرح ما ورد في تلك الدراسة بعد تنقيحها وتطويرها. إنَّ هذه الخيارات التي سأعرضها إنما تمثل تصوراتٍ وحلولاً قانونيةً لكيفية سنِّ هذا القانون بصرف النظر عما إذا كنا مقتنعين بها أو لا، ونحن نضعها بين يدي الرأي العام والمعنيين.

احوال شخصية

1ـ الخيار الأول : تعدد القوانين :

  بالنظر لكون المادة (41) من الدستور قد نصت على أنَّ العراقيين أحرارٌ في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم او معتقداتهم أو اختياراتهم فإنَّ مؤدى هذا النص من الناحية القانونية ضرورة تعدد قوانين الأحوال الشخصية للعراقيين ؛ فينبغي والحال هذه أنْ يكون ثمة قانونٌ للمسلمين الشيعة، وقانونٌ ثانٍ للمسلمين السُنَّة، وقانونٌ ثالث هو القانون الوضعي -النافذ حالياً- الذي سيبقى مطبقاً على أولئك الأفراد الذين يريدون الاحتكام إليه.

إنَّ العمل بهذا الخيار لا ينسجم مع الدستور فحسب، وإنما ينسجم مع كل المواثيق والعهود الدولية التي تؤكد على ضرورة احترام حقوق الانسان وحرياته، وفي مقدمة ذلك حق الانسان في احترام عقيدته، وأنْ يكون حراً في اعتناقها، ما دامت منسجمةً مع النظام العام والآداب العامة.

وبناءً على ذلك فإنَّ تطبيق القانون الحالي -الذي هو عبارة عن خلطةٍ فقهيةٍ من المذاهب المختلفة وبعض تعديلات النظام السابق التي لا تنسجم البتة مع الشريعة- واخضاع الجميع له سيولِّد أثرين مهمين :

-أولهما: إنه سينتهك حقوق الانسان وحريته في اعتناق دينٍ ما، وتطبيق ذلك الدين في علاقاته الشخصية ذات البُعد الديني، ولا سيما أننا علمنا مما تقدم في الجزء الأول أنَّ قانون الأحوال الشخصية مرتبطٌ أساساً بحرية الإنسان في العقيدة ، سواءٌ في العراق أو في الدول العربية.

-وثانيهما: إنه سيُفضي إلى حصول صراعٍ نفسي في داخل الانسان «المواطن» العراقي المتدين، فهل سيقوم بمراعاة القانون ولو أستدعى ذلك وقوعه تحت طائلة المسائلة الشرعية لأنه سيكون آثماً أمام الله سبحانه وتعالى ؟ أم أنه سيضحي بكل شيء من أجل كسب مرضاة الخالق عز شأنه ؟ الأمر الذي يعني خرق القانون !!

لا ريب في أنَّ صراعاً مثل هذا ليس من مصلحة القانون الذي يريد بناء مجتمعٍ متماسك، وليس من مصلحة الدولة التي تريد بناء مجتمعٍ قائم على احترام القانون واخضاع جميع التصرفات للميزان القانوني، بل أكثر من ذلك إننا سنرّبي مجتمعاً متمرداً على القانون ولا يرغب في احترامه، ويحاول اقتناص الفرص من أجل التحايل على نصوصه، وهذا ما حدث بالفعل في ظل الانظمة الدكتاتورية السابقة. وتأسيساً على ذلك سيسهم تشريع قانون الأحوال الشخصية الجديد بما يكفل احترام عقيدة المواطن العراقي ودينه في التخلص من هذه المشكلة، فضلاً عن الالتزام بالدستور.

إنَّ خيار تعدد قوانين الأحوال الشخصية اعتمدته بعض القوانين العربية ، كما ذكرنا فيما سلف في الجزء الأول. 

2ـ الخيار الثاني : تعدد المحاكم :

بمقتضى هذا الخيار تُقسَّم محاكم الأحوال الشخصية على هيئاتٍ ثلاث ، هي :

 هيئةٌ أولى خاصةٌ بالأحوال الشخصية للشيعة الإماميَّة ، تُطبِّق فيه المحاكم الأحكام الفقهية الخاصة بهم ، وهيئةٌ ثانية خاصةٌ بالأحوال الشخصية للسُنَّة تُطبِّق فيه المحاكم الأحكام الفقهية الخاصة بهم ، وهيئةٌ ثالثةٌ تطبِّق فيه المحاكم نصوص القانون الوضعي الحالي على من لا يرغب في الاحتكام إلى الأحكام الفقهية.

إنَّ هذا الخيار ليس بدعاً في البناء القانوني العراقي والعربي، لأننا نعلم أنَّ هذه المحاكم كانت موجودةً في العراق ابان العهد الملكي، وهي موجودةٌ الآن في الدول العربية التي يتواجد فيها المذهبان مثل السعودية والبحرين والكويت وقطر ولبنان، إذ توجد في هذه الدول محاكم شرعيةٌ –أحوال شخصية- للسُنَّة وللشيعة.

3ـ الخيار الثالث : المدونة الفقهية :

وهو الخيار المقترح حالياً من مجلس النواب، وبموجبه يتم تعديل القانون الوضعي الحالي بحيث يصار إلى قيام محاكم الأحوال الشخصية بتطبيق الآراء الفقهية للمذهبين من خلال (المدونة الفقهية) التي يتم إعدادها من قبل الوقفين ، ويبقى القانون الحالي نافذاً لمن لا يرغب في تطبيق المذهبين عليه. إنَّ هذا الخيار يختلف عن الخيار الأول -تعدد القوانين- من حيث إنَّ الأول يتطلب تعدد القوانين في حين يتطلب هذا الخيار مدونةً تضم الفقهين.

4ـ الخيار الرابع : بقاء القانون الحالي مع سنِّ قانونٍ آخر للشيعة الإماميَّة :

قانون جديد

ما دام البعض لا يرغب بفكرة سنِّ قانونٍ جديد للمذهبين ، وما دام السُنَّة بصفةٍ عامةٍ لا يشعرون بالحرج من القانون الوضعي الحالي على الرغم من أنَّ بعضاً من نصوصه تخالف الفقه السُني ، بل لا يشعرون بالحرج من قانونٍ ما بالنظر لكون السلطة الوضعية المختصة قد وضعته، ولذا نقد بعض علمائهم خطوة مجلس النواب المذكورة في الخيار الثالث ، وما دام الشيعة الإماميَّة هم الوحيدون الذين لا يقبلون بتنفيذ قانونٍ يحكم أحوالهم الشخصية يخالف فقه أهل البيت عليهم السلام ، وما دام الدستور قد كفل للعراقيين جميعاً الحرية في أحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم ؛ فلا مناص من سنِّ قانونٍ جديدٍ على وفق مذهب الشيعة الإماميَّة يسري عليهم في أحوالهم الشخصية ، مع بقاء القانون الوضعي الحالي سارياً على السُنَّة وعلى العراقيين الآخرين الذين يرغبون في ذلك ولو كانوا من الشيعة. وبهذه المثابة نكون قد حققنا هدفين :

الأول : الإبقاء على القانون الوضعي الحالي بصفةٍ عامةٍ.

الثاني : مراعاة الجوانب الدينية للفئة التي يمثل مواطنوها الأغلبية في البلد ، وعدم اخضاع تصرفاتهم وأحوالهم الشخصية إلى غير المذهب الذي يدينون به ، إذ لا يوجد قانونٌ شخصيٌّ في الدنيا لا يراعي أغلبية المواطنين. ولقد علمنا مما تقدم في الجزء الأول من هذه الدراسة أنَّ الدول العربية التي يوجد فيها مواطنون من المذهبين ما زالت تراعي تطبيق المذهبين على أتباعهما ولا تلزمهما بنصٍ يمثلٍ توجُّهاً فقهياً واحداً ، وأنَّ العراقيين غير المسلمين لا يسري عليهم قانون الأحوال الشخصية، بل أحكامهم الدينية الفقهية الخاصة بكل مذهبٍ وطائفةٍ منهم، فكيف يمكن مراعاة كل ذلك وكل تلك الأقليات وهدر رأي وعقيدة أغلبية المواطنين في الدولة !!  إنَّ هذا الخيار يعدُّ خياراً معقولاً  لعدة أسبابٍ ؛ لعلَّ في مقدمتها أنه خيارٌ ينسجم مع المسار الديمقراطي الذي يكفل احترام عقيدة غالبية المواطنين من جهةٍ ، وعدم إلزام الآخرين بقانونٍ لا يرتضونه لحُكم أحوالهم الشخصية من جهةٍ ثانيةٍ ، كما أنه خيارٌ يتفق مع المسار الدستوري الذي يمثِّل إلزاماً لا بُدَّ من تنفيذه من جهةٍ ثالثةٍ. وللحديث تتمة لإكمال بقية الخيارات.


مشاهدات 113
الكاتب حسن الياسري
أضيف 2024/08/10 - 12:01 AM
آخر تحديث 2024/08/14 - 10:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 397 الشهر 5969 الكلي 9981513
الوقت الآن
الأربعاء 2024/8/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير