الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قبر زُمُرُّد خاتون عمارة سلجوقية تصارع الزمن

بواسطة azzaman

سلسلة أبنية تراثية بغدادية

قبر زُمُرُّد خاتون عمارة سلجوقية تصارع الزمن

 

صلاح عبد الرزاق

 

تعد قبة زمرد خاتون واحدة من أشهر معالم العمارة السلجوقية الماثلة إلى اليوم في بغداد حاضرة العباسيين وتعد مثالا فريدا وكامل النضج للقباب المقرنصة التي اشتهرت بها عمارة السلاجقة. ويعرف القبر خطئاً عند العامة بانه لزبيدة زوجة هارون الرشيد ، وهذا ما ينفيه المؤرخون المعروفون. (1)

دور متنامي لجواري البلاط العباسي

في زمن الخليفة المستضيء بالله شهد قصر التاج، محل إقامته نشاطاً ملحوظاً للجواري، أشهرهن ذخر خاتون وبنفشا والجارية شرف، كما كثر جلب الغلمان والخدم واستخدامهم في أمور قصر الخلافة ، ويقول ابن الجوزي ان الخليفة الجديد احتجب عن اكثر الناس ، فلم يركب الا مع الخدم ولا يدخل عليه غيرهم .

وكان الخليفة المستضئ بالله قد اشتري بعض الجواري وأعتقهن وتزوجهن ، منهن بنفشة ولها شأن عظيم في التاريخ. وهي رومية الدم ، نشأت في اليمامة وأوصلها الرق إلى دار الخلافة عندما اشتراها المستضيء بالله بمبلغ عشرة آلاف دينار. وساعدها الوجه الحسن إلى أن تصبح محظية الخليفة وتحتل مكانة عالية ومنزلة رفيعة لديه لأنه كان كثير الميل والمحبة لها. فكان حكمها نافذ والنهي في القصر العباسي . ومن مميزات هذه الجارية إنها كانت تمتلك داراً تقع جنوب بغداد على شاطئ دجلة جعلتها مدرسة سميت (مدرسة بنفشة) على المذهب الحنبلي. كما بنت قنطرة على نهر عيسى (الصقلاوية حالياً). وعقدت جسراً على نهر دجلة عند مدرسة بنفشا.  

 

زمرد خاتون

كانت زمرد خاتون جارية تركية قدمت من شرقي التركستان إلى بغداد، واحتلت مكانتها كجارية في القصر العباسي إلا أنها أثارت إعجاب الخليفة المستضيء بالله بجمالها فأعتقها ثم تزوجها سنة ( 552هـ / 1157م) وكانت أثيرة عنده لاسيما بعدما أنجبت له ابنه ولي العهد أحمد عام (553 هـ / 1178 م) الذي صار فيما بعد خليفة للمسلمين باسم أحمد الناصر لدين الله. كان المستضيء بالله هو الخليفة الثالث والثلاثون في ترتيب خلفاء الدولة العباسية وقد ولد عام ( 536هـ / 1142م) لأم أرمينية تزوجها أبوه الخليفة المستنجد بالله وتولى الخلافة وهو في الثلاثين من العمر. (2)

توفي المستضيء بأمر الله في ( 30 شوال من عام 575هـ / 1180م). تفرغت زمرد خاتون لأعمال البر والصدقات وبر الأيتام والفقراء وذوي الحاجات. وعنيت بإنشاء جامع ومدرسة إسلامية وضريح لها قرب مرقد معروف الكرخي وخصصت أوقافا للإنفاق من ريعها على وظائف تدريس المذهب الشافعي. اعتادت في موسم الحج توزيع الأموال على الحجاج. كما كانت توزع الأعطيات عند وصولها إلى مكة لأداء الحج وتعنى بالآبار واستراحات الحجاج. وكانت مدرستها على المذهب الشافعي الذي تعتنقه. وقد افتتحتها عام ( 589 هـ / 1193م) وأمرت أن يكون مدرساً فيها فخر الدين النوفاني الشافعي. وأمرت أن تخلع عليه خلعة جميلة وعمامة وطرحة. والطرحة هي طيلسان المدرسين. وأجرت له جراية حسنة ومشاهرة كثيرة ، وسكن طلابه في المدرسة وسكن هو في دار متصلة بها ، بنيت لأجله. وبنت مسجداً في موضع الحظائر على دجلة ، ويُعرف اليوم بمسجد الخفافين جنوبي المدرسة المستنصرية ، لم يبق منه إلا المنارة ، وهي أقدم المنارات في بغداد لأنها بنيت قبل انتهاء القرن السادس للهجرة. وعلى طرازها بنيت كل منائر بغداد من القرون الخالية بعد إنشائها حتى اليوم. وجددت بناء رباط كان قرب مشهد عبيد الله العلوي المعروف اليوم بأبي رابعة شرقي الأعظمية. (3)

وكانت زمرد خاتون تقيم في دار عظيمة فخمة تعرف بدار سوق التمر. وسوق التمر هو سوق السموأل الحالي . ومحل هذه الدار اليوم خان قريب من باب سوق المستنصر، ثم نزلت عن هذا القصر لضرتها بنفشة ، لأنها أعانت ابنها الناصر لدين الله على تولي الخلافة ، وقد كادت تولي أخاه أبا منصور هاشماً. وماتت السيدة بنفشة قبلها بعدة شهور ، فتولت هي أمرها وجهزتها أحسن جهاز ، ودفنتها في تربتها تحت قبة زمرد ، ثم دُفنت هي بعد بنفشة. (4)

يقول العلامة مصطفى جواد : عاشت في خلافة ابنها  أربعاً وعشرين سنة ، وحجّت ووقفت المدارس والربط والجوامع ، ولها أوقاف كثيرة في القربات. وقد أنفقت في حجها ثلاثمائة ألف دينار. وقد حزن عليها ابنها الخليفة ومشى أمام تابوتها ، وحُملت إلى تربة معروف الكرخي وشيّعها الأكابر.. وعمل عزاؤها شهراً ، وأنشدت المراثي. وأمر الخليفة بتفريق ما خلفته من ذهب وجوهر وثياب. توفيت في ربيع الآخر عام ( 599 هـ / 1202 م) فعظم على الخليفة مصابها ، وتجرع لفقدها مر الاحزان . وتقدم إلى الوزير وأرباب الدولة والمدرسين بالحضور إلى باطن دار الخلافة للصلاة عليها، فلبسوا ثياب العزاء (البيض) ورفعت الفرز والطرحات والبسملة من بين يدي الأمراء. وخرج الوزير نصير الدين ناصر بن مهدي ماشياً من داره إلى دار الخلافة. وصلى عليها ولدها الناصر لدين الله ، ثم أمَّ بالجماعة الوزير ، وأنزلت في الشارة ، ونزل الناس في السفن قياماً. ولم يزل الوزير وأرباب المناصب يترددون إلى التربة شهراً كاملاً بثياب العزاء البيض. وما ضُرب طبل ولا شُهر سيف ولا تودي ببسم الله للأمراء. ودام لبس ثياب العزاء سنة كاملة. وهذا أمر لم يعُمل مثله بأحد بل ولا بخليفة. (5)

ولما مات حفيد زمرد خاتون وبعد اثنتي عشرة سنة من وفاتها ، أبو الحسن علي بن الخليفة الناصر لدين الله الملقب بالملك المعظم ولي عهد الخلافة العباسية ونائب أبيه في الفتوة ، فدفن مع جدته زمرد خاتون في مقبرة الشيخ معروف الكرخي. وآخر من دفنت تحت هذه القبة هي عائشة خانم بنت مصطفى باشا وكانت زوجة حسن باشا والي بغداد وذلك سنة (1131 هـ / 1718 م). (6)

طراز القباب المخروطية

تعد القباب المخروطية ظاهرة معمارية انتشرت في العراق وتدعى بالعمارة السلجوقية. فقد استولى بنو بويه على السلطة سنة ( 321 هـ / 933 م) ، ولم يكن للخليفة العباسي معهم إلا الاسم والدعاء له على المنابر وكتابة اسمه على النقود المعدنية. ومنذ سنة ( 447 هـ / 1055 م) حكم السلاجقة في العهد العباسي المتأخر حيث لم يعد للخليفة سوى الاسم منذ عهد المتوكل على الله. وجردوا الخليفة العباسي من كل سلطان فأصبح لا عمل له إلا استقبال السلاطين القادمين لزيارة بغداد للتبرك أو الحصول على ما يؤكد سلطانهم أو تسليم الهدايا للخليفة.

بعد قرن ونصف أي في عام ( 590 هـ / 1194م) انتهت دولة آل سلجوق وقُتل طغرل بك آخر سلاطينهم ، وجيء برأسه إلى بغداد بعد هزيمته في معركة مع الخوارزميين.

ديوان الأبنية وإنجازاته في بغداد

شهد عمران الأبنية في العصر العباسي ولأول مرة تأسيس دائرة هندسية سميت (ديوان الأبنية) أو (ديوان العمائر) ، والغرض منه الاشراف على تشييد مباني الدولة وما يأمر ببنائه الخليفة وأفراد حاشيته. كما يقوم بأعمال الترميم والإصلاح للأبنية. وقد نشط الديوان بشكل فعال في خلافة الناصر لدين الله سنة ( 575 هـ / 1178 م) حيث يبدو دور الديوان وأخباره ينتشر في المصادر التاريخية.

وبلغت العمارة في عهده درجة عالية من التقدم والرقي كماً ونوعاً. يقول ابن الكازروني أن الديوان عمّر المساجد وجدّد المشاهد ، وبنى الأربطة والمدارس وأثر الآثار الجميلة.  (7)

وجرت العادة أن يتولى أستاذ الدار رئاسة ديوان الأبنية. وأول من تولاه في خلافة الناصر مجدد الدين أبو الفضل هبة الله بن علي بن هبة الله ابن الصاحب ، الذي قتل سنة ( 583 هـ / 1187 م) بسبب استبداده حيث كان متحكماً في الدولة ليس للخليفة معه حكم. وتولى من بعده أستاذية الدار عبد الله بن يونس. ولكثرة المهام التي على الديوان الاضطلاع بها تم تعيين نواب لرئيس الديوان لتولى مهام مختلفة. ومن الذين تولوا رئاسة الديوان تاج الدين أبو الحسن علي بن الأنباري الواسطي. وقد أعفي من منصبه قبيل وفاته سنة ( 631 هـ / 1234 م) ، وخلفه فخر الدين أبو البركات علي بن عبد الرحيم بن أحمد ابن جدا الهيتي الحاجب الكاتب المتوفى سنة (635 هـ / 1237 م). وفي عام (640 هـ / 1242 م) تولى المنصب أخوه عز الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحيم . وخلع عليه بمناسبة تولية لهذا المنصب بدار الوزارة. (8)

وقد أشرف أبو المظفر جلال الدين عبد الله بن يونس على بناء مقبرة زمرد خاتون. فقد خلف والده في وكالة أم الناصر علاوة على ذلك فإنه كان ممن تولوا ديوان الأبنية ، مما يرجح قيام الديوان ببناء مرقد زمرد خاتون.

وكان للديوان مهندس يتولى ترتيب العمائر وتقديرها ويحكم على أرباب صناعتها. وممن تولى وظيفة مهندس بديوان الأبنية أبو الحسن جعفر بن محمد القطاع المعروف بالسديد البغدادي المتوفى سنة (602 هـ / 1205 م)، وكان مسؤولاً عن العمارة والقسمة والهندسة. كما يقوم بتخطيط الموقع وحفر الأسس ووضع التصاميم المعمارية والخرائط المطلوبة للبناء. وكان للديوان مخازن يحفظ فيها مواد البناء كالنورة والجص والخشب والمواد الداخلة في الأبنية ، إضافة إلى الأدوات والآلات والقناديل والسلالم والصقالات والأواني والفرش والحصر وغيرها.

وعندما يكون البناء يخص الخليفة أو أحد أفراد أسرته فإن العمل يتوقف في بقية الأبنية وحتى العائدة للحكومة لحين إكمال دار البناء المطلوب. فعندما أمر الخليفة الناصر ببناء دار على أنقاض دار الفلك ، طلب من رئيس الديوان أن لا يمكن من عمارة إلى أن يفرغ من هذه الدار ، فجمع إليها جميع الصناع والنجارين والعمال ، فلم يتخلف أحد من الصناع ببغداد إلا وحضر إليها. (9)

 

ومن أبرز إنجازات ديوان الأبنية هي:

1-مسجد سوق السلطان في محلة الميدان ولم يبق له أثر.

2- مسجد زمرد خاتون على ضفة دجلة الشرقية قرب المدرسة المستنصرية ، ويعرف بمسجد الخفافين والحظائر. وقد شيد عام ( 580 / 1184 م).

3- منارة مسجد معروف الكرخي عام (612 هـ / 1215 م)

4-مسجد قرية على ضفة نهر دجلة الغربية قبالة سوق الجديد . وقد افتتح في شعبان سنة ( 626 هـ / 1229 م). وقد أضاعت أعمال التجديد والترميم معالمه الأصلية ، ولم يتبق منه سوى منارته.

5-مشهد الشيخ علي الهيتي المتوفي سنة (564 هـ / 1169 م) ، ويقع في قرية زرزيران الواقعة في طريق الحج بين بغداد والكوفة. وقد أمرت زمرد خاتون بعمارة المشهد والرباط.

6- مشهد عون ومعين في الطريق إلى باب البصرة. وقد زاره الرحالة ابن جبير سنة ( 580 هـ / 1184 م) وقال عنه: مشهد حفيل البنيان داخله قبر متسع السنام عليه مكتوب هذا قبر عون ومعين من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وقد جرفه نهر دجلة ولم يعد له أثر ، وكان يقع في محلة خضر الياس الحالية في منطقة الرحمانية (شارع حيفا).

7-مشهد عبيد الله يقع عند القبر المعروف بأبي رابعة شرقي الأعظمية. وقد تهدم المشهد والرباط المجاور له اثر فيضان دجلة وغرق بغداد سنة (653 هـ / 1255 م). والرباط من أبنية زمرد خاتون.

8- مقبرة المستضيء بأمر الله المتوفى سنة (575 هـ / 1179 م) فأمر ابنه الخليفة الناصر لدين الله ببناء تربة له بجوار جامع فخر الدولة غربي دجلة من بغداد عند رأس الجسر. وتولى عمارتها رئيس الديوان ابن الصاحب وتكاملت سنة (577 هـ / 1181 م). ولم يعد لهذه التربة أي أثر.

9-تربة الأخلاطية ، وهي تربة سلجوقة خاتون بنت قلج أرسلان زوجة الناصر المتوفاة سنة (584 هـ / 1188 م) ، ولم يعد لها أثر.

10- تربة زمرد خاتون التي لا تزال قائمة حتى الآن.

11- مدفن الخليفة الناصر لدين الله الذي أعد لنفسه بجوار الأمام محمد الجواد ، فلم يدفنه ابنه الظاهر فيه. وعندما توفي الشيخ نصير الدين الطوسي سنة (672 هـ / 1273 م) دُفن فيه.

12- رباط السيدة زمرد خاتون بالمأمونية ، وكان موضعه دار سنقر الصغير الذي أمر الخليفة الناصر لدين الله بهدمه ، فطلبت منه والدته زمرد خاتون الموضع لتبني فيه رباطاً للصوفية. بوشر العمل فيه عام (577 هـ / 1181 م) وافتتح سنة (580 هـ / 1184 م) ولم يعد له أثر.

13- رباط الأخلاطية بجوار قبرها ، ولم بعد له أثر.

14- رباط بالجانب الغربي الذي أمر ببنائه الخليفة الناصر وافتتح سنة (585 هـ / 1189م)

15- رباط الحريم ، يقول ابن الأثير في حوادث سنة (589 هـ / 1193 م) : وفيها فرغ من عمارة الرباط الذي أمر ببنائه الخليفة أيضاً بالحريم الظاهري غربي بغداد على دجلة ، وهو من أحسن الربط ونقل إليه كتباً كثيرة من أحسن الكتب.

16- رباط زمرد خاتون بجوار تربتها ، ولم يعد له وجود.

17- رباط المرزبانية ، بناه الخليفة الناصر لدين الله سنة (599 هـ / 1202 م) على نهر عيسى للشيخ شهاب الدين عمر السهروردي. وبنى له إلى جانبه داراً واسعاً وبستاناً يسكنها بأهله.

18- مدرسة زمرد خاتون ، وهي مدرسة الأصحاب ، كانت تقع بجوار تربتها ، لم يعد لها أثر.

19- صومعة لمقدم الفتيان ، شيدها الخليفة الناصر لدين الله لمقدم الفتيان الشيخ عبد الجبار سنة (580 هـ / 1184 م) جنوب بغداد. وأخذ الناصر يكثر من التردد إليها والتحدث مع الشيخ عبد الجبار في الفتوة ومعرفة الفتيان.

20- دار الضيافة لإفطار الصائمين، يقول ابن الجوزي في حوادث سنة (604 هـ / 1207 م) (وفيها رتب الخليفة في رمضان دور المضيف ببغداد من الجانبين عشرين دارا).

21- دار ضيافة الحاج ، وكانت في الجانب الغربي من بغداد على مقربة من التربة الأخلاطية. أمر الناصر بعمارتها في محرم سنة (605 هـ / 1208 م) وانتهت في نفس السنة. واتخذت دار مقام للحجاج والواردين من البلاد ، ورتب الخليفة لهم فنون الأطعمة.

22- دار المسناة الناصرية ، وهي أول دار بناها الناصر لنزهته على شاطئ دجلة ، على طرف السور مما يلي دجلة ، وفرغ منها سنة (577 هـ / 1181 م). واختلف الباحثون في البناية القائمة اليوم والمعروفة بالقصر العباسي (خلف وزارة الدفاع في باب المعظم) ، فمنهم يرى أنها دار المسناة الناصرية ، ومنهم من يذهب إلى أنها المدرسة الشرابية. وكان الناصر (قد رتب فيها جماعة من المماليك والخدم لحفظها وحراستها يلازمون الخدمة فيها دائماً. فإذا كان راكباً في دجلة أو على ظهر وأراد الدخول إليها تكون مهيأة للقعود فيها والسكنى بها. وجعل لهذه الدار حرمة قاطعة كحرمة التاج الشريف بحيث لا يقدر أحد يقعد تحتها ولا يدنو منها ، إلا إن كان سائراً في سفينة فحسب). ويضيف الأيوبي (إنها أول دار فرشت طوابق ملونة : أزرق وأحمر وسائر الألوان).

23- دار الفلك ، وعرفت بهذا الاسم نسبة إلى رجل ضرير اسمه الفلك. توفي في خلافة المستضيء ولم يكن له وارث سوى بيت المال. فأمر الناصر سنة (580 هـ / 1184 م) بهدم الدار وتسويتها بالأرض وبنائها داراً خاصة به. وعند انتهاء البناء (زوقوها بالصور الآدمية ، وزخرفت الدار بالذهب والفضة حتى ذكر انه لم يعمر مثلها). كما (رتب في الدار جماعة كثيرة لحفظها وجعل لهذه الدار حرمة كحرمة التاج). وكانت تقع على دجلة بينها وبينه خطوات).

وهذه الدار هي غير دار الفلك التي جعلت رباطاً. يقول سبط ابن الجوزي في حوادث سنة (586 هـ / 1190 م) (بنى الخليفة دار الفلك ، ورتب فيها ابنه السيد العلوي. ويقال لها ست الخدور). وموقعها حسبما يراه الدكتور مصطفى جواد في دار الخلافة).

وفي عام (652 هـ / 1254 م) ، قبل الغزو المغولي لبغداد بأربع سنوات ، أوقف الخليفة المستعصم بالله دار الشط المجاورة لدار الفلك واتخذت رباطاً للنساء ، جعل شيخته الشريفة بنت المهدي.

24- دار الناصر في ناحية حسناباذ ، وقد أمر الناصر سنة (580 هـ / 1184 م) بعمارتها والتعجيل فيها. وكان يخرج إليها (ومعه جماعة لرمي البندق ، ويلبس ثياب الرماة ، ويرمي مع جماعة منهم ليلاً وبكرة وعشية). وأولع الناصر برمي البندق وصيد الحمام وتربيته. وقد أمر أصحابه أن (يعمروا مبارح ودوراً للحمام ). وكانت تلك خير مادة للتشنيع عليه ، يقول ابن الأثير (وجعل جل همه في رمي البندق والطيور المناسيب وسراويلات الفتوة).

25- الدار البيضاء وهي التي كان يسكنها عند التاج

26- داراً خاصة بالناصر تقع على دجلة وسط بستان ، يلصق البيمارستان العضدي. أمر بعمارتها سنة (580 هـ / 1184م) (فعمرت على أحسن ما تكون العمارة) . وكان دائم الخروج إليها للفرجة والتنزه.

27- دور لبعض خواصه ، فقد كان يمنح بعضهم دوراً خاصة بهم. فقد أعطى الداية داراً حسنة بالرياحين، وللربيب بن رزين داراً جميلة في درب الصاغة ، ولمحمد بن يحيى الفراش داراً عند عقد الجديد بجوار حمام الوراقين ، ومنح لآق سنقر داراً في درب نصير.

28- باب الطلسم أو باب الحلبة ، وقام الخليفة الناصر لدين الله بتجديد أسوار بغداد الشرقية. كما جدّد باب الحلبة ، وأنشأ برجاً ضخماً فوقه وذلك في سنة (618 هـ / 1221 م) كما هو مثبت على البرج. وقد نسفه العثمانيون عن انسحابهم من بغداد في 11 آذار 1917 بعد دخول القوات البريطانية من جنوب بغداد.

للأسف كثير من أبنية العصر العباسي قد اندثرت وتهدمت بفعل العوامل الطبيعية كالزلازل والصواعق والحرائق والفيضانات. كما ساهمت الحروب والفتن الداخلية في تخريب الأبنية والتعمد في محو أسماء مشيديها. فقد هدم الحجاج بن يوسف الثقفي دار الامارة في محاولة لطمس ذكر زياد بن أبيه. وكان بعض الخلفاء العباسيين إذا ما سخط على أحد عماله فلا يكتفون بجسنه ومصادرة أموالهم بل يعمدون إلى هدم دورهم.

ومن الأساليب السيئة قيام بعض الخلفاء والحكام بهدم الأبنية والاستفادة من طابوقها لبناء أبنية جديدة. فقد سعى أبو جعفر المنصور لهدم طاق كسرى عندما عزم على بناء مدينته المنورة ، وبالفعل بوشر بذلك غير أنه لاحظ أن تكاليف النقل أكثر مما لو صنع طابوقاً جديداً فأوقف الهدم.

وعندما انتقل بنو العباس بخلافتهم من سامراء إلى بغداد نقضت الكثير من أبنيتها وحملت موادها إلى بغداد لعمارة بعض أبنيتها. وقد انتشرت أقول مأثورة بخصوص هدم الأبنية واستخدامها في أبنية جديدة منها (الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب) ، (اتقوا الحجر الحرام في البنيان فأنه أساس الخراب) . وقيل (كل دار بنيت على وجه الاغتصاب يكون مآلها إلى الاندراس).

أما عادة نبش القبور فقد مارسها العباسيون أول أمرهم عندما نبشوا قبور بني أمية وأخرقوا رفات الخلفاء الأمويين. وقام المنصور بنبش مائة قبر ليدفن في أحدها كي لا يعرف أحد مكان قبره.

وفي سنة (236 هـ / 850 م) أمر المتوكل على الله بهدم قبر الامام الحسين عليه السلام، فسّوي بالأرض وأجرى عليه الماء. وفي عام (443 هـ / 1051 م) حدثت فتنة طائفية أردت إلى احتراق مشهد الإمام الكاظم (ع) حتى أراد بعضهم نبش قبر الامامين موسى الكاظم ومحمد الجواد لكنهم خابوا. (10)

 

تقنية القباب المخروطة في العراق

وهو طراز يمزج بين القبة والمنارة . فمن جهة يوفر فضاءً واسعاً للمرقد كما هي وظيفة القبة النصف كروية ، ومن جانب آخر فهي أشبه بالمنارة المرتفعة التي تظهر للمشاهد من مكان بعيد لتدل على المشهد الديني. ويسمى هذا النوع من القباب باسم (الميل). وهناك من رآه أسلوباً عراقياً جاء متأثراً ببناء الزقورات الحضارية القديمة. ومنهم من اعتبره تحايلاً عبقرياً على ندرة الأحجار الصلبة والأخشاب الجيدة في البيئة العراقية. وجاء هذا الأسلوب للاحتيال على الخامة من خلال رص قطعها بملاط الطين الطين أو الجص وتثبيتها متراكبة ومتكئة ومتراصفة مع بعضها. أما اللجوء للشكل المتطاول في تغطية المثمن فمبعثه الرغبة في تطويل المسافات بين البحور والمرتكزات التي تمثلها العناصر العمودية الناقلة للبناء نحو الأساسات ثم تسريبها إلى الأرض. وما عملية التدوير والتكوير إلا بغرض تحقيق انسيابية انتقال «العزم» البنائي بين عناصر الهيكل الإنشائي الأفقية إلى المكونات العمودية. أما تطويل بحور المقرنصات المكونة للقبة المتدرجة فالغرض منه التقليل من ثقل العزم أو ثقل البناء وترويض هذا العزم لإكساب التغطية صلابة أكبر في مواجهة أخطار أو احتمالات انهيار الأسقف التي تبدو أكبر في حال استخدام الأسقف الأفقية أو حتى عند استخدام القباب العادية ذلك أن قوة «رفص» عقد القبة قد تؤدي إلى تصدعها بعد وقت من التعرض لعوامل التعرية.

 

وهناك عدة مراقد عليها قباب مخروطية في العراق مرتبة حسب تسلسلها الزمني وهي:

1-قبة إمام الدور  في بلدة الدور التي تقع على بعد (40) كم شمال سامراء. ينسب المشهد إلى محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم (ع) بحسب لوحة رخامية تعود إلى سنة (871 هـ / 1466 م) ثبتت على يمين المدخل الحالي. وهناك من يشكك في نسبة المرقد لابن الكاظم (ع).

2-قبة زمرد خاتون في مقبرة الشيخ معروف بالكرخ ، والتي بنتها قبل وفاتها سنة 599 هـ / 1202 م)

3- قبة مشهد الشمس وتقع إلى الشمال الشرقي من الحلة ، على يسار الطريق الخارج منه والواصل بينها وبين كربلاء. وسميت القبة بمشهد الشمس استناداً إلى رواية مفادها أن الشمس ردت للإمام علي (ع) بعد غروبها في هذه البقعة.

4- قبة الحسن البصري ، وتقع في الزبير خارج المربد في البادية. وقد بنيت في الفترة بين ( 607 – 630 هـ / 1210- 1233 م ) في فترة إمارة شمس الدين باتكين على البصرة.

5- قبة مشهد ذي الكفل ، وهو النبي حزقيال . يقع مشهده في ناحية الكفل التابعة لمحافظة كربلاء. وكانت هذه البقعة تُعرف باسم (برملاحه) قبل غلبة تسمية الكفل عليها. وهذا المشهد من المزارات المقدسة عند المسلمين واليهود على حد سواء. وقد أرجع الأثاري الألماني أرنست هرتسفيلد (1879- 1948) تاريخ بنائها إلى سنة (716 هـ / 1316 م) والذي اعتمد على الكتابات المثبتة على منارة الكفل القائمة. وهناك من يرى أنها بنيت في الفترة بين سنتي ( 703 – 711 هـ / 1303 – 1311 م). 

6- قبة عمر السهروردي وتقع في المقبرة الوردية المعروفة حالياً بمقبرة الشيخ عمر التي تقع على مقربة من باب الظفرية أو الباب الوسطاني. توفي الشيخ السهروردي سنة (632 هـ / 1235 م). وأما تريخ بنائها فيعود إلى سنة (735 هـ / 1334 م) وحسب الكتابة الموجودة فوق مدخل القبة ، وعلى البدن الحامل لها والتي هي بخط الثلث. وقبتا الكفل والسهروردي متناظرتان تماماً وتعودان إلى فترة زمنية متقاربة جداً.

 

مرقد زمرد خاتون عند الرحالة

كان من المعروف ان زمرد خاتون قد شيدت لنفسها مشهداً قبل وفاتها وألحقت به مدرسة وأوقفت عليهما اوقافاً كثيراً، وكان البناء متيناً جداً لأنه شيد بالطابوق والجص وكسيت جدرانه من الداخل بالجص ايضاً، فقاوم عوامل التخريب وظل شاخصاً إلى يومنا هذا. اما المدرسة فقد اندثرت ولم يبق من آثارها شيء. ولهذا يعد هذا الموقع فريداً في شكله، جميلاً في مظهره. وامتاز بتقنيته وعناصره المعمارية والزخرفية النادرة.

وبني بالقرب من القبر مسجد مخصص للصلاة على الجنائز وعرف باسم مسجد السيدة زبيدة أو مسجد زمرد خاتون. ولقد هدم المسجد كليا في عام ( 1195 هـ / 1781 م )، وأعاد سليمان باشا بناؤه عام ( 1200 هـ / 1786م). وكان مبنى المسجد واسع البنيان يحوي قبة مخروطية الشكل بديعة المنظر، وهي من نوادر الفن المعماري الإسلامي في عهد الدولة العباسية. وتعتبر مئذنة المسجد، التي بنيت في وقت سابق من قبل السلاجقة في القرن الثاني عشر، هي من أقدم المآذن في بغداد.

 

وقد ذكر المؤرخون قبر زمردة خاتون في تواريخهم. فقد ذكره ابن الأثير بقوله (وقد بنت لها تربة إلى جانب قبر معروف الكرخي. (11)

وقد وصف الرحالة الألماني كارستن نيبور (1733- 1815) الذي زار بغداد عام 1766 القبة المخروطية فقال بأنها برج قديم صغير يقع قريباً من ضريح بهلول ، لكنه أخطأ في نسبة المرقد لزبيدة زوجة هارون الرشيد. (12)

ويعلق الدكتور سالم الآلوسي بالقول: (إن التربة المذكورة هي تربة السيدة زمرد خاتون والدة الخليفة الناصر لدين الله وزوجة الخليفة المستضيء بالله). ثم يذكر المؤرخين الذي ذكروا مرقد زمردة خاتون مثل ابن الأثير وابن الدبيثي وسبط ابن الجوزي والصفدي ومؤلف الحوادث وغيرهم في تواريخهم. (13)

كما وصفه الرحالة الاسكتلندي جيمس فريزر ( 1783- 1856م) الذي زار بغداد عام 1838 ، بأنه يتألف من برج مستدق فريد في شكله يشبه المسلة ، ويحمل على قاعدة طويلة بشعة جداً ، ويحتوي الجزء السفلي منها على مكان القبر. (14)

 

وكان الرحالة الإنكليزي هنري سوينسون كاوبر (1865- 1941) الذي زار بغداد عام 1893 قد وصف قبة زمرد خاتون وذكر زن رأس القبة عند زيارته كان قد سقط. (15)

 

وذكر المؤرخ ابن الساعي البغدادي المتوفى عام ( 674 هـ / 1276 م ) تربة زمرد خاتون فيقول: (أمرتْ بإنشائها بالقرب من معروف الكرخي. ثم رقع الشروع فيها وتكامل بناؤها فجاءت واسعة المقدار ، فسيحة الأقطار ، مشرقة الأنوار ، محكمة البنيان ، عظيمة الإمكان ، روحة المكان ، شاهقة العلو ، ظاهرة السمو ،في وسطها قبة مستديرة الهيئة ، مليحة الجملة ، مناسبة التدوير ، حسنة التقدير ، بديعة التصوير ، يفوح بفنائها المسك والعبير ، وستر من حرير. لها قبة عالية بيضاء كالغمامة ، مبنية كالعمامة ، يشرق محياها ، يفوح الند من رُلتها. ثم أمرتْ بإنشاء مدرسة إلى جانبها فبنيت أحسن بناء ، ووقفت على أصحاب الشافعي رحمه الله. وأجريت للفقهاء بها الجرايات والمشاهرات ، ورتبت لها مدرس ، وفتحت في غرة محرم سنة تسعة وخمسمائة ، ودُفنت بالقبة المذكورة). (16)

ويضيف (وقد عمر لهذه التربة رواق من قبليها بعد وفاتها ، فسيح الفناء ، مليح البناء ، لأجل جلوس الوزراء والأمراء وأرباب الدولة والعلماء ، إذا حضروا في مواسم العزاء للختمة الشريفة ، وبرفع صالح الدعاء . وكانت قد أمرت ببناء رباط يقابل تربتها الشريفة ، وكانت في موضعه دور فنقضت ، وأنشئ رباط للصوفية فسيح الرقعة واسع البقعة ، بديع البنيان ، مشرف على بستان ، تتفجر الأنهار في خلاله ، وترتاح النفس في ظلاله ، وأسكن فيه جماعة من الصوفية ، وأقيمت لهم الرواتب السنية ، وفتح في يوم السبت لثلاث خلون من شعبان سنة خمس عشرة وستمائة). (17)

 

 

زيارتي لمرقد زمرد خاتون

في 9 شباط 2023 قمت بزيارة مرقد زمرد خاتون الذي يقع في مقبرة الشيخ معروف الكرخي بجانب الكرخ. المرقد يقع في أقصى المقبرة بين القبور التي أحاطت به حتى حاصرته عن قرب.

مدخل المرقد عبارة عن دهليز مفتوح في الجهة الشمالية ، ومزود بدرج  ومحراب مجوف خال من الزخرفة يؤشر اتجاه القبلة. مبني بالطابوق والجص .

 

أما المرقد فهو عبارة عن غرفة مثمنة الشكل من الداخل والخارج ، ارتفاعها (9،75 أمتار) وطول ضلعها (7،65 أمتار) من الخارج ، وترتفع بمقدار (8،30 أمتار ) ، وجدرانها سميكة جداً تزيد في أسفلها على (3 أمتار). ويتوسط المدخل أحد أضلاعها الشمالية ، وينفتح عليه من الجهة اليسرى ببوابة سلم يؤدي إلى السطح من داخل الجدران.

وزينت جدران البناء من الخارج بحنايا ذوات عقود مدببة مطولة لا تغور كثيراً داخل الجدران وترتفع إلى مستوى معــين من بدن الغرفة ويبلغ عددها اثنــتين في كل ضلع، وتخـلو بواطن هذه الحنايا من التشكيلات الزخرفية ولكن يعلوها صف من اشكال مستطيلة منخفضة قليلاً عن مستوى وجه الجدار وعددها اثنان في كل ضلع، وفيها تشكيلات زخرفية دقيقة محفورة على الاجر. اما جدران الغرفة من الداخل.

وتقوم على الغرفة أعلاه قبة مقرنصة مخروطية يبلغ ارتفاعها ( 13.30 متراً)، واستخدم المعمار هنا المقرنصات للحصول على هذا الشكل المخروطي المقبب من الخارج والمكوّن من حنايا ذوات عقود مدببة مائلة أو بارزة إلى الامام من الداخل. ويبلغ عدد صفوف المقرنصات من الداخل اثني عشر صفاً صممت الثلاثة الأولى من الأسفل بتقنية خاصة، أما الصفوف التسعة التالية فيتألف كل صف منها من ست عشرة مقرنصة أو حنية تميل إلى الداخل كلما ارتفعت إلى الأعلى وتنتهي بشكل نجمة ثمانية ترتفع فوقها قبة ثمانية أيضًاً يتوجها رأس مخروطي مدبب.

ويُشغل كل ضلع من داخل المئذنة بثلاث حنايا أو مقرنصات، الوسطى منها عريضة نسبياً ولا يبرز عقدها إلى الأمام ويحيط بها من اليمين واليسار مقرنصة أو حنية مسطحة ذات عقد مدبب مطول يبرز إلى الامام. وتتكرر هذه التشكيلة ثماني مرات وتصبح كل من المقرنصتين الضيقتين متجاورتين، وتكون رؤوسهما قاعدة المقرنصة في الصف الثاني والتي برز رأسها إلى الأمام أكثر من بروز رؤوس الحنايا في الصف الأول. وتتبادل هذه الحنية مع حنيتين أو مقرنصتين مجوفتين يكون تجويفهما امتداداً للحنية الرئيسية في الصف الأول، اما الصف الثالث فمقرنصاته مرتبة بشكل معين ناتج عن تقاطع عقدين تنشأ عنهما وحدة من ثلاث مقرنصات وتتكرر بشكل دائري. أما من الخارج فيبلغ عدد صفوف المقرنصات تسعة فقط، وثمة أربع نوافذ في الصف الأول من المقرنصات يشغل كل منها تجويفاً من تجويفات الحنايا. وبالإضافة إلى ذلك فهناك فتحات دائرية أخرى تشغل قمة كل حنية من الصفوف التالية، الغرض منها ادخال النور إلى داخل التربة. تتكون الزخارف التي تشغل بطون المستطيلات من حشوات هندسية ذات زخارف نباتية حفرت تفريغاً على الطابوق، وتتنوع الاشكال الهندسية فتضم معينات وأشكال نجوم مثمنة ومثلثات ومربعات ومستطيلات وأشكالاً أخرى رتبت في اوضاع جميلة ضمن تشكيلة تتلاحم فيها هذه الاشكال مع اشكال أخرى نتجت عن التفنن في صف الطابوق غير المزخرف بأوضاع مختلفة.[8] وتتألف الزخارف النباتية هنا من اغصان تلتف وتلتوي لتتكيف مع الاشكال الهندسية التي تؤطرها وتنتهي بمراوح وأنصاف مراوح نخيلية. والزخارف النباتية المحفورة تفريغاً والمتلاحمة مع الاشكال الهندسية المعمولة من التفنن في صف الطابوق هي مثال جيد لما وصل اليه هذا الفن في العمارة البغدادية التي تعود إلى نهاية القرن السادس الهجري، وهو الفن الذي بلغ اوج عظمته في النصف الأول من القرن السابع الهجري النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي كما هو واضح في التشكيلات التي تزين أجزاء واسعة من جدران المدرسة المستنصرية.

 

حجرة الدفن ليس فيها اليوم سوى قبر واحد خال من الكتابة مكسو بالرخام. يوجد القبر وسط الحجرة قريباً من المحراب. القبر مغطى بستائر ملونة واحدة بلون وردي تغطيها ستارة خضراء مزخرفة برسوم تمثل البيت الحرام والمسجد النبوي. وفي جانب من القبر توجد زخرفة نباتية قديمة تعود إلى عصر سابق ، ولم تغطى بالرخام الحديث.

المحراب بسيط جداً ، بلا زخارف وبلا مقرنصات . مكسو بالجص ، ومصبوغ باللون الأخضر الفاتح ، ويعاني من التقشر وسقوط بعض أجزائه. على أرض المحراب يوجد لوح رخامي متكئ على جدار المحراب مكتوب عليه (بسم الله الرحمن الرحيم . قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد. صدق الله العظيم).  جدران الغرفة مغطاة بستائر خضراء بارتفاع مترين. والجدران متآكلة تعني من الإهمال وتقشر الجص المغطي لها.

في موضع استناد القبة على الغرفة المثمنة توجد عدة شبابيك تسمح بدخول النور إلى داخل المرقد.

القبة تحتوي على فتحات دائرية الشكل ، صغير الحجم تساهم في دخول الضوء ، كما تمنح القبة من الداخل منظراً بديعاً حيث تبدو وكأنها ثريا تتدلى من السقف.

أما جدار الغرفة من الخارج فقد اشتغل عليه الصناع المهرة والبناؤون المحترفون فأبدعوا في الزخارف الهندسية والأرابسك من الطابوق ، ما تزال باقية رقم مرور ثمانية قرون عليها. أما القبة المخروطة فمكسوة بالجص ، وتعاني من التشققات والتقشر وبحاج إلى ترميم سريع.

وعندما سألت مراقب المرقد ، وكان شاباً بسيطاً ، عن أهم الشخصيات المدفونة قرب مرقد زمرد خاتون فأخذنا إلى قبر الفنان ناظم الغزالي وزوجته الفنانة سليمة مراد. وقد كُتب على شاهد قبره:

(ناظم الغزالي

ترحل فاشتاقت إليه المواسم *** وناحت عليه في الرياض الحمائم

لئن عاد فيها بلبل الفن باكيا *** لقد كان يبدو وهو في الأمس باسم

وأنشدته شعرا وقلت مؤرخاً *** (له في جنان الله ينزل ناظم)

انتقل إلى جوار ربه في 21 تشرين الأول 1963 الموافق 1 رجب 1383 هـ

لروحه الفاتحة)

 

 


مشاهدات 50
أضيف 2024/07/27 - 12:42 AM
آخر تحديث 2024/07/27 - 3:25 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 309 الشهر 11672 الكلي 9373744
الوقت الآن
السبت 2024/7/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير