الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هل خدعنا بسراب الزمن الجميل؟

بواسطة azzaman

أذن وعين

هل خدعنا بسراب الزمن الجميل؟

عبد اللطيف السعدون

قالت مراكز الرصد ان مدنا عراقية كانت في مقدمة المدن الأكثر سخونة في شهر تموز الحالي، وقد اضطرت مدارس ودوائر حكومية لوقف أعماله في بعض ايامه، وبقي كثيرون في منازلهم حيث لا ماء ولا كهرباء، ولا مغيث سوى الله، فيما غادر مسؤولون كبار وأسرهم بغداد الى بلاد الله المكيفة كي يريحوا أعصابهم، المفارقة اللافتة أن أحدا لم يذكر بالخير النازحين والمهجرين الذين يفترشون الأرض الساخنة، ويلتحفون السماء الحارة، بعض مصادر الأخبار نقلت، على استحياء، خبر تعرض أطفال للموت لم يأبه لهم أحد، ومر الخبر على الشاشات من دونما تعليق، لكن هناك من قال أن تموز هذا العام ليس استثناء مما شهدناه فيه في أعوام سابقة فقد اعتدنا سخونته كما تعودنا على دمويته، وقد حلت اللعنة علينا فيه بسبب مذبحة القصر التي قتل فيها الملك الصغير فيصل وأسرته فجر الرابع عشر من تموز قبل سبعة عقود، في واقعة مشؤومة ركبت من خلالها «العسكريتاريا» العراقية موجة التوترات المحلية والإقليمية، واستغلت الغضب والنقمة لتجهز على النظام الملكي، بعدها توالت الأحداث المؤلمة على النحو الذي جعل الناس يأملون في حدوث معجزة أن لا يحصل أسوء مما حصل، لكن المعجزة لم تجيء، وحصل ما هو أسوأ، وأنفتح الطريق أمام مذابح أكبر في السنوات اللاحقة، وظل بحر الدم متدفقا منذ ذلك الزمان في أكثر من ناحية في البلاد، وتبادل الشيوعيون والبعثيون الثارات والثارات المضادة التي خسرنا فيها الكثير.

بعد «مذبحة القصر» بدا أن خيار «الانقلابات» مفروض على العراق بقدرة قادر، وأن الهدف هو الوصول بالبلاد الى الاندحار أو الانتحار، وأن «تموز» مرشح دائما لهذا الخيار، وفي السابع عشر منه، وفي دورة زمان جديدة، قفز «البعثيون» الى السلطة بانقلاب وصفوه بأنه «أبيض» سرعان ما اصطبغ بالدم بعد أيام قليلة عندما صفى «الثوار» بعض من تحالفوا معه، لكن كانت هناك بقية أمل في أن يستفيدوا من دروس التاريخ خاصة عندما شرعوا بعد حين في اتباع سياسة «مصالحة ومصارحة» نتج عنها قيام «جبهة وطنية»، كشفت الأيام بعد حين أن «السلطة» ظلت هي الهاجس الأكبر الذي يطوف في الرؤوس!

في تموز لاحق في دورة زمان أخرى حدث انقلاب أخطر اذ انقض صدام حسين على رفاقه في قيادة الحزب، وكوادره المتقدمة وأجهز عليهم في ليلة سوداء من ليالي تموز من عام 1979 أعادت الى الأذهان «ليلة السكاكين الطويلة» التي عرفتها المانيا ليدخل البلاد في نفق طويل أوصلها الى الغزو الأجنبي والاحتلال وحكم الطوائف وسقوط الدولة على النحو الذي نعيشه اليوم.

ومنذ «مذبحة القصر» ونحن نتطير من «الانقلابات»، ونتشاءم من قدوم «تموز» فقد هلك الزرع، وجف الضرع، وتساقط أبناؤنا على أرصفة الطرقات، وامتدت «ليالي السكاكين الطويلة» الى مدننا وأحيائنا حتى أدركتنا أزمنة «داعش» والميليشيات السوداء!

الحلم الجميل

وها نحن نحاول استرجاع ما فقدناه، ونداري أنفسنا بأمل في أن يستقيم الحال ويطيب المآل، وقد نظل نكابر كي لا نكتشف أننا خدعنا على النحو الذي وجد الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي نفسه فيه عندما خاطب صاحب الحلم الجميل: «هل خدعت بملكك حتى حسبتك صاحب المنتظر/ أم خدعت بأغنيتي/ وانتظرت الذي وعدتك به ثم لم تنتصر/ ام خدعنا معا بسراب الزمان الجميل؟» 

أم يظل الأمل يراودنا في أن يعود تموز كما وعدتنا أسطورة سومرية ضائعة، كانت أخبرتنا أن تموز عندما ماتت حبيبته عشتار لم يعبأ بموتها، واحتل عرشها فغضبت عليه الشياطين، وسحلته الى العالم السفلي جزاء له على فعلته، وفي حينها مات الزرع وانقطع الضرع، وانتشر القحط، ولكن بعد زمان عاد تموز الى الحياة وعادت حبيبته عشتار، وأخضرت الأرض وتدفقت مياه الأنهار وعاد الخير لأرض الرافدين.

هل حقا ستخضر الأرض من جديد، وتتدفق مياه الأنهار، ويعود تموز الى حبيبته عشتار، أم أننا نعيش حلما يشبه أحلام العصافير كما يقول أجدادنا؟

 


مشاهدات 56
أضيف 2024/07/27 - 2:00 AM
آخر تحديث 2024/07/27 - 2:47 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 298 الشهر 11661 الكلي 9373733
الوقت الآن
السبت 2024/7/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير