الاعوام المقبلة مجهولة
عبد المحسن عباس الوائلي
لا ندري ماذا يخبئ لنا القدر في الاعوام القادمة، الله تعالت قدرته اعطانا فكر وعقل ولكننا دائماً قصيري العقول والتفكير على المدى البعيد بل نعيش ليومنا فقط.. نعم انطوى عام من رحلة الزمن. لكن حجارته الثقيلة ماتزال تنهار فوق رؤوس العالم، جراحا في الجسد، وجروحا في الروح.. وغيوما داكنة تلصق بالخطى وبالعقل وبالعيون، على وجه الطريق في مدخل عام جديد.. فهل توقع عام، الزمن والفعل.. الذاكرة، وهي النافذة المنفلتة من حدود الزمان والمكان، لا تستطيع الا ان تزدحم بضجيج الاحداث والحوادث الجسام، التي اختارت مسرحا لها.. بعضها الكثير متوالد ومنام على مدى ومنذ الاعوام السابقة، وبعضها الآخر الاكثر والمتفاقم، استشراءات جديدة ومخططة ومحسوبة. لرؤوس أحداث وحوادث بشعة ومخيفة، تتسلل جميعها الى صدر العام الجديد بالمخاوف، والهواجس والمحاذير والاعباء.. العام الماضي اذن، هو عام التمادي في تصفية الاجسام، وازهاق الارواح، والتجويع والخطف والاعتداءات بالبطش، وتمييع القضايا ذات الحقوق المشروعة، واشعال المزيد من الحروب بين بني البشر، والفتن واثارة والقلاقل، واغتصاب مساحات جديدة من جسد الدول المغلوبة على امرها، ومؤامرات الدول الكبرى بالتنسيق لاقتسام الغنائم واركاع الشعوب المسالمة.
هذا هو العالم الذي مضى، في لمسات قائمة لوجهه الغضوب، ونواياه المظلمة، ولويحاته ونذره، سقطت اوراقه من فوق مفكرة الحائط، لكنه مازال -زمنا وفعلا- يمتد ويوغل، محتفظا بحيوية البذور السامة المهلكة، والقادرة على النمو واشاعة التهلكة. ولأننا نحن دول العالم الثالث هدف مباشر وواضح ومقصود للعديد من هذه الاحداث والحوادث البشعة اللئيمة، والرامية الى اضعافنا وتفتيننا وتشتيننا وامتصاص خبراتنا، واجهاض خطواتنا عن طريق التنمية، فاننا على الحافة، بين عام مضى وعام وفد- مطالبون اكثر من اي وقت، بان ننظر الى الخلف يقظين، راصدين ما حيك لنا من المؤامرات والدسائس والوقائع المجهدة لذواتنا واحلامنا وخطانا، وان ننظر الى الامام مستنفرين طاقات وامكانات الامة العربية كلها، بالفعل لا بالقول، وبالعمل لا بالجدل، مرتفعين في شموخ التاريخ العربي المسلم وسموه- فوق احزاننا وخصوماتنا وخلافاتنا الداخلية.
ان ما يجابهنا من العنت، والقهر، والاضعاف، والاستنزاف، انما يتم عن طريق التنسيق والتخطيط والمبادرات، وعلينا ان ندافع عن تاريخنا وحاضرنا واجيالنا بنفس السلاح، ولن يكون هذا السلاح فعالا وباترا ورادعا، الا اذا قويت سواعد الامة العربية في صحوة لا تغفو ولا تتساهل في حق من حقوقها. واذا كنا داخل صفحات هذا العدد في مطلع عام قد افردنا لذاكرة الأحداث، فإنما نفعل ذلك كي لا ننسى في زحمة الفرح الوهمي بكوننا عشنا الى مطلع عام جديد، اوراق القضايا التي ستظل معلقة، ما لم يشغل العالم بحسمها لصالح الانسان في كل مكان على ظهر الأرض. ونبقى هكذا فقيرنا فقير وغنيا غني والطفل يصبح شيخاً والشيخ يموت ونحن نردد كلمات سمعناها منذ عشرات السنين او مئات السنين ولا نحن نزال نعيش بوحل وطين ودائما نحن نضحي لسعادة غيرنا وليست الذي يكون سعيدا يرحمنا بل يبصق من ذكر اسماؤنا ويتعالى علينا وكأنه الاوحد وكأنه هو الموجود ونحن لا وجود لنا.