الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فن كتابة السيناريو وإستفزاز عقل المتلقي بالتشويق

بواسطة azzaman

فن كتابة السيناريو وإستفزاز عقل المتلقي بالتشويق

داليدا رواندوزي

هناك ثلاثة اشياء ينبغي معرفتها مبدئياً عند كتابة السيناريو والذي يُعتَبَر مجالاً شديد الدقة والإحترافية، أولها ان تجعل كل تفاصيل القصة مرتبطة بعضها ببعض فهذا الارتباط الداخلي شبيه بحِياكة النسيج وهذا هو الفارق الكبير بين كتابة السيناريو وكتابة الرواية، في الرواية يمكنك الهروب من شيءٍ ما قمتَ بكتابتهِ في الصفحة الاولى والذي لا يرتبط بشكل مباشر مع تكملة القصة في الصفحة رقم 157، ولكن كل شيء تكتبه في السيناريو يجب ان يكون له مغزى عميق مع كل شيءٍ اخر، فإذا لم يكن له تلك الصلة فحينها سيقول الجمهور في اعماقهِ مباشرةَ، أتعلم ما الذي لا أفهمه تحديداً، لماذا كان ذلك الشاب يرتدي قبعةً حمراء في المشهد الاول ثم ارتدى قبعةً زرقاء في المشهد الرابع ! وفي المشهد الاخير لم يرتدي أياً من القبعات ! تلك هي الأمور التي تدور في الأذهان بعد انتهاء عرض الفيلم في حال حدوث خطأ غير مدروس.

 كتابة السيناريو مهنة معقدة فهي أشبه ببناءِ بناية شاهقة، فعند وَضع شيءٍ خاطئ واحد حينها ستنهار البناية بالكامل، وهذا يقودنا الى النقطة الثانية، إن بناء الترتيب الزمني أو المنطقي أو النفسي ليس له ايَّ علاقة بكتابة السيناريو على الاطلاق، كل ما يهم هو  البناء الدرامي، فإذا تمكنتَ من جَذب انتباه المشاهدين تجاه القصة فلا يهم أين ستأخذنا معك بعد ذلك، فستصبح عقولنا مشدودة ومليئة بالفضول لمعرفة ما سيحدث بعدها، اما النقطة الثالثة والأهم ألا وهي الجمهور فهو العنصر الاساسي في القصة وليس تلك الشخصيات الرئيسية في الفيلم، وتَمَكُنكَ من إمتاع الجمهور هو ما سيحدد عبقرية كاتب السيناريو فهو يعلم جيداً ما الذي ينتظره الجمهور بالضبط.

(The Birds - 1963)  وهو من الافلام الكلاسيكي القديمة حيث جعل الكاتب والمخرج البريطاني لاذع الشهرة  ألفريد هتشكوك  الممثلة الامريكية  تيبي هندرين  تصعد السلالم الخشبية المتهرئة الى الأعلى فور سماعها اصواتاً مخيفةً، وكانت ترتدي ملابساً فاضحة وعلى الرغم من انها مختبئة في المنزل وحدها لكونها خائفة من الطيور التي تحاول الهجوم على المنزل من الشبابيك، فالسؤال الذي سيوارد عقل الجمهور هو( لماذا قامت بصعود السلالم ؟ و لماذا لم تكن ترتدي الملابس؟)، هذا هو ما ستفكر به بالتحديد سواء بطريقة منطقية أو نفسية في أعماقك، فعند وصول الممثلة الى منتصف السلم ستسمع الاصوات المخيفة تزداد سوءاً، حينها ستتوقف الممثلة مرة اخرى لتستمع بحذر شديد، عندها سيقول الجمهور، لماذا توقفت مرة اخرى عند منتصف الدرج ؟ فدعني أقولُ لكَ بأن هنالك سببٌ وجيه لذلك التوقف، هي توقفت لثوانٍ لأننا كجمهور سنحتاج الى تلك الفترة الزمنية البسيطة ليزداد حجم تركيز العقل البشري تجاه المشهد ولأننا سنحتاج لتذكير انفسنا باللاوعي بتلك الاسئلة التي خطرت في أذهاننا منذ البداية، بكم هي غبية ؟ ولماذا لم تكن ترتدي الملابس ؟ ولماذا لم تقم بفحص المصباح الذي في يدها قبل صعود الدرج فهي لم تقم بفحصهِ منذ البداية، وإكتفت بحملهِ ! بالتأكيد ذلك المصباح لن يعمل عند وصولها الى أعلى السلالم فهذا امر طبيعي، فنحن نقوم بالتفكير بكل ذلك داخل عقولنا فقط.

ولكن الشخص البسيط الذي لا يفهم هذه الاستراتيجية بأن تحفيز الجمهور له اهمية كبرى في القصة، فسيجعل الممثلة تصعد الدرج، ثم سيجعلها تفحص المصباح وستكون طريقته منطقية فقط بعيده عن التشويق في البناء الدرامي، ولكن كل مايفعله الكاتب والمخرج المتميز يستند الى ما ينتظره الجمهور وليس استناداً للشخصيات او ماذا سيحدث منطقياً خلال الترتيب التالي للقصة فالأمور تستند الى اي مدى مستعد الجمهور لدفع ثمن تلك البطاقة لمشاهدة الفيلم ؟ وهل أنا ككاتب سيناريو سأجعلك تفقد شغفك وفضولك لمتابعة القصة؟

و وظيفة كاتب السيناريو هي ايصالك الى نقطة ما في عقلك تجعلك توقف تلك التخيلات الافتراضية لما سيحدث بعدها وتبقى تنتظر تلك اللحظة الحاسمة التي ستصرخ فيها لان ذلك بالتحديد ما دفعك للمجيء لمشاهدة الفيلم، وهذا هو المقصود بالتفكير النفسي للجمهور اثناء مشاهدتهم الفيلم، و هو أهم جزء في فن كتابة السيناريو ألا وهو معرفة ما يريد الجمهور مشاهدته وليس ما الذي ينبغي على كاتب السيناريو فعله تحديداً ضمن ترتيب ونسق معين في المشهد .


مشاهدات 202
الكاتب داليدا رواندوزي
أضيف 2024/07/20 - 1:06 AM
آخر تحديث 2024/08/29 - 11:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 92 الشهر 92 الكلي 9988714
الوقت الآن
الأحد 2024/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير