الكتابة ليست وسيلة للخلاص
ثامر محمود مراد
إذا أردت أن تعرف الحقيقة، فلا تبحث في الكتب، ولا في الحروف، ولا في الصفحات. كلّ ما كتبتَه كان تدريبًا على الفهم، وكلّ ما فهمته كان تدريبًا على الفقد. الإنسان ليس سوى كتاب لم يُغلق بعد،ورقته الأولى تنبض في لحظة الميلاد، وأخيره يمتدّ في رمادٍ يحرسه الصمت. الكتابة ليست وسيلةً للخلاص، ولا محاولةً للخلود،إنها مجرد صدى يسافر عبر العدم،يحمل ما تبقّى من الروح، ويترك العالم يمرّ كما يريد.. تعلّم هذا: أن الحروف ليست لك،وأن الكلمات لا تصنعك، بل تكشف ما في داخلك من فراغ.الرفوف مليئة بالغبار، والكتب صامتة، لكن هذا الصمت ليس موتًا، بل وعاءٌ لكل ما كنتَ، وكل ما ستصبح.
وصيتي، إن بقيت: احفظ الرماد، ليس لأنه تاريخ،بل لأنه الدليل الوحيد على أنّك كنت هنا.
كل حرفٍ كتبتَه، كل صفحةٍ قلبتها، كل دمعةٍ سكبتها على الورق، هي بصمتك في هذا العالم الذي ينسى كل شيء.. الرماد لا يختفي. هو يتذكّر، هو يشهد، وهو يحمل صدى الكلمات التي لم يُسمع صداها بعد. في النهاية، ما يُحفظ ليس الحبر، ولا الورق، ولا حتى المعنى. ما يُحفظ هو ما تبقى من روحك بين الفجوات، ما بين الحروف، ما بين السطور، ما بعد الرماد.. هكذا .. حتى لو ضاع العالم كله، ستبقى ذرّاتك تكتب صمتك في الفراغ، وتشهد أنّك كنت، وأنك كتبت، وأنك أحببت المعنى قبل أن يعرفك.