فاتح عبد السلام
لا توجد إحصائية دقيقة متاحة، لكن المراقبين للشأن العراقي اليومي يستطيعون أن يقدروا انَّ الاعداد الهائلة من الوزراء والدبلوماسيين والمسؤولين الأجانب الذين زاروا العراق منذ قيام النظام الجديد في بغداد 2003 لم تشهدها البلاد في العقود الثلاثة التي سبقتها، التي كان ثلثاها حربين وحصاراً دولياً طويلاً، وفي كل تلك الأوضاع كانت الزيارات مقتصرة على شؤون بالغة الأهمية ومحددة في ظرفها ومعروفة الغايات من الاخبار التي تشير اليها في وسائل الاعلام حتى لو كان الخبر متضمنا تلك العبارة المزمنة في انه «جرى بحث أوجه التعاون بين البلدين في المجالات كافة».
زوّار العراق اليوم من السياسيين الاجانب، في بغداد وأربيل على حد سواء، لهم مواسم معروفة في أوقات الازمات الإقليمية التي تشبك الجغرافيا العراقية في محيطها المجاور على نحو دقيق ومعقد، أو في غير مناسبات معروفة، وبات السفراء المعتمدون للدول الكبرى يعقدون اجتماعات مع أطراف سياسية في عموم العراق وإقليم كردستان أيضا على نحو عددي لافت يوحي بأن هذا الدور الذي لم يتوافر للسفراء الأجانب منذ السبعينات الى التسعينات، انما هو سياسي بامتياز وليس مجرد لقاءات بروتوكولية. فالذاكرة العراقية تختزن على النحو الأرجح ذلك اللقاء « الغامض» الذي جمع بين السفيرة الامريكية في بغداد ابريل غلاسبي
في نهاية تموز 1990 مع صدام حسين، والذي جرى فيه التقاط الإشارة الخاطئة بشأن التحشيد على حدود الكويت ومن ثم غزوها، والتي قادت العراق الى الدمار الكامل.
من الأمور المُسلّم بها أن تتغير طبيعة العلاقات السياسية العراقية مع الدول وسفرائها، كجزء من عناصر التغيير في البلاد التي كان اللقاء ولو بالمصادفة بين شخصية عراقية ودبلوماسي اجنبي يخضع لتحقيقات المخابرات في ذلك الزمن، واعرف انّ أستاذاً جامعياً في اللغة التركية زار القنصلية التركية بالموصل لمرة “واحدة ووحيدة” في زمن النظام السابق لأمور تخص تخرجه من احدى الجامعات التركية وتبادل الاحاديث الودية مع القنصل التركي، فوجد نفسه امام تحقيق في منظومة مخابرات المنطقة الشمالية لكي يثبت حسن نياته في انه ليس عميلا وجاسوساً. أسوق هذا المثال للدلالة على تلك الحواجز التي لا تتيح اية صلة مع البعثات الأجنبية الا عبر مركزية شديدة ولعلها محصورة برأس النظام وطارق عزيز فقط. والاستثناءات في ذلك كانت بتوجيه من الجهة الأعلى بالبلد.
غير انَّ الواقع الحالي في هذا الانفتاح الجاري، لا يعني انّ هناك افادة عراقية مثلى منه، إذ تبدو اغلبية اللقاءات والزيارات الدبلوماسية والسياسية الأجنبية انها تصب في مرمى الطلبات من العراق ليفعل كذا ويحقق كذا ويتجاوز كذا، ولا تتجلّى اية علامة على انّ الفاعل السياسي في العراق هو الذي يطلب من المقابل أن يعمل ما يريده لمصلحة هذه البلاد التي لم تزل برغم بهرجة “ المُجسّرات” الجديدة ببغداد منكوبة بامتياز في الموازين الحقيقية للدول!
لم يتحقق للعراق «مُجسّرات» دبلوماسية دولية تليق بتاريخه وامكاناته.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية