مهرجان نور تونس الثاني للثقافة والإبداع.. جلسة دراسات عن الشعر والفنون والتكنولوجيا
تونس- حمدي العطار
المقدمة:
في زمن تتشابك فيه الإبداعات وتتقاطع المسارات الجمالية، يطلّ مهرجان نور تونس الثاني للثقافة والإبداع ليمنحنا فسحة من التأمل في تلاقي الفنون وتطوراتها، حيث اجتمعت الكلمة واللون والتقنية في جلسة دراسية بعنوان (الشعر والفنون والتكنولوجيا)، لتكشف عن أبعاد جديدة للجمال، وتفتح آفاقًا غير مألوفة للفكر والتعبير.
محاور الجلسة
1. الشعر والفنون والتكنولوجيا: تواصل الجمال عبر العصور
في افتتاح الجلسة، طُرح تساؤل جوهري حول العلاقة العضوية التي تجمع بين الشعر والفن، وكيف جاءت التكنولوجيا لتعزز هذا الارتباط، لا لتحلّ محله. فالشعر يترجم الروح بالكلمة، والفن يصوغ المشاعر بالصورة والصوت، والتكنولوجيا المعاصرة فتحت نوافذ رقمية جديدة، أنتجت قصائد رقمية، وفنونًا تفاعلية، وعروضًا تعتمد الذكاء الاصطناعي. وهكذا، اجتمعت الكلمة، واللون، والآلة في فضاء تعبيري واحد يُعيد تعريف الجمال في عصرنا الحديث.
إدارة الجلسة: الشاعر لطفي عبد الواحد
2. بان الحلي – «علاقة الرسم بالشعر بين الصورة والرمز»
قدّمت الباحثة بان الحلي قراءة في التداخل بين الرسم والشعر، معتبرة أن بين الفنين علاقة استلهام متبادل. فالشاعر قد يستلهم قصيدته من لوحة، كما أن الرسام قد يرسم بإلهام من قصيدة. ورأت الحلي أن الرسم سابق زمنيًا للشعر، وقدّمت أمثلة متعددة لدعم رؤيتها، مشيرة إلى وجود مبدعين يجمعون بين الفنّين لما بينهما من تقارب في نوعية الإبداع وطرقه التعبيرية.
3. محسن عواد – «ترجمة الشعر: مجموعة (في الوردة ما تيسر منك) للشاعرة دلال جويد أنموذجًا»
تناول المترجم والباحث محسن عواد في ورقته أهمية الترجمة الإبداعية، معتبرًا أن المترجم يُعد مؤلفًا ثانيًا للنص، لما يضيفه من رؤى وتفسيرات تتجاوز النقل الحرفي. رفض عواد المقولة التقليدية بأن “الترجمة خيانة”، واصفًا إياها إن وُجدت، بأنها “خيانة جميلة”. كما ناقش إمكانية ترجمة الشعر دون أن يكون المترجم شاعرًا، مشددًا على أهمية الشغف بالنص والإلمام باللغتين. ثم قدّم ترجمة أدبية لديوان الشاعرة دلال جويد، وقرأ نماذج مختارة من القصائد المترجمة.
4. الدكتور محمد الجبوري – «التكنولوجيا معضلة اجتماعية»
قدّم الدكتور الجبوري ورقة جريئة تناولت الأثر العميق للتكنولوجيا على الحياة الاجتماعية وسوق العمل، مشيرًا إلى تفاقم الفجوة الطبقية نتيجة عدم تكافؤ الوصول إلى الأدوات التقنية. كما تطرق إلى تحول أنماط التفكير والحياة بفعل هذه الوسائل، محذرًا من المنصات الرقمية التي تضع الربح فوق كل اعتبار، مسخّرة الإعلانات لخدمة المنتجات على حساب القيم الإنسانية والتعليمية.
الخاتمة
لقد أبرزت جلسة “الشعر والفنون والتكنولوجيا” كيف يمكن للثقافة أن تكون جسرًا بين الماضي والحاضر، بين الحسيّ والافتراضي، وبين الإنسان وما يصنعه من أدوات. وبهذا يظل الإبداع في قلب المعادلة، قادرًا على التجدد والانفتاح، مادامت هناك عقول تفكر، وقلوب تنبض، وأرواح تبحث عن الجمال في كل زمان ومكان.