الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدين والأخلاق

بواسطة azzaman

الدين والأخلاق

عبد الكريم زيباري

 

الناس يظنون كلَّ متدَّينٍ على خُلُق، لا يميزون بينهما. الدين إيمانٌ وعمل. والإيمان في القلب، والعمل بشرط النيَّة والنوايا في القلوب تكشفها الوقائع. الدين أساسه الباطن، والأخلاق أساسها الظَّاهر.

وقد يكون الإنسان حَسَنَ الخُلُقِ مع الناس ولكنه لم يدخل مسجداً في حياته ومدمن خمر، وقد يكون الإنسان محافظاً على صلاة الجماعة يرتدي أزياء علماء الدين مع العَمَامَة الكبيرة ويخطب في الناس عن الأخلاق وهو خالٍ منها!

ومؤذٍ للناس والجيران غليظ الطبع متكبَّرٌ مغرور بخيلٌ، و(إذا خطب إليكم مَنْ ترضونَ دينه وخُلُقَه، فَزَوِّجوه). فلو كانا شيئاً واحداً لاكتفى الحديث بأحدهما.

وفي حديث الخُلُع: عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته. قالت: نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة.

دليلٌ على الفارق بينهما، وفي حديث (خِصلتان لا يجتمعان في مؤمنٍ: البخل وسوء الخلق) إذن سوء الخُلُق كله في كَفَّة والبُخل في كَفَّة. وفيه دليل أنَّ المؤمن المتديِّن قد يكون بخيلاً حَسَنُ الخُلُق.

الناس يظنون كلَّ ثريٍّ على خُلُق، ويجوزُ للثريِّ ما يجوز لغيرهِ، ومن المسموح للثريِّ أنْ يوقِفَ سيارته في الأماكن الممنوعة للوقوف. فإذا حضرَ أحدُ الأثرياء مجلس العزاء، وقف الجميع يستقبلونه ويقفون على رأسه مبتسمين مُرَحِّبين حتى إذا قام مشوا وراءه وأمامه يتراكضون وهو يضحكون ويبشُّون في وجهه وإلى أنْ تغادر سيارته وتختفي يبقون واقفين رافعين أياديهم.

ومصيبة المصائب حين يكون هذا الثريُّ رجلَ دين، يلبس ثياب رِجال الدين ولا يكاد ينطق كلمتين بلا مواعظ دينية وقصص وحكايات، غالباً ما يتحول نِصف إله.

وذكر عبدالكريم بن هوازن في الرسالة القشيرية

(رأيت معروفا الكرخي فِي النوم بَعْد موته , فَقُلْتُ لَهُ: ماذا فعل اللَّه بك؟ فَقَالَ: غفر لي , فَقُلْتُ: بزهدك وورعك؟ فَقَالَ: لا بقبولي موعظة ابْن السماك ولزوم الفقر ومحبتي للفقراء، وموعظة ابْن السماك مَا قاله معروف كنت مارا بالكوفة , فوفقت عَلَى رجل , يقال لَهُ: ابْن السماك وَهُوَ يعظ النَّاس , فَقَالَ فِي خلال كلامه: من أعرض عَنِ اللَّه بكليته أعرض اللَّه عَنْهُ جملة، ومن أقبل عَلَى اللَّه بقلبه أقبل اللَّه برحمته إِلَيْهِ، , وأقبل بجميع وجوه الخلق إِلَيْهِ، ومن كَانَ مرة ومرة فالله يرحمه وقتا مَا , فوقع كلامه فِي قلبي , فأقبلت عَلَى اللَّه تعالي , وتركت جَمِيع مَا كنت عَلَيْهِ إلا خدمة مولاي عَلِي بْن موسي الرضا , وذكرت هَذَا الْكَلام لمولاي، فَقَالَ: يكفيك بِهَذَا موعظة إِن اتعظت).

 

 


مشاهدات 491
الكاتب عبد الكريم زيباري
أضيف 2024/05/26 - 5:59 PM
آخر تحديث 2024/08/30 - 8:42 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 189 الشهر 189 الكلي 9988811
الوقت الآن
الأحد 2024/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير