إيران بعد رئيسي .. التحديات والمآلات

عماد علوّ الربيعي

أعلن في طهران رسميا الاثنين 20 أيار/ مايو 2024، عن وفاة الرئيس الإيراني (63 عاما) إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولين آخرين إثر تحطم الطائرة المروحية التي كانت تقلهم في محافظة أذربيجان الشرقية شمالي غربي إيران في منطقة جلفا ذات التضاريس الجبلية الصعبة، الأحد 19 أيار/مايو2024، بعد عودة الرئيس من حفل حضره صباح الأحد مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف لتدشين سد مشترك على نهر آراس الحدودي بين البلدين. ولا تزال الجهات الرسمية الإيرانية تحقق في أسباب هذا الحادث.

ومن الجدير بالذكر أن تكرار حوادث الطيران لطالما أثارت تساؤلات بشأن أسباب تلك الحوادث التي طال جزء ليس قليل منها مسؤولين وقادة عسكريين في الجيش والحرس الثوري الإيراني! مثل مقتل مجموعة من أبرز القادة العسكريين مثل يوسف كلاهدوز ومحمد جهان آرا، ووزير الدفاع، موسى نامجو، في عام 1981، اثر تحطم طائرة سي-130 تابعة لسلاح الجو الإيراني بالقرب من طهران، وكذلك مقتل قائد القوات الجوية، منصور ستاري، مع كبار ضباط القوات الجوية في حادث تحطم طائرة بالقرب من مطار بهشتي الدولي في أصفهان في عام 1994. وفي عام 2001، قتل وزير النقل الايراني رحمن دادمان بعد سقوط طائرته في محافظة مازندران شمال إيران. وفي عام 2005، قُتل قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني، أحمد كاظمي، مع عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، بتحطم طائرة، بالقرب من أورمية. وفي فبراير/شباط 2023، تعرضت مروحية كانت تقل وزير الرياضة والشباب الإيراني الأسبق حميد سجادي لحادث مماثل في أثناء هبوطها بمدينة بافت في محافظة كرمان مما أدى إلى إصابة الوزير وعدد آخر من مرافقيه، فضلا عن مقتل مساعده إسماعيل أحمدي.

والمتتبع لخبايا سجل حوادث سقوط الطائرات في ايران، يجد تخمته بنقاط انعطاف كبيرة اختلفت في دواعيها وظروفها، الا أنها لم تؤدي الى توقف عجلة مسار التجربة الإيراني في التطور وبناء وإرساء نظام حكم مؤسساتي، اثبتت السنين تماسكه إزاء التحديات التي واجهته ولازالت تعبر وبشدة عن مآل واحد هو بناء التجربة الاستراتيجية الطامحة للتفوق، والتأثير، وتحييد أي فعل مضاد لها. ان ردود الأفعال الرسمية في ايران اثر حادثة مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيس ومرافقيه، تعكس حقيقة تحسب السلطات الإيرانية لصيانة فعلها الخارجي الحاضر بتعدد ألوانه كطريقة مقصودة لتفويت الفرصة على أعدائها لاسيما بعد أن وعت في ظل التواجد العسكري الأمريكي والغربي على حدودها الغربية والشرقية والجنوبية، لضرورة الحفاظ على ديمومة وجودها كأساس لبناء سلوكها المقبل في ظل الاوضاع الاقليمية والدولية الساخنة والعدائية لتطلعاتها واهدافها.

وقد سارع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في ايران السيد علي الخامنئي الى تكليف النائب الأول للرئيس محمد مخبر (69 سنة)، بأعمال الرئاسة، وهو شخصية ذات توجهات اقتصادية ويحمل شهادتي دكتوراه في القانون الدولي والإدارة أيضا»، وكان قبل اختياره نائبا» أول للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي يشغل منصب رئيسا لستاد، وهو صندوق استثماري مرتبط بالمرشد الأعلى. وسيقود محمد مخبر الفريق الحكومي الحالي لمدة (50) يوما بحسب الدستور الإيراني لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد. كل هذه الإجراءات تشير الى عزم القيادة الإيرانية على تكثيف جهدها نحو الانطلاق من جديد، بعد حادثة مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولين آخرين، كونها، وهي المدركة لفعلها والمتحسبة لما يواجهها من تحد من خلال معاناتها الأمنية، معنية للعمل وبقوة للاستجابة ليس من خلال مواجهة التحدي بنفس فصيلته بل عبر السعي الحثيث نحو التكون كأسلوب ناجح لاحتواء هذا التحدي بأقل الكلف.

ان المهمة التي ستواجه فريق الدكتور محمد مخبر، تكمن في تجاوز الصعاب التنفيذية في صياغة القرارات وتنفيذها بعد أن ازدحمت الساحة الإقليمية والدولية بل وحتى الداخلية الايرانية مؤخرا بعناصر الضد التي نالت من وحدة الصف الوطني الإيراني الأمر الذي قد يبطيء أو يعيق مسار التكوين من جديد ليس على صعيد تصادم الرؤى  بل باختيار الوسائل لتفعيل ذلك المسار في ظل ضغوط دولية وإقليمية هائلة مصحوبة بالتهديد بالتدخل العسكري، اثر حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة، الا أن امتلاك إيران الحوافز الموضوعية والمبادرة سوف لن يخذلها الانتظار لتحقيق الوعود التي كان قد سعى الى تحقيقها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي .

 لواء ركن متقاعد دكتور

الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية