الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مصادر القوّة والسلطة في العراق

بواسطة azzaman

القوّة العسكرية -8-

مصادر القوّة والسلطة في العراق

منقذ داغر

 

(يقصد بالسلطة القدرة على جعل الآخرين يفعلون أشياء ما كانوا ليفعلونها بدون وجودها. والسلطة هنا لا تقتصر على السلطة القانونية بل تتعداها الى كل أشكال القوة القهرية أو التعاونية،والرسمية وغير الرسمية،والخاصة أو العامة. يختلف علماء الأجتماع في تحديد مصادر القوة الأجتماعية لكني أتبنى أنموذج مايكل مان Michael Mann  الرباعي -الآيدلوجيا،الأقتصاد،الجيش والسياسة- بعد تعريقه ليناسب الظرف الأجتماعي للعراق حالياً).

عِبرَ سبع مقالات سابقة أستعرضت دور الجيش العراقي كواحد من أربع مصادر للقوة الأجتماعية في العراق(مذكورة أعلاه). ووصل الأستعراض التاريخي لدور الجيش الى مرحة أحتلال داعش لأراضي عراقية واسعة. لقد زاد ذلك الأحتلال من التدهور المستمر الذي شهدته سمعة وقوة الجيش العراقي(الجديد) بحيث شهدت تلك المرحلة نمواً هائلاً في عدد الميليشيات والقوات البديلة،فضلاً عن عودة القوات الأميركية للعراق. ففي يوم الثلاثاء 17 حزيران 2014 صرح الجنرال ديمبسي رئيس أركان الجيش الأمريكي أمام مجلس الشيوخ الأمريكي أنهم تلقوا طلباً من حكومة المالكي لأرسال قوات أمريكية لمحاربة داعش. لكن زعيم الديموقراطيين في المجلس هاري ريد Harry Reid صرح بعدم تأييده لمقترح عودة القوات الأميركية.غير أن الجنرال ديمبسي أجابه (أن قتالنا لداعش هو مصلحة أمن قومي أمريكي). على أثر ذلك أجتمع الرئيس أوباما بأعضاء بارزين في الكونغرس يوم الأربعاء 18 حزيران لمراجعة الموقف في العراق وأبلاغهم بقراره لأرسال القوات الأميركية لقتال داعش في العراق. وقد سبق ذلك أبداء أيران،على لسان رئيسها روحاني،أستعدادها لمساعدة العراق في قتال داعش مع عدم أستبعاد التعاون مع أمريكا لهذا الغرض. لقد أدى تدويل الحرب ضد داعش،حيث تشكل التحالف الدولي لمحاربة داعش في أيلول 2014 وضم فيما بعد 60 دولة، الى موقف جعل العراق رسمياً تحت (الوصاية) العسكرية الدولية التي كانت ضرورية بسبب أنهيار الجيش آنذاك. كما أوجد موقفاً تعاون فيه الأضداد والأعداء(أمريكا وحلفاؤها،أيران وميليشياتها،والقوات الأمنية العراقية) لقتال ودحر داعش. كل ذلك أدى لمزيد من الإضعاف (الآني) لسمعة القوات العراقية وقدرتها على التأثير المجتمعي.لكن حسن أدارة حكومة العبادي التي تشكلت في أيلول 2014 لمرحلة أعادة تنظيم القوات العراقية وتعاونها الوثيق مع التحالف الدولي وكل الأطراف الداعمة أعاد الثقة تدريجياً بقدرات القوات المسلحة العراقية بخاصة بعد شروعها بعمليات تعرضية ناجحة ضد داعش في تكريت،وديالى، وآمرلي، والأنبار أسفرت عن تحرير أراضي عراقية واسعة حسنت كثيراً من معنويات الجيش والعراقيين عموماً وبدأت في أستعادة مافقدته من قدرتها على التأثير الأجتماعي. وبعد أكثر من سنتين من القتال المتواصل تم تحرير كامل الأراضي العراقية وأدت معركة تحرير الموصل بالذات الى تحسين كبير في سمعة الجيش وبخاصة جهاز مكافحة الأرهاب. هنا أذكر ما قالته مجاميع من أبناء الموصل بعد تحريرها لباحثي المجموعة المستقلة للبحوث حينما سألوهم: من تريدون محافظاً لكم بعد التحرير فقالوا نريد رئيس جهاز مكافحة الأرهاب آنذاك(الفريق عبد الوهاب الساعدي) محافظاً لهم. وكنت آنذاك أستمع لتلك المقابلات على الهواء، فطلبت من الباحثين أن يسألوهم:»لكنه شيعي وعسكري وقد كنتم تبدون تذمراً واضحاً قبل أحتلال داعش للموصل من القوات العراقية المتواجدة آنذاك في الموصل بأعتبارها طائفية كما كنتم تصفونها،فكيف تقبلون بمحافظ عسكري شيعي؟!». أجابوا « لقد ضحت قواته بنفسها من أجل تحريرنا وأثبتوا أنهم ليسوا قوات طائفية».

مكافحة الارهاب

على أثر ذلك نمت الثقة بالقوات المسلحة العراقية بشكل كبير بخاصة في المناطق (السنية). فبعد أن كان حوالي 15 بالمئة فقط يثقون بتلك القوات،في تلك المناطق، قبل حزيران 2014 قفزت الثقة بكل من الشرطة الأتحادية والجيش العراقي الى حوالي 85 بالمئة، ووصلت الى 90 بالمئة بقوات مكافحة الأرهاب في الأستطلاعات التي أجرتها المجموعة المستقلة للبحوث بعد تحرير الموصل مباشرة. لقد كان واضحاً أن الجيش العراقي قد أستعاد كثير من الثقة به في الأوساط الأجتماعية العراقية حتى أن أكثر من ثلثي العراقيين كانوا يؤيدون أستلام الجيش للسلطة في عام 2019. مع ذلك فقد واجه التأثير الإجتماعي للقوة العسكرية العراقية أختباراً صعباً في عام 2019 على أثر أنتفاضة شباب تشرين في بغداد والمناطق الجنوبية(الشيعية). فقد قام رئيس وزراء العراق آنذاك(عادل عبد المهدي) بزج القوات المسلحة العراقية(جيش وشرطة وقوات أمنية أخرى) في مواجهة مباشرة ومسلحة مع الشباب الثائر الطامح بأستعادة وطنه من السلطة التي يعتقدون أنها سرقته منهم وبددت بالتالي آمالهم وأحلامهم بغدٍ مشرق وحياة سعيدة. لا،بل أن الحكومة وافقت وساعدت(ضمنياً على الأقل) الميليشيات والجماعات المسلحة المعادية لأنتفاضة تشرين على توجيه بنادقهم وقنابلهم وقناصتهم لصدور الشباب الثائر مما أدى لمصرع المئات منهم ممن ما زالت دماؤهم تطالب بأنصافها والأقتصاص من قتلتها. لقد أبرزت أنتفاضة،أو ثورة، أو أحتجاجات تشرين خطورة السلاح المنفلت للميليشيات وعدم قدرة الدولة على ضبطه والسيطرة عليه مما جعله أحد أهم مصادر القوة الأجتماعية في العراق.

مقابل ذلك كشفت تلك الإنتفاضة ليس فقط عن عجز القوات العراقية النظامية عن ضبط الميليشيات المسلحة بل أيضاً عن عدم قدرة القيادة السياسية العراقية على ضبط تلك الميليشيات وبالتالي فقدان القدرة على السيطرة والتنسيق مع القوات النظامية. وقد تأكدت تلك الحقيقة لاحقاً عندما حاول رئيس الوزراء(الكاظمي) مرتين مواجهة تلك القوات في حزيران 2020 ومايس 2021. ففي كلتى المرتين حاول الكاظمي فرض قرار الدولة على تلك الميليشيات لكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاُ مما زاد من قوة تلك الميليشيات من جهة،وقلل كثيراً من تأثير القوات النظامية العراقية في المجتمع. وأذا صحت رواية الكاظمي عن محاولة أغتياله من قبل الميليشيات في نهاية 2021 فأن ذلك يرسم صورة واضحة عن تأثير السلاح والقوة العسكرية في العراق حالياً.

أن مما لا شك فيه أن القوة العسكرية في العراق(بخاصة الميليشيات والجماعات المسلحة خارج أطار الدولة) باتت اللاعب الأساس في الأجتماع السياسي،وفي السياسة الأجتماعية للعراق حالياً. وأن هذه القوة بتحالفها مع القوى الثلاث الأخرى(الآيدلوجيا،والسياسة والأقتصاد) تمتلك اليد الطولى من بين كل مصادر القوة الأجتماعية الأخرى التي أستعرضناها وسنستعرضها في هذه السلسلة عن مصادر القوة والسلطة في المجتمع العراقي.

 


مشاهدات 251
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/05/13 - 5:55 PM
آخر تحديث 2024/07/02 - 12:43 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 258 الشهر 685 الكلي 9362757
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/7/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير