الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مصادر القوة والسلطة في العراق

بواسطة azzaman

القوة العسكرية(7)

مصادر القوة والسلطة في العراق

منقذ داغر

 

(يقصد بالسلطة القدرة على جعل الآخرين يفعلون أشياء ما كانوا ليفعلونها بدون وجودها. والسلطة هنا لا تقتصر على السلطة القانونية بل تتعداها الى كل أشكال القوة القهرية أو التعاونية،والرسمية وغير الرسمية،والخاصة أو العامة. يختلف علماء الأجتماع في تحديد مصادر القوة الأجتماعية لكني أتبنى أنموذج مايكل مان Michael Mann  الرباعي -الآيدلوجيا،الأقتصاد،الجيش والسياسة- بعد تعريقه ليناسب الظرف الأجتماعي للعراق حالياً).

كان السقوط السريع (والمريع) لقوات الجيش والشرطة في الموصل،والأنبار وصلاح الدين وأجزاء من ديالى وكركوك أمام بضع مئات (وبيكبات) من عصابات داعش،وما سمي بقوات العشائر ومن تحالف معهم من بقايا حزب البعث مؤشراً واضحاً ليس فقط على ضعف وعدم كفاءة مئات الألوف من ضباط الجيش والشرطة وعدم قدرتهم على الدفاع عن أرض العراق،بل وعلى وجود فجوة كبيرة بين الشعب هناك وقواته المسلحة.لقد دشن أحتلال داعش للأراضي العراقية مرحلة جديدة ومأساوية في عمر الجيش العراقي (الجديد) ودوره كأحد مصادر القوة في مجتمعات العالم. فبغض النظر عما كشفت عنه التحقيقات الرسمية بخصوص المسؤولين عن هذه الكارثة التي حلت بالعراق والتي ليس مناسباً التطرق لها هنا،الا أن من الواضح أن الجيش والمؤسسة العسكرية كانت مصدراً من مصادر الضعف،وليس القوة الأجتماعية. لقد تجلى ذلك الخلل الكبير في العلاقة ما بين المجتمع المحلي وقواته في الترحيب الواسع الذي شهدته تلك المناطق بأندحار القوات الحكومية وأنسحابها (غير المنظّم) من مناطقهم. لقد ذكرتنا مشاهد فرار الضباط والمراتب ونزعهم  لملابسهم ورتبهم العسكرية بالكارثة التي حلت بالجيش العراقي في أعقاب غزو الكويت،لكنها هذه المرة على يج عصابات وميليشيات ومجاميع مسلحة بأسلحة بدائية وليس على يد تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة!

    حينما وصلت عصابات داعش في منتصف حزيران 2014 تخوم بغداد،وباتت تهدد أيضاً مناطق وسط وجنوب العراق وبخاصة المراقد المقدسة،صدرت فتوى الجهاد الكفائي من المرجع الأعلى(السيد السيستاني) والتي حثت على تطوع الشباب القادرين على حمل السلاح في القوات الأمنية العراقية(تحديداً) للدفاع عن العراق. وكانت هذه الفتوى أعترافاً ودليلاً مضافاً على أن الجيش(الجديد) لم يبنى بطريقة صحيحة ولم يكن قادراً على الدفاع عن العراق داخلياً أو خارجياً. كما تؤشر أن هناك حاجة لأستعانة الجيش بالشعب بدلاً من أن يحصل العكس!

فقدان الثقة

لقد أدى هذا الأنهيار غير المتوقع والصادم للقوات المسلحة العراقية في تلك المناطق الى فقدان الثقة المجتمعية والرسمية بالجيش والشرطة الأتحادية عموماً. وكان لذلك عواقب خطيرة، أدت الى مزيد من الضعف للمؤسسة العسكرية مهنياً ومجتمعياً ،فضلاً عن الآثار السلبية التي تركها على هيكل وعمل الدولة العراقية،تحت مبرر»عدم كفاءة وقدرة الجيش العراقي» على مجابهة تهديدات الأرهاب. وبدلاً من أصلاح وتعزيز قوات المنظومة العسكرية الرسمية،فقد أستُثمرت تلك الحجة لتعزيز قبضة القوات «البديلة» على القوة العسكرية كواحد من هم مصادر القوة في أي مجتمع كما تم أيضاح ذلك عبر كل مقالات هذه السلسلة. لقد جرت محاولة واضحة(سواءً مقصودة أو غير مقصودة) لأستحداث هيكل بديل عن القوات المسلحة العراقي ضمن منظومة عسكرية أسميتها «هجينة» في المقال السابق. تم ذلك عبر طريقين رئيسين أستثمرا الأندفاع الكبير والسريع للعراقيين الذين أستجابوا لدعوة الجهاد الكفائي. فبدلاً من أنضمام الأعداد الكبيرة من المتطوعين المتحمسين للدفاع عن العراق للقوات الأمنية،كما هو نص الفتوى،فقد سارعت جماعات حزبية وعقائدية  وعشائرية متعددة الى أستقطابهم ضمن صفوفها كميليشيات مقاتلة سواءً كانت تلك الميليشيات موجودة أساساً قبل غزو داعش وتمت الأستعانة بها من قبل الحكومة مثل كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، ومنظمة بدر، وجيش المهدي،أو تم تأسيسها بعد ذلك تحت مسميات مختلفة. لقد تزايدت أعداد هذه الميليشيات بشكل كبير جداً وخلال مدة زمنية قصيرة حتى قدّرت أحدى الدراسات العدد الكلي لتلك الميليشيات(القديمة والجديدة) بحوالي 120 ميليشيا تضم حوالي 160 ألف مقاتل. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى لتلك الميليشيات كانت (شيعية) الا أن الدراسة تشير الى 43 ميليشيا «عشائرية سنية» و 9 ميليشيات تتبع الأقليات الأخرى. هنا يجب التنبيه أن مصطلح «ميليشيا» المستخدم في هذه الدراسة هو مصطلح محايد (لا سلبي ولا أيجابي) ويشير للأصل اللغوي للكلمة في الغرب ويعني (جيش تشكله عادة قوات غير نظامية من المواطنين).

صعوبات وتخبط

لقد أدت الظروف السياسية والأمنية والأجتماعية والنفسية والدينية المعقدة والسريعة جداً،التي أعقبت صدمة داعش في مرحلتها الأولى الى صعوبات،بل وتخبطات كثيرة قادت الى عدم وضوح في هيكل القيادة والسيطرة على القوات العراقية على الأرض. فقد تم أستدعاء القوات الأمريكية للعودة للعراق وهي بالطبع تعمل طبقاً لمفاهيمها وعقيدتها وأوامر قيادتها السياسية والعسكرية والتي تتقاطع في كثير من الأحيان مع أوامر وثقافة وقيادة الجيش العراقي أو الميليشيات المختلفة. هذا فضلاً عن تواجد مكثف وفاعل لقيادات الحرس الثوري الأيراني والتي قد تتقاطع هي الأخرى مع القوات الأمريكية أو بعض القطعات العراقية.

ولم يكن هذا الهجين القيادي غير المتجانس هو المشكلة الوحيدة،بل كان هناك هذا الهيكل العسكري الهجين وغير المتجانس،بل والمتقاطع أحياناً في قواطع العمليات. يروي لي أحد المسؤولين الأمنيين الكبار أنه جرى نقل كتيبة دبابات عراقية الى أحدى الميليشيات حتى بدون مستندات تسليم نظامية. كما أن ضابطاً كبيراً قال لي في أحدى المقابلات التي أُجريتها مع كبار ضباط الجيش الذين عاصروا تلك المرحلة الأليمة،أن أحدى الميليشيات قامت بأيقاف رتل عسكري من عجلات وآليات مختلفة وصادرت كل أسلحته وآلياته قائلةً لآمر الرتل «أنتم ما تستاهلون هذا السلاح لذلك سنأخذه لنقاتل بدلاً عنكم»! وفي موقع آخر حدثت خلافات بين الميليشيات والقوات الأمركية التي وفرت الأسناد الجوي والأستخباري للمعركة.

أن هذه القوة العسكرية «الهجينة»  التي هي أقرب ل»خلطة العطار» خلقت وضعاً واقعياً على الأرض يصعب تجاهله من جهة.

ويصعب التعامل معه وحل أشكالاته من جهة أخرى. وهذا ما زاد في تعقيدات التشابك بين القوة العسكرية كأحد مصادر قوة المجتمع وبين مصادر القوة الثلاث الأخرى(الآيدلوجيا،والأقتصاد والسياسة) وهذا ما سيتضح أكثر في الحلقات القادمة.


مشاهدات 97
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/05/05 - 5:17 PM
آخر تحديث 2024/05/18 - 9:52 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 127 الشهر 7363 الكلي 9345401
الوقت الآن
الأحد 2024/5/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير