الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مصادر القوة والسلطة في العراق

بواسطة azzaman

القوة العسكرية  (6)

مصادر القوة والسلطة في العراق

منقذ داغر

 

(يقصد بالسلطة القدرة على جعل الآخرين يفعلون أشياء ما كانوا ليفعلونها بدون وجودها. والسلطة هنا لا تقتصر على السلطة القانونية بل تتعداها الى كل أشكال القوة القهرية أو التعاونية،والرسمية وغير الرسمية،والخاصة أو العامة. يختلف علماء الأجتماع في تحديد مصادر القوة الأجتماعية لكني أتبنى أنموذج مايكل مان Michael Mann  الرباعي -الآيدلوجيا،الأقتصاد،الجيش والسياسة- بعد تعريقه ليناسب الظرف الأجتماعي للعراق حالياً).

بعد أستعراضي في الحلقات السابقة لدور الجيش العراقي كمصدر رئيس من مصادر القوة الأجتماعية في العراق منذ تأسيسه ولغاية حله على يد الأحتلال بالأمر رقم 2 الذي أصدره الحاكم المدني(بريمر)،بدأت في تحليل دور القوة العسكرية في العراق في ضوء أنشاء الجيش الجديد بحسب أمر سلطة الأحتلال رقم 22 في آب 2003. قلت أن هذا الجيش(الجديد) بحسب أمر تشكيله وطريقة تشكيله أريد له أن يخدم أساساً قوات الأحتلال الأمريكي التي كانت تعاني من عدم قدرتها على ضبط الأمن في أعقاب حركة المقاومة المسلحة الواسعة لها،والتي لم تتوقعها كما يبدو،وكذلك بسبب التوترات الطائفية التي كانت تنذر بوضوح بأمكانية حرب أهلية في العراق. وبعد القضاء على عصابات القاعدة في العراق في 2007-2008 نتيجة التعاون بين قوات الأحتلال والصحوات في المناطق (السنية) وكذلك قوات الجيش العراقي الجديد،بدأت مرحلة جديدة تمثلت بهدوء نسبي في التوترات الأمنية،لكنها كشفت أيضاً عن عدم قدرة الجيش العراقي الجديد على القضاء على القاعدة بدون الأعتماد على الجيش الأميركي من جهة،وسكان المناطق (السنية) الذين شكلوا بمساعدة الأميركان ميليشيات مسلحة سُميت بالصحوات لعبت دوراً رئيساً في دحر القاعدة. وعلى الرغم من أن ذلك التعاون مع الصحوات كان يمكن أن يشكل منطلقاً قوياُ لتأسيس علاقة جيدة بين الجيش وبين أبناء مناطق (الصحوات) وبما يعزز من تماسك الأمن الداخلي من جهة،فضلاً عن تعزيزه لدور الجيش كمصدر قوة في المجتمع،ألا أن من جرى بعد ذلك من ممارسات في تصفية الصحوات وملاحقتها وقطع رواتبها عمق الفجوة بين أبناء تلك المناطق وقواتها المسلحة.

تحديات امنية

كما كشفت تلك المرحلة عن تنامي قوة الميليشيات في العراق وبدء تحديها العلني لسلطة الدولة وجيشها (الجديد). لقد كانت «صولة الفرسان» في آذار 2008 ،أحد أوجه ذلك التحدي والتي أثبتت نتائجها مرة أخرى عدم قدرة الجيش العراقي(الجديد) على مواجهة التحديات الأمنية دون الأستعانة بقوات الأحتلال الأمريكي.

وبغض النظر عن تقييم موقف حكومة المالكي آنذاك من  صولة الفرسان،أو من الصحوات ومحاولات تفكيكها وأضعافها،لأن ذلك ليس من أختصاص هذه الدراسة،فقد كان واضحاً أن الجيش العراقي(الجديد) ولعوامل كثيرة كان غير مهيأ لحفظ الأمن في العراق،بل مثلت مواجهاته تلك وطريقة تشكيله وقيادته وحركاته عامل مضاف من عوامل عدم الأستقرار السياسي والأجتماعي كما كشفت عن ذلك أستطلاعات الرأي العام التي أجريت في مناطق العراق المختلفة والتي أظهرت تباين،بل تناقض،في مواقف العراقيين تجاه جيشهم الجديد. ففي الوقت الذي أظهر فيه (الشيعة) رضا عام،وليس تام، عن الجيش الجديد والقوات المسلحة عمومأً،كان هناك تأييد أقل في المناطق الكردية ومعارضة أشد له في المناطق(السنية). ويبدو أن القيادة السياسية في العراق أدركت آنذاك نواحي الضعف وقلة الكفاءة التي برزت في مواجهات الجيش (الجديد) سواء مع عصابات القاعدة أو في صولة الفرسان التي أراد فيها رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة،القضاء على جيش المهدي فلم يستطع ذلك على الرغم من التقوق العددي والتسليحي للجيش مما أضطره  للأستعانة بالقوات الأمريكية لحسم المعركة! لهذه الأسباب ولسد النقص والفراغ الأمني الذي سيحصل نتيجة أنسحاب القوات الأمريكية الوشيك آنذاك، فقد صدر قرار في 2010 بأعادة 10 آلاف ضابط من الجيش والقوات الأمنية للنظام السابق للعمل ضمن الجيش وباقي أفرع القوات الأمنية. لقد تبوأ كثير من هؤلاء الضباط فيما بعد مناصب قيادية داخل منظومة القوات المسلحة العراقية.

 شهدت الأعوام 2008-2013 غليان سياسي ومواقف متشجنجة بين كل أطراف العملية السياسية في العراق أنعكست سلباً على دور الجيش العراقي الجديد والقوات المسلحة الأخرى فيه وفاقمت من التحديات التي يواجهها العراق وقواته المسلحة. ففي ت2 2008 أقر البرلمان العراقي الأتفاقية الأمنية وأتفاقية الأطار الأستراتيجي مع أميركا بجلسة صاخبة شهدت معارضة قوية لها. وفي شباط 2009 أعلن الرئيس الأميركي، باراك اوباما،وطبقاً لتلك الأتفاقية انسحاب القوات الأمريكية من المدن والبلدات العراقية، وحدد انتهاء المهام القتالية بحلول آب/ أغسطس 2010 على أن يتم الانسحاب النهائي نهاية العام 2011. وبذلك أستلمت القوات العراقية كامل المسؤولية الأمنية في العراق. ترافق ذلك مع أزمة سياسية خانقة نتجت عن أنتخابات 2010 التي أسفرت عن فوز القائمة العراقية برئاسة علاوي بأغلبية المقاعد،ومع ذلك أتفق الأميركان والأيرانيين على تسليم رئاسة الوزراء الى المالكي،بمساعدة المحكمة الأتحادية آنذاك والتي أصدرت قراراً غريباً منح التحالف (الشيعي) المنافس للقائمة العراقية سلطة تشكيل الوزارة الجديدة ورئيسها! وبذلك فقد تجنب الأميركان غضب أيران وأتباعها في العراق مما قد يؤدي لأنسحاب (صاخب) وغير سهل لقواتهم القليلة المتبقية آنذاك .وهكذا تم نقل مسؤولية السيادة على العراق بسلاسة ودون خسائر أمريكية الى حكومة المالكي الثانية. كان لهذا الموقف أثر كبير على القوى(السنية) والعلمانية المشاركة في العملية السياسية وأججت فيما بعد كثير من المشاكل الأمنية بخاصة في المناطق»السنية» التي خرجت بأعداد كبيرة للتصويت لقائمة علاوي. ترافق ذلك مع بدء حركة الأحتجاجات الشعبية في العراق (بخاصة بغداد) والتي على الرغم من أنها سبقت في بداياتها أحداث ما سمي ب(الربيع العربي) لكنها زادت في حدتها وأنتشارها متأثرةً بذلك الربيع. وشهد عامي 2012-2013 تصاعد الخلاف السياسي في المناطق (السنية) مع بغداد وخروج الكثير من التظاهرات هناك مما قاد الى مهاجمة  القوات العراقية للمتظاهرين والمحتجين في الحويجة في نيسان 2013.

مقتل متظاهرين

وأسفر ذلك عن مقتل 54 متظاهر وجرح العشرات! كما شهدت تلك الفترة أختراقات أمنية خطيرة من قبل المجاميع الأرهابية التي أرسلت أنتحارييها بأعداد كبيرة ليرتكبوا مجازر كبيرة في كل مدن العراق.  مهدت هذه التعقيدات في المشهدَين الأمني والسياسي الى مرحلة جديدة ليس في تاريخ الجيش والقوات المسلحة،بل في تاريخ العراق الحديث حينما تمكن بضع مئات من أرهابيي داعش من أجتياح مناطق واسعة من العراق بدأت بالموصل وأنتهت عند تخوم بغداد في حزيران 2014 وفي أعقاب أنتخابات برلمانية جدلية قادت لمزيد من المشاكل وعدم الأستقرار السياسي. تلك المرحلة هي ما سأناقشه في المقال القادم.


مشاهدات 307
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/05/04 - 12:18 AM
آخر تحديث 2024/07/02 - 10:39 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 260 الشهر 687 الكلي 9362759
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/7/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير