ملاحظات وتساؤلات .. قرار رفع أسعار البنزين
كوفند شيرواني
أصدر مجلس الوزراء العراقي في جلسته الاعتيادية يوم الثلاثاء 26 آذار عدة قرارات, منها قرار رفع أسعار البنزين بنوعيه المحسن والممتاز (السوبر). رفع القرار أسعار البنزين المحسن من (650) دينار إلى (850) دينار للتر الواحد, والبنزين الممتاز من (1000) دينار إلى (1250) دينار للتر الواحد على أن يطبق القرار في الأول من شهر أيار القادم.
ولم يرد في بيان الناطق الرسمي باسم الحكومة اشارة واضحة لمبررات ومسوغات هذا القرار. هل ان القرار بني على دراسات اقتصادية ومالية مستفيضة وبات ضروريا لدعم اقتصاد البلد. هل أن الحكومة تتجه نحو تخفيف الدعم على الأسعار والذي بات يشكل عبئا ماليا ثقيلا على الموازنة العامة للدولة. أم أن الحكومة بحاجة إلى سيولة نقدية إضافية تساعدها على الإيفاء بالتزاماتها المالية في الموازنة العامة التي يتوقع أن ترفع من (198) تريليون دينار في العام 2023 إلى (206) تريليون دينار في العام الحالي, أم أن القرار يهدف الى تقليل تهريب النفط ومشتقاته الرخيصة في العراق إلى دول مجاورة تكون فيها أسعار البنزين ومشتقات النفط الأخرى مرتفعة جدا.
بالامكان تسجيل جملة من الملاحظات حول قرار رفع أسعار البنزين, منها :
يمثل رفع سعر البنزين المحسن من (650) إلى (850) دينار زيادة بنسبة (23 بالمئة), فيما رفع سعر البنزين الممتاز من (1000) دينار إلى (1250) دينار للتر الواحد يعني زيادة بنسبة (25 بالمئة) , وهذه النسب للزيادة تعد مرتفعة و ينجم عن إقرارها في أي بلد في العالم الكثير من الإستياء والاعتراضات قد تتطور إلى تظاهرات جماهيرية واضرابات, لأنها ستؤثر وبأكثر من شكل من الاشكال في زيادة الأعباء المالية والاقتصادية للمواطن ذو الدخل المحدود و المتوسط.
نتصور ان إقرار الزيادة كان الأفضل لها أن تبدأ بالتدريج كأن تكون بنسبة لا تتجاوز (10 بالمئة) للعام الحالي, ثم تفرض زيادة أخرى (10 بالمئة) في العام المقبل وبالتالي ستكون آثارها أخف وطأة وتقبلها أيسر لدى المتضررين من هذا القرار.
رفع اسعار
ترتبط أسعار البنزين وهو الوقود الرئيسي لمئات الآلاف من عجلات النقل الصغيرة (العجلات الخاصة وعجلات الأجرة) و عجلات الحمل الخفيفة (1-2 طن), وسيتسبب رفع اسعاره في زيادة ملحوظة في اجور النقل الخاص وحتى النقل الشخصي بنسب تتجاوز نسبة ارتفاع أسعار البنزين, قد تصل الى نسبة (50 بالمئة) , وسينعكس كذلك على أسعار جميع السلع والخدمات المرتبطة والمعتمدة على وسائل النقل العاملة بالبنزين.
كانت وزارة النفط العراقية قد اعلنت في الأسبوع الماضي عن توجهها إلى زيادة إنتاج المشتقات النفطية بهدف الإكتفاء الذاتي وإنهاء ملف استيراد المشتقات النفطية (ومنها مادة البنزين) في مقتبل العام 2025. وصرح مدير عام توزيع المنتجات النفطية أن العراق كان يستورد بحدود (16) مليون لتر يوميا من البنزين و أن تشغيل مصطفى كربلاء (افتتح في نيسان من العام 2023) ساهم في تخفيض استيراد البنزين بحدود (7) ملايين لتر يوميا مضيفا أنه في حال اكتمال تشغيل مصفى بيجي (أفتتح في شباط من العام الحالي) سينخفض استيراد البنزين بنحو (3) ملايين لتر أخرى. أن التوسع في إنتاج المشتقات النفطية سيوفر على العراق مبالغ تتجاوز (4) مليارات دولار كانت تصرف سنويا على استيرادها. وعليه فإن الجزء الأعظم من البنزين والمشتقات النفطية الأخرى ستنخفض تكلفتها لأنها ستنتج محليا ويقل استيرادها بالعملات الاجنبية, وهذا الأمر يفترض أن يخفف من وطأة الدعم الحكومي لأسعار البنزين, وبالتالي فإن تخفيض الأسعار أو تثبيتها (على أقل تقدير) هو المرجح وليس رفعها !!
عجلات شخصية
أن النسبة الأكبر من العجلات الشخصية وعجلات الأجرة تستعمل البنزين المحسن الأرخص سعرا , والنسبة الاقل من العجلات الخاصة, الحديثة والأغلى ثمنا, تستعمل تحديدا البنزين الممتاز وهذا الترجيح يعود لأسباب فنية.
يعتقد البعض أنه لو كان قرار الزيادة مقتصرا على البنزين الممتاز دون المحسن, لكانت التداعيات وردود الأفعال أخف وطأة بكثير وربما ستكون غير ملموسة لأن مستخدمي هذا النوع البنزين والمفضل للسيارات الحديثة التي هم ميسورو الحال ولن تشكل هذه الزيادة (أوأية زيادات أخرى في أسعار البنزين) مصدرا للانزعاج أو التذمر لهم.
اتخذت الحكومة الحالية برئاسة السيد السوداني الكثير من الاجراءات التي تهدف الى تخفيف ألأعباء المعيشية للمواطن العراقي, نذكر منها إجراءات دعم سعر صرف الدينار عن طريق البنك المركزي ودعم السلة الغذائية وتخفيف أقساط القروض العقارية في شهر رمضان وغيرها. ومن هنا فأن قرار رفع سعر البنزين يثير الكثير من التساؤلات عن مبررات هذا القرار الذي أصبح مبعثا لعدم الارتياح من قبل المواطن الذي اعتاد لسنوات على شراء بنزين رخيص أسعاره مدعومة. يرجح البعض إن الحكومة اتخذت هذه الخطوة في سياق برنامجها للإصلاحات الاقتصادية والتي يدعو إليها كذلك صندوق النقد الدولي ونصحت بها مؤسسات مالية وخبراء اقتصاديون. وأيا كانت الأسباب والمبررات لقرار رفع أسعار البنزين, فإن الحكومة ومؤسساتها مطالبة بأن تقدم توضيحات وافية وصريحة لقرارات من هذا النوع لتنال بذلك تفهم المواطن وثقته وتأييده, لا استياءه وتذمره في أيام هذا الشهر الفضيل.
ومن الله توفيق.
استاذ جامعي وخبير نفطي