الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نصف‭ ‬قرن في‭ ‬رحاب‭ ‬حركة‭ ‬عراقية

بواسطة azzaman

نصف‭ ‬قرن في‭ ‬رحاب‭ ‬حركة‭ ‬عراقية

سناء عبدالقادر مصطفى

 

تربطني‭ ‬بالدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬فراس‭ ‬علاقة‭ ‬وطيدة‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1975‭ ‬وقت‭ ‬دراستنا‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ (‬كان‭ ‬يدرس‭ ‬الطب‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬كوبان‭ ‬الطبي‭ ‬المسمى‭ ‬بالجيش‭ ‬الأحمر‭ ‬في‭ ‬مدينة‭  ‬كراسنودار‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية‭) ‬وحينما‭ ‬زار‭ ‬مدينة‭ ‬أوديسا‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كنت‭ ‬وقتذاك‭ ‬أدرس‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬للدراسات‭ ‬العليا‭.  ‬تعرفت‭ ‬عليه‭ ‬اثناء‭ ‬زيارته‭ ‬للمرحوم‭ ‬طلال‭ ‬الصفار‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يدرس‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المعهد‭. ‬ألتقينا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الطلابية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعقد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬موسكو‭.  ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬الصدف‭ ‬الجميلة‭ ‬أن‭ ‬ألتقي‭ ‬بمحمد‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬تموز‭ ‬العام‭ ‬1979‭ ‬في‭ ‬

مصح‭ ‬ليفاديا‭ ‬الشهير‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬يالطا‭ ‬وهو‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬فيه‭ ‬مؤتمر‭ ‬يالطا‭ ‬4‭-‬11‭ ‬شباط‭ ‬1945‭ ‬القرم‭ ‬بين‭ ‬ستالين‭ ‬وتشرشل‭ ‬وروزفلت‭.‬

 

في‭ ‬أحد‭ ‬أيام‭ ‬شهر‭ ‬تموز‭ ‬1979‭ ‬عرفنا‭ ‬من‭ ‬مسؤولة‭ ‬القسم‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬منتجع‭ ‬ليفاديا‭ ‬بأن‭ ‬سواح‭ ‬عراقيين‭ ‬سوف‭ ‬يزورون‭ ‬المنتجع‭. ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬متوترا‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬استلام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬رئاسة‭ ‬جمهورية‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬تنحية‭ ‬أحمد‭ ‬حسن‭ ‬البكر‭ ‬عن‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭ ‬ومرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬اعدام‭ ‬30‭ ‬رفيقا‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬العراقي‭ ‬بسبب‭ ‬إقامة‭ ‬تنظيم‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬العراقي‭ ‬داخل‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬قررنا‭ ‬كتابة‭ ‬شعارات‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬سياج‭ ‬الطريق‭ ‬المؤدي‭ ‬الى‭ ‬المنتجع‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭  ‬حتى‭ ‬نجلب‭ ‬انتباههم‭ ‬تندد‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬اعدامات‭ ‬واعتقالات‭ ‬وخنق‭ ‬الحريات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬قمعي‭ ‬ديكتاتوري‭.  ‬تمكننا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬السواح‭ ‬العراقيين‭ ‬حتى‭ ‬نعرف‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬كتبناها‭ ‬على‭ ‬المجموعة‭ ‬السياحية‭. ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬هو‭ ‬أستاذ‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بغداد‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الاجتماع‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ ‬وهو‭ ‬أخ‭ ‬زميلنا‭ ‬ورفيقنا‭ ‬نصري‭ ‬فارس‭ ‬الهيتي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬كييف‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ (‬دراسات‭ ‬عليا‭). ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬السواح‭ ‬العراقيون‭ ‬من‭ ‬ابداء‭ ‬وجهات‭ ‬نظرهم‭ ‬بالشعارات‭ ‬بسبب‭ ‬خوفهم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬رجل‭ ‬أمن‭ ‬مع‭ ‬المجموعة‭ ‬السياحية‭ ‬يرافقهم‭ ‬من‭ ‬العراق‭. ‬

كان‭ ‬زميلنا‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬فارس‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬دراسته‭ ‬للطب‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬كوبان‭ ‬الطبي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬كرسنودار،‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الماركسية‭-‬اللينينية‭ ‬فرع‭ ‬مدينة‭ ‬كراسنودار‭ ‬التابع‭ ‬الى‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬1977‭-‬1978‭ ‬لإعداد‭ ‬الكوادر‭ ‬الحزبية‭  ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬دبلوم‭ ‬اختصاص‭ ‬بالشيوعية‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الدراسة‭ ‬وتقديم‭ ‬الامتحانات‭ ‬اللازمة‭. ‬يتمتع‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬فارس‭ ‬بسمات‭ ‬الطبيب‭ ‬الذي‭ ‬يطبق‭ ‬بحق‭ ‬قسم‭ ‬ابقراط‭ ‬الطبي‭. ‬هناك‭ ‬مقولة‭ ‬روسية‭ ‬عن‭ ‬وجه‭ ‬الطبيب‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬مهنة‭ ‬الطب‭ ‬بكل‭ ‬اخلاص‭ ‬وتفان‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬صفاء‭ ‬الوجه‭ ‬والقلب‭ ‬ومساعدة‭ ‬الناس‭ ‬وخصوصا‭ ‬المرضى‭ ‬منهم‭ ‬والذين‭ ‬يحتاجون‭ ‬اليها‭ ‬حيث‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬تصرفاته‭ ‬وتفانيه‭ ‬في‭ ‬خدمتهم‭ ‬وتقديم‭ ‬المشورة‭ ‬الطبية‭ (‬الطبيب‭ ‬لا‭ ‬يزعل‭ ‬من‭ ‬مرضاه‭ – ‬مثل‭ ‬روسي‭)‬

عمل‭ ‬دكتور‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬أنغولا‭ (‬1981-1982‭) ‬ضمن‭ ‬الفريق‭ ‬الاممي‭ ‬لمساعدة‭ ‬الشعب‭ ‬الأنغولي‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬دولته‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬العون‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليسارية‭ ‬والتقدمية‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭. ‬وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مدة‭ ‬عمله‭ ‬هناك‭ ‬توجه‭ ‬الى‭ ‬سوريا‭ ‬ومن‭ ‬سوريا‭ ‬الى‭ ‬لبنان‭ ‬حيث‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬مشفى‭ ‬ميداني‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المصيطبة‭ ‬وسط‭ ‬العاصمة‭ ‬بيروت‭. ‬عمل‭ ‬الطبيب‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬مناطق‭ ‬لبنان‭ ‬الساخنة‭ ‬والخطرة‭ ‬وقدم‭ ‬خدماته‭ ‬الطبية‭ ‬لمختلف‭ ‬الناس‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬انتمائهم‭ ‬السياسي‭ ‬والفكري‭ ‬والعرقي‭ ‬والمذهبي‭ ‬والطائفي‭ …‬الخ‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬خصلة‭ ‬إنسانية‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬طبيب‭ ‬أدى‭ ‬القسم‭ ‬الطبي‭ ‬يوم‭ ‬تخرجه‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.    ‬أما‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬فكان‭ ‬يفحص‭ ‬المرضى‭ ‬ويقدم‭ ‬لهم‭ ‬العلاج‭ ‬اللازم‭ ‬ويزورهم‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬ليطمئن‭ ‬عليهم‭ ‬ويتابع‭ ‬التزامهم‭ ‬بالنصائح‭ ‬الطبية‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬لهم‭.  ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬سرد‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬بتفصيل‭ ‬واسهاب‭ ‬وإنما‭ ‬توضيح‭ ‬النقاط‭ ‬المهمة‭ ‬فيه‭. ‬أما‭ ‬مواقف‭ ‬الكاتب‭ ‬السياسية‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬العراق‭ ‬فهذه‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬ومدى‭ ‬فهمه‭ ‬وادراكه‭ ‬للظروف‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬ولا‭ ‬زال‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬العراق‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭. ‬كلنا‭ ‬نحب‭ ‬العراق‭ ‬وكل‭ ‬فرد‭ ‬منا‭ ‬ينظر‭ ‬الى‭ ‬حل‭ ‬مشاكله‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬خبرته‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والفكر‭ ‬الذي‭ ‬يستند‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬حر‭ ‬في‭ ‬رأيه‭ ‬وتصرفاته‭. ‬لقد‭ ‬بلغنا‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬عتيا‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬نتجاوز‭ ‬السبعين‭ ‬وكل‭ ‬منا‭ ‬مر‭ ‬بتجارب‭ ‬غنية‭ ‬وعمل‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬المناطق‭ ‬سخونة‭ ‬وخطورة‭ ‬وكل‭ ‬منا‭ ‬يحمل‭ ‬تصورا‭ ‬خاصا‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬حوله‭. ‬

ولهذا‭ ‬فأنا‭ ‬أحترم‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬فارس‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمواقفه‭ ‬اتجاه‭ ‬العراق‭ ‬ومستقبله‭. ‬يمتلك‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬علاقات‭ ‬واسعة‭ ‬وكبيرة‭ ‬مع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭: ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬وفلسطين‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬وليبيا‭ ‬والجزائر‭ ‬والسودان‭ ‬وأنغولا‭…‬الخ‭ ‬ولهذا‭ ‬فهو‭ ‬يتمتع‭ ‬برأي‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬الناس‭ ‬والقادة‭ ‬السياسيين‭ ‬ويتمكن‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬وجهات‭ ‬نظره‭ ‬بكل‭ ‬عقلانية‭ ‬وفصاحة‭ ‬وتروي‭. ‬

أن‭ ‬كتابه‭ ‬الموسوم‭: ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬الحركة‭ ‬الشيوعية‭ ‬يستحق‭ ‬القراءة‭ ‬والتقدير‭ ‬العالي‭ ‬وجدير‭ ‬بالاهتمام‭ ‬وسوف‭ ‬يشغل‭ ‬مكانة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭. ‬

النرويج،‭ ‬أواسط‭ ‬شهر‭ ‬شباط‭ ‬العام‭ ‬2024‭.‬

نظرة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭: ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬الحركة‭ ‬الشيوعية‭ (‬186‭ ‬صفحة‭) ‬اسم‭ ‬المؤلف‭: ‬د‭. ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬فارس‭ ‬الناشر‭: ‬دارالرافدين،‭ ‬بغداد‭. ‬العراق‭. ‬الطبعة‭ ‬الأولى‭ . ‬حزيران‭/‬يونيو،‭ ‬2023

الرقم‭ ‬الدولي‭: ‬ISBN‭ : ‬978-9922-691-25-1‭ ‬


مشاهدات 605
الكاتب سناء عبدالقادر مصطفى
أضيف 2024/02/23 - 11:02 PM
آخر تحديث 2025/05/10 - 7:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1092 الشهر 12341 الكلي 11006345
الوقت الآن
السبت 2025/5/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير