الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشيخ الوقور والثلاثة المتقاعدون

بواسطة azzaman

الشيخ الوقور والثلاثة المتقاعدون

( زواج عتريس من فؤادة باطل)

 محمد  الانباري

 

   يتجول في قريتي منذ أشهر عدة؛ ثلاثة من متقاعدي الوظيفة, ومن أعمدتها في اختصاصتهم المختلفة، وبرفقتهم رجلاً متصوفاً زاهداً ووقوراً ذو لحية بيضاء، ممكن أن تصنف أحاديثهم بالحرص والغيرة والوطنية، إذ؛ يرددوا - ليلاً ونهاراً - وسط قريتنا وأطرافها بالقول، ما يشبه القول: ( زواج فؤادة من عتريس باطل)، الذي مضى عليه قرابة العقدين من الزمن، ولظروف صعبةً جداً في حينها، يعرفها الجميع كانت خارج عن إرادة قريتنا. ومن الناس من يستمع لهم، يجاملهم لشيبتهم ووطنيتهم،  فالقبرة والسنة لها احترامها حتى لو أخطأت في أقوالها، ليحملوا مختار مدينتي الجديد مسؤولية وتبعة ذلك الزواج الباطل الذي ليس له فيه ناقة ولا جمل.

      وللأسف، انهم يعرفون الحقيقة كاملة ويتغاضون عن ذكرهاً، كيف أجبرت     ( فؤادة) على الزواج من عتريس! فكان السلاح الحديث من بقاع العالم بمختلف مسمياته، قد اجتمع، فوق رأسها ورأس أهلها وعشيرتها، وسحبت عنوةً في ظلام دامس ومن قفص حديدي، ألا وهو بيت جدها الساكنة فيه منذ مئات السنين، وسيقت فوق عربة أجنبية يقودها سائقاً من ذي البشرة الحمراء ( السمسار الفاسد المرتشي) من خارج ديرتنا وديرة جيراننا، ليمنحها لهم، بل من ذلك الصوب البعيد من المحيط، ولم يستطع حينها كل أطراف القرية أن ينقذوها، ويقفوا بوجه ذلك الزواج الباطل، لأن ( المكيار والعصا والسكين والجراز والتوثية)، كانت سلاحنا، وهي لاتكفي أمام جبروت ( الراجمات والصواريخ والطائرات) الحديثة المنهالة على رؤوسنا، ولم نستطع المواجهة، خوفاً على أطفالنا، ولنحافظ على ما تبقى لنا في قريتنا، بسب تصرفات مختارنا القديم؛ الله لا يرحمه في آخرته، ويدخله في أحد أبواب جهنم، بسبب تصرفاته الرعناء التي أحرقتنا، وجعلتنا نسلم ابنتنا العزيزة ( فؤادة) الى جيراننا.

  قال الله  سبحانه وتعالى : وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) .

    أن التباكي على أطلال ليلى، ودغدغة عواطف الناس، بأسم الوطنية والتاريخ والقانون، ولا يقدم ولا يؤخر في حل مشاكلنا مع جيراننا ولايعيد لنا ابنتنا ( فؤادة)، ولكن، ممكن أن يدغدغ الأحاسيس لبعض مساكين الناس التي ترهقهم لقمة العيش أكثر من الوطنية، ويتعاطفوا ويشتموا مختارنا، وهذا البؤس بعينه.

    وليعرفوا جميعاً، أن التحكم بجزء من غذائنا ودوائنا من قبل ممن نغيضهم ونكرههم ونشتمهم ليل نهار، إذ، اصبحت تجارتنا ليست بين مكة والشام مثل سابق تأريخها، بل أمست بين مكة وذلك الطرف البعيد خارج المحيطات ! ولولا تمسكي بالقول : أن الارزاق على الله،  لقلت عيشتنا  أصبحت عليهم.

  والله بواقعنا الحالي المشتت، لو قطعوا عنا ذلك ( الزنبيل) من الغذاء والماء والدواء، لتجد أبناء قريتي يبحثون في أطراف المدينة عن قطعة خبز يابسة لهم ولأطفالهم، ويعودوا على أمتطاء ( ابو صابر) في حركتهم بين أزقة القرية، وينتشر السحر والشعوذة، ليحل محل الطب والدواء، وتمتلي مقاهينا بالبطالة والكسالى، وينصبوا الشقي الفاشل المتهور من قريتنا، حاكماً عسكرياً علينا، والخارج عن القانون حامل السلاح قاضياً لنا، ويختفي الطبيب والمحامي والمهندس من الساحة العلمية ليحل محلهم الجاهل .

    أما المعلم الجامعي؛ فيبدأ بسرد قصص ليلة وليلة، وشعر أبو نؤاس، وأغنية تعلق قلبي طفلة عربية، على طلاب قسم الحاسوب، ويترك تعلم اللغات والقانون والذكاء الصناعي والأمن السيبراني، ونعود لننام ليلنا في الصيف اللاهب تحت رحمة المهفة، وشرب ماء (الحب والتنكة) المغطاة بالكونية المصنوعة من خيوط الجوت الهندية حتى يبرد.

  أقول كفا مزايدات، رحمة الله عليكم، وتقديراً لأعماركم وشيبتكم الغالية علينا، وخوفاً على صحتكم من أمراض الزمن الحديث، من أن تصابوا بأمراض الحنجرة والقلب والسكر، ونخسركم لأنكم أعزة لنا، أن الاثارة والشهرة ليست بهذه الطريقة، لأن أهل القرية بكبيرها وصغيرها، يعرفوا قصة ذلك الزواج الباطل، وليسوا أنتم الوحيدون .

    أن الوقت الحالي، يتطلب من أهالي قريتنا؛ الحكمة والعقل، وتقديم البدائل العقلانية لمختارنا الحالي؛ لنحرر ابنتنا ( فؤادة) ونعيدها الى أهلها؟ معززة مكرمةً رافعةً رأسها وسط عشيرتها .

    استحلفكم بالله ؛ امنحوا الوقت ( لمختارنا الحالي) أن يعمل بما يرضي الله، إذ، لم نجد فيه شيئاً مشيناً منذ فرمان توقيعه مختاراً لقريتنا قبل سنوات عدة، وقد رضى عنه غالبية أبناء قريتنا، فالمساومة والتسقيط لا تخدمنا، بل بتقديم البدائل المبنية على الحكمة والعلم والمعرفة، لكي نعيد ابنتنا العزيزة ( فؤادة ) الى أهلها.

    أما في القانون الدولي المعاصر؛ في مثل هكذا مواضيع، فيتطلب، التوسط لدى الأحمر المتكبر ومساومته اقتصادياً أن تطلب الأمر، لأننا أصحاب مصلحة ومظلومية، وكليهما لايعرفا الخجل والتردد، هكذا السياسة الحديثة، وكذلك التوجه الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو محكمة العدل الدولية، بعد إيجاد الثغرات القانونية في القانون الدولي للنفاذ منها وإعادة حقوقنا، من أصحاب الخبرة والتخصص، وادخال كبار القوم وعقالهم لدى الطرف الآخر، ومن يؤثر عليهم من أبناء عمومتهم من أبناء المنطقة، لكي نعيد المياه الى مجاريها، ونؤمن مستقبلاً آمناً للأجيال القادمة مبنياً على السلام والمحبة بدلاً من الضغينة والثأر والعداوة.

  وفي ختام مقالتي، فقد وصلت الفكرة لقرائنا الأعزاء، ونختمها بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

                                                              صدق الله العظيم.

 

 


مشاهدات 54
الكاتب  محمد  الانباري
أضيف 2025/05/10 - 1:27 AM
آخر تحديث 2025/05/10 - 5:42 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 338 الشهر 11587 الكلي 11005591
الوقت الآن
السبت 2025/5/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير